المغالطات الحقوقية والمواقف الوطنية: رد على رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
تصريحات السيد عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حول ملف الصحراء المغربية وما تبعه من تعليقات على معتقلي أحداث إكديم إيزيك، تكشف عن تناقضات جوهرية في الخطاب الحقوقي والسياسي الذي يقدمه. تارةً يتجاهل الحقائق، وتارةً يلتف على الإجابات بأسلوب يُظهر انحيازه الواضح لأطروحات متجاوزة. وفي هذا المقال، سأناقش النقاط التي أثارها السيد غالي، مع تسليط الضوء على التحديات الفكرية التي يطرحها خطابه.
"تقرير المصير" بين الواقع والمزايدات
منذ سنة 1981، أثبت المغرب التزامه بالشرعية الدولية واعتماد مبدأ تقرير المصير عندما وافق على خيار الاستفتاء كحل ديمقراطي لحل النزاع حول الصحراء. ومع ذلك، أدت العراقيل التقنية والسياسية إلى فشل هذا المسار، مما دفع الأمم المتحدة نفسها إلى الإعلان عن ضرورة البحث عن حلول أخرى. استجابةً لذلك، طرح المغرب سنة 2007 مبادرة الحكم الذاتي، التي لا تزال تحظى بدعم واسع دوليًا، باعتبارها حلاً واقعيًا وذا مصداقية.
المبادرة المغربية للحكم الذاتي ليست مجرد طرح سياسي، بل تُعتبر نموذجًا متقدمًا لتقرير المصير ضمن إطار السيادة المغربية. كما تنص المادة 27 من المبادرة، سيتم عرض مشروع الحكم الذاتي على السكان المعنيين عبر استفتاء حر، ما يجعل المبادرة متسقة تمامًا مع مبادئ الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة. ومع ذلك، يصر السيد غالي على تجاهل هذه الحقائق، متمسكًا بمفهوم أحادي لتقرير المصير يختزله في خيار الاستقلال، وكأن العالم لم يتغير، وكأن المعايير الدولية لا تعترف بالحلول التوافقية.
وكما أكد جلالة الملك محمد السادس: "إما أن يكون المواطن مغربيًا أو غير مغربي، وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف". هذه العبارة تختصر الواقع: الوحدة الترابية للمغرب ليست قابلة للنقاش أو التأويل، ومن يدعي الحياد في هذه القضية فهو عمليًا يتبنى موقفًا ضد المصالح الوطنية.
معتقلو إكديم إيزيك: الحقيقة فوق المغالطات
عندما يصنف السيد غالي معتقلي أحداث إكديم إيزيك كمعتقلي رأي، فإنه ينسف تمامًا أبسط قواعد العدالة والمنطق. هؤلاء الأشخاص لا يمكن اعتبارهم ضحايا تعبير عن الرأي، لأنهم أدينوا بارتكاب جرائم بشعة راح ضحيتها 11 عنصرًا من القوات العمومية. كانت هذه الجرائم موثقة بالأدلة الجنائية وشهادات الشهود، وأُجريت محاكمات علنية وفق معايير المحاكمة العادلة، وأصدرت الأحكام بناءً على وقائع دامغة.
حرية التعبير حق مكفول، لكنها لا تُستخدم كذريعة للتحريض على القتل أو ارتكاب جرائم إرهابية. وصف هؤلاء المجرمين بمعتقلي رأي هو إهانة صريحة لذكرى الضحايا وعائلاتهم، وتبييض للجرائم التي أودت بحياة أفراد قاموا بواجبهم المهني في خدمة الأمن. تصريحات غالي هنا ليست سوى محاولة لتسييس الجرائم الجنائية، مما يتعارض مع كل المبادئ الحقوقية التي يدعي الدفاع عنها.
انتقائية المرجعية الأممية: ازدواجية المواقف
عندما يدعي السيد غالي أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تستند إلى المرجعية الأممية، فإنه يتجاهل أن هذه المرجعية نفسها تدعم مبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وذي مصداقية. قرارات مجلس الأمن في السنوات الأخيرة دعت بوضوح إلى حلول واقعية وتوافقية، وأسقطت خيار الاستفتاء الذي لم يعد ممكنًا عمليًا أو قانونيًا.
إذا كانت الجمعية تتبنى فعلاً المرجعية الأممية، فعليها الالتزام بمخرجاتها كاملة، لا انتقاء ما يتناسب مع أطروحاتها السياسية. التمسك بمواقف تجاوزها الزمن هو تجسيد واضح لازدواجية المعايير، ويضعف مصداقية الخطاب الحقوقي الذي يُفترض أن يستند إلى الوقائع والمعايير الدولية.
منطق الكأس الفارغة: صعوبة الإقناع
عندما واجه الصحفي السيد غالي بحقيقة أن المغرب اكتسب دعمًا دوليًا غير مسبوق، بما في ذلك تأييد الولايات المتحدة وفرنسا في مجلس الأمن، كان من المنتظر أن يعترف بهذا التطور الدبلوماسي الكبير. لكنه بدلاً من ذلك عمد إلى تحويل النقاش نحو الصين وروسيا وإيطاليا، متجاهلًا أن هذين البلدين لم يعرقلا يومًا قرارات مجلس الأمن التي تدعم مقترح الحكم الذاتي.
أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة، فإن الإشارة إلى تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب حول "عدم معرفته بتفاصيل الحكم الذاتي" ليست سوى محاولة لإضعاف المكتسبات الدبلوماسية للمغرب. الواقع أن الإدارة الأمريكية، سواء في عهد ترامب أو بايدن، تعتبر الحكم الذاتي الحل الأمثل للنزاع.
ردود غالي في هذا السياق تُظهر نزعة دائمة للنظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، وتُبرز صعوبة في الإقناع، حيث يُفضل التشكيك في الإنجازات بدلًا من الاعتراف بالحقائق على الأرض. هذه السلبية ليست فقط غير بناءة، بل تُساهم في تكريس خطاب عقيم لا يخدم سوى أجندات متآكلة.
الخلاصة
قضية الصحراء المغربية ليست مجالاً للمزايدات أو التلاعب بالمفاهيم الحقوقية. المغرب أثبت التزامه بالشرعية الدولية عبر مبادرته للحكم الذاتي، التي حظيت بدعم واسع من القوى الكبرى والأمم المتحدة. أما محاولات تصوير الجناة كمعتقلي رأي، أو التمسك بخطاب متشائم يركز على النواقص، فلا تعكس إلا جمودًا فكريًا وانفصالًا عن الواقع.
على الجميع أن يدرك أن الوطنية ليست موقفًا رماديًا أو قابلًا للتأويل. وكما قال جلالة الملك: "إما أن يكون المواطن مغربيًا أو غير مغربي". انتهى وقت ازدواجية المواقف، وآن الأوان لاعتماد خطاب جاد ومنسجم مع الحقائق والمصالح الوطنية.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :