التّبذيرُ في سيّاراتِ الدّولة!
- يا رئيسَ الحكومة!
ألاَ يَستَوقِفُكُم الوَضعُ الاقتصادِي المُزرِي الذي يَدفعُ بلدَنا إل مُؤخرةِ العالم؟
ألا يَخطُرُ ببالِكُم أن تكُونَ لكُم، أنتُم ووُزَرَاؤُكم ومُوظّفُوكم "السّامُون"، ومعكم برلمانيّوكُم، مُبادرةٌ شُجاعةٌ وطنيّة، هي الإقدامُ على تقليصِ المصاريفِ الرّسمية، وترشيدِ النّفقات؟
لماذا تتَجنّبون ترشيدَ النّفقات؟
ألا يَخطُرُ ببالِكُم أن تَبيعُوا سياراتِ الدولة، التابعةَ للوزارات، كي تَضُخّوا أموالَها في صُندوقِ الدّولة، مُساهَمةً من الحكومة في إنعاشِ الاقتصادِ الوطني؟
ألا يَخطُرُ ببالِكُم هذا السّلوكُ الحضاري؟
لمَ لا تكُونُون قُدوةً لكلّ كبارِ مُوظّفي مُؤسّساتِ الحكومة، لكي يَمتَثِلُوا جميعا؟
أم تُراكُم مَحرُومِين من هذه النيّةِ الصّافيّة؟ ومحرُومين من المُساهمةِ إلى جانبِ شُرفاءِ الوطن في إنعاشِ اقتصادِ البلاد، وتحريكِ عَجلة التّنمية، وإيجادِ فُرَصٍ للعمل؟
لا يبدُو أنكُم تُفكّرون في الوطن والمواطن، وكلّ ما هو مَصلحةٌ عامة.. لو كنتُم تُفكّرون لغيرِكم أكثرَ من أنفُسِكُم، لاَسْتَغنيتُم عن سَياراتِ الدولة، ولاَختَرتُم إما السيارةَ الخاصة، أو النقلَ العمُومي إلى جانبِ كل المواطنين..
لكنّكُم مَحرومُون من المُساواةِ مع الناس، ومُتهرّبون من المسؤولية، وجانحُون إلى الفُرجةِ عل "الغِشّ والفساد"..
ومَحرومُون من توجيه البرلمانيين الذين أنتُم على صلةٍ بِهِم في تبادُل المصالح.. وهُم أيضا مِثلَكُم لا يجدُون قُدوةً حكومية، ولا من يُمكنُ أن يَجذِبهُم كي يَحذُوا حذوَهُم فيُساهِمُوا هُم أيضا في إنعاش الاقتصاد الوطني..
وليس هذا الموقفُ المنتَظرُ منكم بعيدا عن الدولِ الأوربية..
- خُذُوا العِبرةَ من أوربا!
والنماذجُ الإيجابيةُ في أوربا كثيرة، ومنها الحكومة الهولندية ورئيسُها ووُزراؤُها الذين يَمتَطون الدّراجاتِ الهوائية، بديلاً عن السيارات الرسمية..
ونماذِجُ تغليب الصالح العام كثيرة، ومنها التصريحُ الذي أدلت به وزيرةُ التجارةِ الهولندية، ومَفادُهُ أن أيّ وزيرٍ يصرفُ 20 أورُو أكثرَ من راتبه، سيتمّ طردُه من الحكومة.. وقالت: "حتى أنا أُطرَدُ من الحكومة إذا أنفقتُ 20 أورو فوقَ راتِبي"!
- خُذُوا العِبرةَ من شُرفاءِ العالَم!
الحكوماتُ الحكيمةُ العاقلةُ في كثيرٍ من الدّول، تتسابَقُ على تجنّبِ التّبذير، بينما التّبذيرُ عند حكومتِنا هو الأساس.. هو القاعدة..
وأنتم يا رئيس الحكومة أَدرَى بمفهومِ التّبذير في الثقافة الإسلامية: المُبذّرون إخوانُ الشياطين.. هكذا يقول القرآن..
- إنكم مُبذّرون!
وهذه السّنة أيضا اشتَرت حكومتُكم سياراتٍ أخرى جديدةً فخمة، بأسعارٍ تُحسَبُ بملاييرِ الدراهم..
ولا غرابة! فحكُومتُكُم مَحرُومةٌ من فضيلةِ الوطنيةِ والإنسانية، وفضيلةِ حُسنِ التّدبيرِ والتّسيير، وفضيلةِ قيادةِ من صوّتُوا لكم من أجل أن تقوموا بإنجازات عملية، على أساس التّطوّع والتّضحية والمُساهمةِ من أجل بناءِ البلد..
وهذا السلوكُ الحضاري لا يأتي من أشخاص قد تَسلّقوا إلى السياسةِ كي يغتَنُوا، لا لكي تتطوّر البلادُ وتَزدهرَ وينتَعشَ تعليمُها وصِحّتُها وتشغيلُها وكلّ مَظاهرِ الحياةِ اليومية، بمُختلفِ رُبوعها..
الضميرُ المهني لو كان موجودا في مؤسّساتِ الحكومة، ما بحَثتُم عن مُبرّر لغضّ الطّرف عن احتياجِ البلادِ إلى مُبادرة إيجابية من حكومتكم، بحُكمِ مسؤوليتِكم..
فماذا يمنَعُكم من أن تبيعُوا سياراتِ الدولة، وتضُخّوا مَداخيلَها في الاقتصادِ الوطني؟
ماذا يَمنعُكم من التّخلّي عن بِنزِينِ الدولة، وعن الامتيازات، من أجلِ إنعاشِ اقتِصادِ الوطن؟
ألم يَحِنِ الوقتُ لإيقاظِ ضميرِكم من أجل أن تكونوا مُواطنين حقيقيّين؟
لماذا لا تُساهِمون في تطوير البلاد؟
إنّ التّبذيرَ لم يَتوقّف.. ما زال سائرًا على عَجَلات..
وسياراتُ الدولة ليست في عُطلة.. تجُوبُ البلادَ طولاً وعرضًا.. وتراها في الأسواقِ والشواطىءِ والمُنتَزهاتِ والطرُق، وكأنّها في مُهمّة رسميّة.. وهي ليست كذلك.. يَستخدمُها مَسؤولون لقضاءِ مآربهم، ويتَنقلون بها هنا وهناك وفي أي مكان، ومن أجلِ مَصالحِهم الخاصّة.. وفي مَنطق الحكومة المتهوّرة، هذا هو: ترشيدُ النفقات!
- وعيبٌ أيتُها الحكومة!
لو سِرتُم في اتّجاه تطويرِ البلد، لكُنتُم مُواطنين صالحين، ذوي ضمائرَ حيّة..
عندئذٍ يُسجّلُ لكم التاريخُ أن لكُم مُبادرةً لا تُنسَى، وأنها سوف تبقَى درسًا وتوجِيهًا لمن يأتُون بعدَكم..
كما يُسجلُ لكم التاريخُ أنكم لم تسبَحوا ضدّ التيارِ الوطني الذي يقُودُهُ حُكماءُ وعُقلاءُ البلد، من أجلِ مغربٍ مُتطوّرٍ شامِخ..
أين أنتُم من مُكافحةِ الفساد؟
أين أنتُم من مُحاربة الشّططِ في استعمالِ السّلطة؟
أين أنتُم من مُحاربةِ التّبذير، وأنتُم أَسبَقُون إلى تبذيرِ المال العام..
وما جدوَى كثرةِ السياراتِ الباذخةِ بدون احتياجٍ إليها؟ هل كثرةُ السيارات هي تَبنِي البلد؟ والتنمية الفردية والمُجتمَعية؟
هل التّبذيرُ يُدخِلكم من أشرَقِ بابٍ إلى التاريخ؟
إنكم تَعبَثون بالمالِ العام، وبأحلامِ البلد..
وتَسبَحون ضدّ التيارِ الوطنِي والمُواطَناتِي.. وشتّانَ ما بين مَن يَخدُمون المَصلحةَ العامة، ومن يَتَخَندَقون ضدّ اقتصادِ البلد..
- وبين مُواطنِين، وأشباهِ مُواطنين!