إهانةٌ لنا.. في "قُفةِ رمَضان!
مَن يَفعلُون خيرًا، يفعلونَه بالسّتر.. لا "بالطبلِ والغيطة"..
ولا أمامَ عدساتِ التّصوير..
ومن يَقترفُ السّلوكَ الجَهْرِي، هو يُمارسُ التّبجّحَ والاستعلاء، أمام وسائلِ الإثبات، بشرًا وعدَسات..
إنها إهانةٌ من "النّخبةِ السياسيةِ والاقتصادية" في "قُفةِ رمَضان"!
وإهانةٌ للمحتاجِين من أثرياءَ لهم مَصالحُ خاصة، وهُم من أسبابِ انتشارِ الفقرِ في ربوعِ بلدِنا..
ولو كانوا فعلا يُقدّمون مساعدةً إنسانيةً وطنية، لأخرجُوا الزكاةَ وهي من أركانِ الإسلام، والضريبةَ وهي أساسيةٌ لمَداخيلِ الدولة..
وعلى الدولةِ نفسِها أن تُقنّنَ وتُنظّم حقلَ المساعداتِ للمحتاجين والمُعوِزين..
لكنّ مسؤولينا لا يَهتمّون بالمُساعدة، بقدرِ ما يَهتمّون بالتظاهُر بالمساعدة..
المساعدةُ في اتّجاه.. والتّظاهرُ في اتّجاهٍ آخر!
والأحزابُ ما زالت على عادتِها القديمةِ من الركوبِ على ظهرِ الفقير..
فترى الفقيرَ يشتغلُ عند الغنيّ، بمدخولٍ هزيلٍ جدّا.. وقد يقضِي عُمرَه في شُغلٍ بلا حُقوق..
وفي أرذلِ العُمر، يجدُ نفسَه بمعاشٍ ما هو معاش: "الصندوقُ الوطني للضمان الاجتماعي" هو في خدمة الأغنياء، على حساب الفُقراء..
والفقيرُ يبقى فقيرا، حتى وهو يشتغل في شركة الثريّ، ويُصبحُ أفقَرَ في وقتِ التقاعد..
والأغنياءُ أغنياء، والفُقراءُ فُقراء..
ونحنُ لسنا بلدا فقيرا..
ومن يَقُومون بتفقيرِنا ما هُم إلا نُخبةٌ سياسيةٌ واقتصاديةٌ لا تهُمّها إلا مَصالحُها..
ومَصالحُها تَكمنُ في نهبِ حُقوق الفقراء، وهم الأغلبيةُ الساحقةُ من سكان البلد..
الإقطاعيّون يَتظاهرون بالعبادة والرحمة والشّفقة، وما هم إلا لصوصٌ يَتَمركزُون في الدّين والسياسة والمال والأعمال..
يُمارسُون استغلالَ الدّين، والفَقر، والبِطالة، وحتى اللاّوَعي، واللاّضَمير..
والهدَف: هو التسلّقُ إلى الحُكم، على سَلاليمَ انتخابية، وضمانُ مناصبَ عُليا لبناتِهم وأبنائهم ومُقرّبيهم..
وما زالوا يواصلون شراءَ الذّمَم..
وشراءَ الكراسي في الجماعات المحلية، والجهاتِ والبرلمان..
بتسلّقٍ مَكشوفٍ إلى الحكومة!
وغيرُ مَقبولٍ أن يستمرّ هذا السلوكُ المُشِين..
ولا أن يستمرّ تزويدُ الفُقراء بأكباشِ العيد الكبير..
ما زلنا في زمنِ توظيفِ "الإنسان والإنسانية"، للتسلُّق إلى مراكزِ القرار، على انتخاباتٍ ليست فيها الأحزابُ بريئة..
ما زالت الانتخاباتُ تُجرَى على أساسِ البيعِ والشراء..
الأموالُ الحزبيةُ وغيرُ الحزبية، تَشترِى الكراسِي في الجماعات، والبرلمانِ بغُرفتيْه، وتصلُ إلى المناصبِ العليا، وإلى الحكومة..
ضرورةُ إعادةِ النظر في "قُفّةِ رمضان" لتكُون بالفعلِ تكافُلاً اجتماعيّا لفائدةِ الأُسَرِ المُعوِزة، بدلَ التّباهي في تسليمِ هذه المساعداتِ البسيطة لفئةٍ مُحتاجةٍ محدُودة..
لا يَرَون الفُقراءَ إلا في رمضان..
وكأنْ ليسَ خارجَ رمضان، مُشرّدُون ومُشرّدات..
وأطفالٌ يَفتَرشُون الأرضَ ويلتَحفُون السّماء..
وفي "شهرِ الصّيام"، تُهِينُنا أحزابٌ، وتحتَ إبطِها جمعياتٌ من توابعِها، ومعها فئاتٌ مُسمّاةٌ بالمُحسِنين، والأعيان، ومَن يَحظون بالصّفقاتِ العمُومية، والاستِثماراتِ المُربِحة، وغيرِ هؤلاء من "عِليةِ القَوم"..
وأغلبُهم لم يأتوا بثَروتِهم إلا من الرّيع، والسّمسَرة، والرّشوة، والفَسادِ الإداري، والعلاقاتِ الزّبونية، ومِن كلّ ما هو انبطاحٌ أمام السلطةِ المحليةِ والمَركزية..
والسلطةُ عندَنا هي الوَصيةُ على "الجماعاتِ المحلية"، وبالتالي هي تُحرّكُ الملفّات، وهي تُعَرقِل..
والسلطةُ هي تُفقِرُ وتُغنِي، مَن تشاء..
إنها "الكلّ في الكلّ"..
والحديثُ عن الحقوقِ الاجتماعيةِ المشروعة يَقودُنا إلى ما هو أكبرُ من سلطةٍ إداريةٍ نَجدُها خلفَ الفسادِ الإداري..
وفي هذا السياق، نَستحضرُ المقُولةَ الملَكيةَ الشّهيرة: "ثورة إدارية!"..
والحاجةُ ماسّةٌ لهذه الثورةِ الإدارية.. رغم أن بعض كبار المسؤولين يتكلمون عن القانون.. والبلادُ بحاجة لا إلى نصوصٍ جديدة، بل إلى تطبيق.. وعندما يتكلمُ هؤلاء، لا يتكلمون عن فساد إداراتهم، بل عن كبشِ فداء!
وكبشُ الفداء هو واحد: الفقير وحدَه.. به تُلصَقُ كلُّ التُّهم..
يقال فيه: هو اللص، هو المعتدِي، الظالِم، يَقطعُ الطريق، وهو المُتطرّفُ والذي لا يَفهم، وليست له أخلاق..
والثريُّ هو الحاجّ والطيّبُ والمُتخلّق!
والأثرياءُ هم يَبلَعُون أراضي الفُقراء، وحُقوقَ الوطن..
وحُقوقُنا لا نلتمسُها من هؤلاء، بل من القانون..
ويجب إعمالُ القانون..وحقُوقُنا عند دولتِنا..
الدولةُ عندها الحقوقُ والواجبات..
وهذه يُحدّدُ الدستورُ مَعالمَها وركائزَها..
والدولةُ التي نَطرُقُ أبوابَها هي دولتُنا جميعا..
وإليها نسعَى للاحتكام..
ومعها نتكلم..
هي أدرَى بطريقةِ إيصالِ الحُقوقِ الاجتماعية، إلى مُستَحِقّيها، بدُون المَساسِ بكرامتِنا..
نَعَم لدَولتِنا! وهي أوسعُ وأشمَل، وهي السلطةُ الأكبر، وهي الحَكَم!
إلى دَولتِنا التي نتصوّرُها أكثرَ اهتمامًا بالتّوازُناتِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نرفعُ هذه القضية التي يُجسّدُها التّفقيرُ المُمَنهَجُ لدى "النّخبةِ الحاكمة"، محليّا ووطنيّا!
دولتُنا هذه، في اتّساعِها وعُلُوّها وقُدرتِها، وَحدَها نُطالبُها بكلّ حُقوقِنا، وباحترامٍ وتقدير، وفي إطار السّلم الاجتماعي الضروري لتنميةِ بلادِنا..
والتنميةُ لا تكونُ بدُون حقوقِ الإنسان.. وبدون تنميةٍ بشرية: وهي تنميةُ الإنسان في ربوع وطنِنا المشترَك..
وإنّ "قُفةَ رمضان" تُذكرُنا بأنّ "اليد العُليا خيرٌ من اليدِ السّفلى"، وبالتالي تُفرزُ في بلدِنا قراءةً اجتماعيةً سلبية..
والتلفزيون "الرسمي"، حتى وهو شرِكةٌ صُورِية، يُقدّمُ المُحتاجين المغاربة، في حالةِ بُؤسٍ مُهين، يَرفعُون أبصارَهم بألمٍ شديدٍ إلى أشخاصٍ من "النّخبة"، يَنظرون من أعلَى، وبكبرياء، إلى عجَزةٍ ومرضَى ومُعوّقين ومن ذوي الاحتياجاتِ الخاصّة، وهؤلاء يَتسلّمون قُفّةً لا يَتجاوزُ مُحتوَاها بضعَة دراهم..
وهل هذه القُفّةُ الواحدةُ لا يَحتاجُها بشرٌ إلاّ في يومٍ واحد؟
هل فينا من لا يحتاجُ خُبزا وزيتًا وسُكّرًا على طول العام؟
هل قُفّةٌ هزيلةٌ تكفِي لإعالةِ أسرةٍ في فقرٍ مُدقع؟
يحُزّ في النّفس أن "أعيانًا" يأتُون لكي تُلتَقَطَ لهم صُورٌ مع بؤساءِ البلد..
لصوصٌ لا تنقُصُهم إلا صُورٌ مع أفقرِ الفُقراء، لكي يَظهرُوا في التّلفزيون، وكي يقولَ عنهم الناسُ إنهم مُحسِنُون، وإنّ طريقَهم إلى الجنّةِ سالِكة..
مِن هؤلاء بالذات لا نقبلُ القُفّة، لأنّ هذه ليست بريئة..
هذه سُلّمٌ تَستخدمُهُ الأحزابُ الانتهازية، وفيها "تُجّارُ الدين"، للتّسلّق إلى المجالس والبرلمانِ والحكومة..والحكومةُ يَستهوِيها هذا المشهد، لأن "أحزابَ الأغلبية" تستغلُّ المشهدَ المُقَزّز للخُلودِ في الحُكم..
ولنا في البرلمان أشخاصٌ ينُوبُون عن الشعبِ منذُ عقودٍ من الزّمن..
وما زالوا يُمارسون ما قد مارسُوا من زمان، من تفقيرٍ للمغاربة..
ونَشعرُ ان التلفزيونَ نفسَه يُهينُنَا جميعا، ونحنُ نشاهدُ الفارِقَ الرّهيبَ بين من يُسَلّمون القُفّة، ومن يَتَسلّمُونها..
ونحنُ لا نُريدُ هذه القُفة، لا اليومَ ولا غدًا..
نريدُ العدالةَ الاجتماعية..
ولا نَقبلُ إهانةَ الفقير..
ولا أيّا من ضحايا الظّلم الاجتماعي..
وجبَ القضاءُ على الفَقر..
بدُون تركيعِ الفَقير!
ولا يجوزُ المساس بكرامة أيّ محتاج.. وما أكثر المُحتاجين المُتَعفِّفين!
القُفّةُ الرمضانيةُ ليست حلاّ للقضاء على الفقر..
إن الفقرَ في بلدنا يُشكّل قُنبُلةً موقوتة.. فإمّا البحثُ عن حلّ جِذري، أو تقليدُ النّعامة التي تضعُ رأسَها في الرّمال..
والحلّ مُمكن.. هو قائمٌ في العدالة الاجتماعية..
وأيضا في سياسةٍ رسميةٍ لا تتعاملُ مع الفقيرِ وكأنه سلعةٌ قابلةٌ للاستغلال..
وعندما تَستوعبُ الدولةُ بكل قواعدِها، أن الفقر يُشكل قُنبُلةً اجتماعيةً حقيقية، عندها تُفكّرُ جيّدا: فإمّا أن نَكون أو لا نَكون!
المسألةُ مسألةُ بقاءٍ أو فَناء..
والفَناءُ لا يكونُ للفُقراءِ وحدَهم..
فيا نُخبتَنا السياسيةَ والاقتصادية! حُلّوا مشاكلَ البلد، قبل فواتِ الأوان..
وإذا كانت عُقولُكم عاقرًا، وفي حالةِ جفافٍ بلا حدود، وبلا أمل، فأمامَكُم حلٌّ واحد: غيّرُوا الدّستور!
الفصلُ بين الدّينِ والدّولة..
واجعَلُوا دُستورَنا الجديد أرضيةً لقانونٍ مَدَني، من الألِفِ إلى اليَاء!
"الدولةُ العِلمانيةُ" هي وحدَها الكفيلةُ بإنقاذِ بَلدِنا من طُوفانٍ قادِم!
وما عدا العِلمانية، فمَضيَعةٌ للوقت!
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :