الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

الغرب بين الفكر والجمال والأخلاق.. وبين الاحتلال والإبادة والاضطهاد

محمد دحاني
الخميس 24 أبريل 2025 - 22:58

يغلب على وسائل إعلامنا بما فيها الرسمية استخدام عبارة الحماية أو الاستعمار والمستعمر لوصف أحداث ووقائع حصلت بالمغرب ما بين 1912 و1956، وهذا يحمل الكثير من المغالطات، إن لم يكن يحمل توجيها مقصودا نحو بناء تصورات معينة حول ما جرى خلال تلك الحقبة من تاريخ المغرب.

إن عبارات من قبيل الاستعمار والمستعمر والحماية، توحي بأن القائم بهما يسعى للبناء والإعمار لفائدة المعمور وحمايته من الأخطار الداخلية والخارجية، هذا في حين أن كلمات من قبيل الاحتلال مثلا، تحول الفعل إلى هيمنة القوي على الضعيف بغاية احتلال أرضه واستغلال خيراتها بالغصب والعنف، وبتهديد سلامة شعوبها النفسية والجسدية بل وحتى سلامتها وأمنها الروحي، والفرق بينهما واضح وجلي، فلماذا يصرون على استخدام تلك العبارات المزيفة التي تعاكس حقيقة الأمور. 

لابد وأن الأمر ما هو إلى جزء من شيء ما، شيء أكبر، شيء يراد للناس ألا يتذكره، ومن الأفضل أن لا يعرفوه من الأساس، أشياء تتعلق بتاريخ المحتل "المستعمر" من استنزاف واغتصاب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي، هذه الجرائم لم ترتكب بعيدا عنا، بل ارتكبت في أرضنا وضد أجدادنا، فيكون من الخيانة لتضحياتهم نسيانهم ونسيان معاناتهم، بل الأشد قسوة من ذلك، هو التصالح مع ذلك الماضي والتصالح مع ذلك المحتل، لا أقول بضرورة حمل الناس على كراهية المحتل السابق، أو قطع روابط التعامل معه، ولكن التعامل المادي بما يخدم الشعوب شيء، وبناء وعي جماعي يرى في المحتل محتلا ومعتديا، مهما بلغت درجات التعاون والاندماج الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

والأمر ليس خاصا بالمغرب فحسب، بل قد يبدو المغرب الأقل ضرارا أو هذا ما يحاولون أن يصوره لنا، فلك أن تنظر إلى حجم تلك الجرائم وبشاعتها، تلك الجرائم التي ارتكبها الأوروبيين والأمريكيون ضد باقي شعوب العالم في آسيا وإفريقيا وأمريكا، حتى لا تكاد تصدق بأن أحفاد هؤلاء المجرمون، يحدثونك اليوم عن الحرية والعدل والإخاء والمساواة، بل ويفرضون على دول وشعوب عقوبات اقتصادية ومالية بزعم نشر الديمقراطية، فكيف يستقيم الأمران.

وهنا أتذكر تصريح رئيس الفيفا الحالي في معرض جوابه عن انتهاكات حقوق الانسان بدولة قطر في إطار استعداداتها لتنظيم كأس العالم 2022، حينما قال بـ"أن الأوربيين يلزمهم ثلاث ألاف سنة قادمة من الاعتذار عما فعلوه بشعوب الأرض خلال ثلاث ألاف سنة الماضية، وذلك لن يكون كافيا للتكفير عن جرائهم".

هنا يمكن التذكير ببعض هذه الجرائم، وللقارئ المهتم أن يبحث عن بقيتها أو كثرتها التي لن يتسع الباب هنا لاستعراضها، فمثلا إبادة الهنود الحمر في القارة الأمريكية على يد المنبوذين من أوربا والتي يعتقد أنهم فاقو الخمسين مليون فرد،، واستعباد الأفارقة في الحقول الأمريكية، الى جانب ما فعلته آلة القتل والترهيب الفرنسية بالجزائرين على مدى يفوق 134 سنة من الاحتلال والتنكيل، وأخيرا نذكر ما فعله ملك بلجيكا ليوبولد الثاني الذي اعتبر دولة الكونغو ملكية خاصة بأرضها وجوها وسكانها، فقد كان القتل وفي أحسن الأحول قطع اليد هو عقاب كل مواطن أصلي يعجز عن استيفاء ما يجب أن يجنيه من مطاط أو عاج، بل ويمتد الامر لإحراق الناس وقراهم وهو أحياء، وتقد العديد من الدراسات عدد قتلى الكونغو خلال الفترة الممتدة ما بين 1988 و1905 بالملايين، وهذا العدد تقديري لأنه من الصعوبة بمكان إجراء إحصاء أنذاك.

وبعد كل ذلك، يتبجح الغربيون بدفاعهم عن الحرية والديمقراطية وحملهم لواء حقوق الانسان، فأين كانت حقوق الانسان في ذلك الزمان، أم كانت تقتصر فقط على العرق الأبيض، وبالتالي فهم وحدهم من يحملون صفة الانسان، أما باقي البشر فهم ليسوا كذلك، وبالتالي يجوز فيهم ما لا يجوز في غيرهم من البيض.

إن العقل الغربي، ورغم ما راكمه من أفكار وتصورات حول الحرية والحقوق الإنسانية، فإنه ضل عاجزا عن الايمان بكونيتها، فقد ربط التمتع بها واستحقاقها بالمواطن الغربي، مما أتاح له نوع من التصالح المزيف مع الذات، لتقبل اضطهاد شعوب الأرض وإبادتهم.  وهذا العجز لا يزال حاضرا في أيامنا هذه، على الأقل لدى أطياف واسعة من الخب السياسية والإدارية وصناع القرار، وخير مثال على ذلك، مواقفهم من نعيشه اليوم من إبادة جماعية على الهواء مباشرة في الأراضي الفليسطينية.

لذلك، فكل متشدقا بالمفاهيم الغربية من قبيل العقلانية والتنوير والحداثة والحريات وحقوق الانسان بالمفهوم الغربي، يلزمه أن يعيد قراءة تاريخ انتاج تلك الحقوق وتطورها، والأهم من ذلك ملاحظة مدى تمثل السياسات الخارجية للدول الأوربية والغربية عموما لهذه الحقوق وهذه الأفكار والقيم في تعاملها مع شعوب الأرض، قبل أن يشرع فاه مناصرا لها.

فحتى السياسات الغربية الآن التي تربط تعاملاتها الاقتصادية بمدى احترام حقوق الانسان من عدمه، هي شعارات فارغة، وذلك في الحالة التي تتعارض فيها تلك الشعارات مع مصالح جد حيوية، يمكن أن تهدد رفاهية الشعوب الغربية، فلا شيء أهم من المواطن الغربي، وعلى سبيل المثال، تعامل الولايات المتحدة مع ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية الأشد فتكا بالإنسان في تشيلي والأرجنتين كنموذج، ومصالح فرنسا في دول غرب إفريقيا التي لا صلة لأنظمتها بالديمقراطية وحقوق الانسان، اللهم النذر اليسير.

وفي الختام، أقول، لا تحاول تقليد الأخر والتمثل به كنموذج حياة تقليدا أعمى، وإنما من الواجب القيام ببناء نموذجنا النهضوي الخاص، اعتمادا على قيمنا وتاريخنا وحضارة أسلافنا، فمن لا تاريخ له، لا حاضر له ولا مستقبل، ومن أبناء هذه الأمة من هم أقدر على وضعها في المسار الصحيح، إذا خلصت النيات.

ابن كيران.. عَدُو نفسه أم عَدُو حِزبه؟! 

انتهى المؤتمر الوطني التاسع لحزب "العدالة والتنمية" بإعادة انتخاب عبد الإله ابن كيران، أمينا عاما للحزب، لولاية جديدة، مع ما رافق الإعداد لهذا المؤتمر من جدل، وما تم التداول خلاله ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...