بسب وضعهم غير القانوني.. جزائريون يلجأون إلى الوثائق المزورة للبقاء فوق الأراضي الفرنسية

 بسب وضعهم غير القانوني.. جزائريون يلجأون إلى الوثائق المزورة للبقاء فوق الأراضي الفرنسية
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأحد 27 أبريل 2025 - 21:00

في وقت تتسم فيه العلاقات الفرنسية الجزائرية بتوتر غير مسبوق، يزداد ملف الهجرة غير النظامية تعقيدا على ضفتي المتوسط، بعدما عمد العديد من الجزائريين المقيمين بطريقة غير قانونية في فرنسا إلى اللجوء لوثائق مزورة في محاولة للبقاء على قيد الحياة في بيئة قانونية متشددة.

في تفاصيل هذا الواقع، قالت صحيفة "DNA Algérie" الجزائرية الناطقة بالفرنسية، إن عددا كبيرا من الجزائريين الساعين إلى الاندماج في سوق العمل الفرنسي، وفي ظل انسداد الأفق القانوني، باتوا يلجؤون إلى حيل خطيرة، وفي مقدمتها استخدام بطاقات هوية أوروبية مزورة رغم كونها منتشرة في بعض الأوساط، تحمل في طياتها مخاطر قانونية وإنسانية ثقيلة.

ونقلت الصحيفة عن محامي مختص لم تذكر اسمه وهويته، أن العمل باستخدام بطاقة مزورة في فرنسا يشكل مخالفة جسيمة، والأسوأ أن بعض المخالفين يتجرؤون أكثر بطلب بطاقة التأمين الصحي "Carte Vitale" بوثائقهم المزورة، مما يؤدي إلى نتائج قانونية كارثية.

وأكد المحامي في تحذير صريح لمواطنيه: "بمجرد العمل ببطاقة مزورة تكون قد خرقت القانون، ولكن عند التقدم للحصول على بطاقة Vitale بوثيقة مزورة، فهنا يتم إصدار قرار بالترحيل (OQTF) فور تقديم طلب التسوية."

هذا التحذير، وفق المصدر ذاته، جاء بمثابة تذكير قاس لأولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم تجاوز الواقع الإداري الصارم بخداع بسيط، في حين أن تبعات هذا الخداع قد تدمر أي فرصة مستقبلية للعيش بطريقة قانونية، موردا أن استخدام البطاقة المزورة قد يبدو للوهلة الأولى حلا سريعا للحصول على وظيفة، لكنه في حقيقته يُعد جريمة يعاقب عليها القانون الفرنسي بشدة، فلا يقتصر الخطر على خطر الاعتقال الفوري، بل يفتح استخدام وثائق مزورة باب متابعة قضائية قد تفضي إلى إصدار قرار بالإبعاد والمنع من العودة إلى التراب الفرنسي لسنوات.

وتحذر المصادر ذاتها، من أن استخدام البطاقة المزورة عادةً ما يقود إلى فتح تحقيق جنائي، ويترتب عليه، في معظم الحالات، صدور أمر إلزامي بمغادرة الأراضي الفرنسية، مما يجعل بعدها أي محاولة لتسوية الوضعية أمرا في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.

ومع ذلك، تنقل الصحيفة عن المحامي أن بعض الولايات الفرنسية قد تظهر مرونة استثنائية تجاه أفراد لجؤوا إلى هذا الخيار بدافع الحاجة المطلقة، شريطة ألا تكون لديهم أي سوابق عدلية، لكنه في الآن ذاته شدد على أن هذه المرونة تظل نادرة وخاضعة لتقدير خاص، ولا تشكل قاعدة يُعتد بها في غالب الحالات.

وفي سياق متصل، نبهت الصحيفة الجزائرية، إلى أن استعمال بطاقة مزورة للحصول على بطاقة Vitale يُعد خطأ قاتلا، فالإدارة الفرنسية، اليوم أكثر من أي وقت مضى، تعتمد أنظمة تحقق إلكترونية متطورة تتيح لها رصد التناقضات عبر مقارنة المعطيات بين قواعد بيانات متعددة، وبمجرد ظهور أول علامة على تزوير أو تناقض، تُفتح تحقيقات معمقة تنتهي عادة بترحيل الشخص ومنعه من دخول فرنسا لعدة سنوات.

وهنا، يتجلى الخطر الأكبر، فبدلاً من تحقيق تسوية أو تحصيل حقوق اجتماعية، يجد المخالفون أنفسهم مطرودين، محرومين من أي إمكانية لتسوية أوضاعهم مستقبلًا، مهما طال أمد انتظارهم، لهذا فإن واقع الجزائريين غير النظاميين في فرنسا بات اليوم محصورا بين خيارين كلاهما مر، إما المخاطرة بتزوير الوثائق مع ما تحمله من احتمالات الطرد والإقصاء، أو الصبر الطويل ومحاولة نيل التسوية القانونية عبر المسار الاعتيادي الذي يتطلب الإقامة المتواصلة لعشر سنوات كاملة مع تحقيق معايير دقيقة تشمل الاستقرار المهني، الروابط العائلية، وحسن الاندماج الاجتماعي.

وأبرز تقرير "DNA Algérie" المآسي الإنسانية المرتبطة بهذه الخيارات، مستشهدا بحالات لأشخاص عاشوا لسنوات في وضعية غير قانونية، وكانوا قاب قوسين من الحصول على الإقامة، غير أن ماضيهم المرتبط باستخدام الوثائق المزورة عاد ليطاردهم ويدمر كل أحلامهم.

ويحكي المحامي: "في لحظة ما، تُفتح ملفاتهم، يتم اكتشاف الاحتيال السابق، وعندها يكون مصيرهم الرحيل دون رجعة، رغم كل سنوات التضحية والمعاناة."

وفي ظل الرقابة الإدارية المشددة التي أصبحت اليوم أكثر صرامة بفعل التحولات السياسية والضغط المتزايد على ملف الهجرة، يرى أن مجرد الاشتباه في وثيقة قد يفضي إلى فتح تحقيق شامل، مما يقلص فرص الخلاص إلى الحد الأدنى.

وتتشدد الإدارة الفرنسية أكثر فأكثر مع الحالات التي يظهر عليها أقل مؤشرات الاحتيال، مدفوعة بضغوط داخلية متنامية، خاصة في ظل التوترات السياسية الحادة مع الجزائر، حيث أصبحت قضايا الهجرة جزءًا من التجاذبات الدبلوماسية المعقدة بين باريس والجزائر.

ونقلت الصحيفة الناطقة بالفرنسية، عن الذي تابع هذه القضايا عن كثب نصيحة قاطعة جاء فيها: "لا توجد طرق مختصرة آمنة.. الصبر، والنقاء القانوني، ومرافقة محامٍ مختص هي السبيل الوحيد لضمان مستقبل قانوني مستقر في فرنسا."

وفي سياق تصاعد القيود، وتزايد التشدد الإداري، وفي ظل علاقات دبلوماسية غير مستقرة بين البلدين، لم تعد هناك مساحة لأي هامش خطأ، وبالتالي فإن الهجرة، بالنسبة للجزائريين في فرنسا اليوم، باتت معركة معقدة لا تحتمل مغامرات قصيرة الأجل ولا خيارات محفوفة بالمخاطر.

وهذه المأساة القانونية التي يعيشها الجزائريون المقيمون بطرق غير نظامية في فرنسا لا تنفصل عن السياق السياسي العام الذي يطبع العلاقات بين باريس والجزائر في هذه المرحلة الحرجة، فالتوترات الدبلوماسية العميقة بين البلدين، والتي بلغت ذروتها خلال الأشهر الأخيرة، ألقت بظلال ثقيلة على ملف الهجرة، وزادت من تعقيد أوضاع المهاجرين، خاصة بعد أن أصبح ترحيل المواطنين الجزائريين إلى بلدهم الأم ملفا شائكا ومفتوحا على مزيد من التصعيد.

وفي مارس 2025، رفضت الجزائر رسميًا تسلم قائمة جديدة تضم ستين مواطنا جزائريا صدرت في حقهم قرارات ترحيل من السلطات الفرنسية، بدعوى أن الآلية التي اعتمدتها باريس لإبلاغ الجزائر بهذه القرارات "غير مقبولة شكلا ومضمونا".

ورغم محاولات فرنسية متكررة عبر القنوات القنصلية، تمسكت الجزائر بموقفها، مشددة على أن التعامل مع قضايا الترحيل يجب أن يتم وفق الأطر المتفق عليها، دون فرض أي إملاءات أو آجال زمنية اعتبرتها "مرفوضة وغير ملزمة"، وهذا الرفض أغضب الدوائر السياسية الفرنسية، حيث اعتبر بعض النواب أن تردد الحكومة الفرنسية في الضغط على الجزائر قد تحول إلى شكل من أشكال التواطؤ، مطالبين بإجراءات أكثر صرامة، من بينها مراجعة الاتفاقيات الثنائية القائمة.

في المقابل، ردت الجزائر ببيان شديد اللهجة نددت فيه بما وصفته بـ"الابتزاز الفرنسي"، وأكدت رفضها التام للغة التهديد والمهل، معتبرة أن باريس تنتهج مقاربة انتقائية إزاء الاتفاقيات الدولية التي تربط البلدين، في وقت تطالب فيه الجزائر بتعامل يحترم السيادة المتبادلة.

في هذا السياق، يتضح أن معاناة الجزائريين في فرنسا، بين ضغوط الواقع القانوني ومآسي الاجراءات المشددة، لم تعد مرتبطة فقط باختيارات فردية محفوفة بالمخاطر، بل باتت جزءًا من تعقيدات سياسية أعادت الهجرة إلى قلب المواجهة الدبلوماسية بين باريس والجزائر.

النظام الجزائري.. أسير الشيخوخة وإرث الماضي وأحقاده

حين بث التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهد استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لنظيره الرواندي بول كغامي، يوم 3 يونيو 2025، كان في حقيقة الأمر، ودون أن يدري، يضع الرَّجُلين في ...