"حديقتنا الخلفية".. هكذا تتعامل فرنسا بعقلية المستعمر مع الدول المغاربية
لم يكن المثير في قرار فرنسا الصادر أول أمس الثلاثاء بتقليص عدد التأشيرات المُخصصة للمغرب والجزائر بنسبة 50 في المائة وبنسبة 30 في المائة بالنسبة لتونس، هو ربطه باتهام هذه الدول بـ"عدم التعاون في قضايا الهجرة"، وهي التي يشكل مواطنوها وأبناؤهم أكبر الجاليات الأجنبية على الأراضي الفرنسية، بل إصرار الناطق باسم حكومة باريس على الطابع "العقابي" لهذا الإجراء الذي وصفه بأنه "كان صارما وضروريا".
وفي الوقت الذي لم تجرؤ فيه فرنسا على استخدام هذه العبارة ضد الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا حتى عندما بلغت العلاقات الدبلوماسية بينها وبين هذين البلدين أقصى درجات السوء، بعدما ألغت كانبرا صفقة شراء غواصات فرنسية بـ40 مليار دولار لاقتناء أخرى من واشنطن، فإن القرار الفرنسي الأخير ضد أهم ثلاثة دول في المنطقة المغاربية يعيد إلى الأذهان الكثير من التصرفات المتعالية التي تدعو للاعتقاد بأن هذا البلد الأوروبي لم يتجاوز بعد العقلية الاستعمارية.
مع المغرب.. غرور يؤدي لصدامات
ويبدو أن لهذا الانطباع ما يبرره خاصة في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، الذي اعتادت الرباط الرد، بأساليب صارمة في عدة مرات، على مواقف وتصريحات عنه باعتبارها تفتقر حتى للكياسة الدبلوماسية، وهو ما حصل هذه المرة أيضا، حين أورد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أن المملكة "لن تغير قوانينها من أجل القرار الفرنسي"، مبرزا أن المبررات التي ساقتها باريس بخصوص عدم قبول المغرب بإعادة مجموعة من مواطنيه "مشكلة تعنيها هي ولا تهم المملكة".
وكان ماكرون قد جرب هذه الطريقة مع المغرب في أبريل من سنة 2020، وذلك في عز حالة الطوارئ الصحية التي فرضتها جائحة كورونا، حيث غرد على حسابه في "تويتر" قائلا إنه طلب من السلطات المغربية "القيام بكل ما هو ضروري في أسرع وقت" لإعادة الفرنسيين العالقين على الأراضي المغربية، وحينها جاءه الرد من الوزارة المكلفة بالسياحة والنقل الجوي والتي أورد، في بلاغ لها، أن المملكة "لا تتصرف قط بناء على أي إملاء أو أمر غير لائق من سلطات أجنبية، وتتعامل مع السياح بمختلف جنسياتهم على قدم المساواة".
وسبق لفرنسا أن جربت الأسلوب "المتعالي" مع الرباط في 2014، عندما وجد المدير العام لمراقبة التراب الوطني نفسه مطلوبا للقضاء الباريسي بواسطة مذكرة توصلت بها السفارة المغربية في فرنسا، وهو ما أدى حينها إلى رد فعل غير مسبوق من الرباط التي أعلنت وزارة العدل فيها إلغاء اتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا، بعد أن أصدرت وزارة خارجيتها بيانا يصف ما جرى بـ"الخطير وغير المسبوق"، لتقوم فرنسا بعدها بعام بتوشيح الحموشي على أراضيها من أجل طي الخلاف.
مع الجزائر.. المستعمر يتحدث
وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة بين دول المغرب الكبير، إلا أن المشترك بينها هو الصيغة "المتعجرفة" التي تتعامل بها معها فرنسا، والتي لا تكون عواقبها الدبلوماسية دائما حميدة، فالجزائر مثلا قررت استدعاء سفيرها من باريس بعد قرار تقليص التأشيرات، وهي التي لا زالت تعيش على وقع التوتر مع مستعمرها السابق بسبب عدة قضايا لم تطوَ بعد حتى بعد الاستقلال، أبرزها رفض هذا الأخير الاعتذار عن جرائم جيشه في حق الجزائريين طيلة 132 عاما.
وظلت الجزائر تطالب لعقود باستعادة جماجم ورفات مواطنيها الذين قُتلوا منذ القرن 19 على يد القوات الفرنسية قبل أن يتعرضوا للتنكيل وتُعرض بقاياهم في المتاحف في الضفة الأخرى من المتوسط، وهو ما تم العام الماضي فقط، لكن في العام الموالي، وقبل أيام فقط، أعاد ماكرون فتح جراح الماضي حين قدم اعتذار دولته لـ"الحركيين"، وهم الجزائريون الذين اختاروا القتال مع فرنسا ضد بني وطنهم خلال الثورة، طابا "الصفح" بسبب عقود التهميش الذي كانوا يعيشون فيه على أراضيها، قبل أن يوزع عليهم الأوسمة ويتعهد بصرف تعويضات لهم.
مع تونس.. إهانات منذ الثورة
ولم تنجُ تونس بدورها من "التعالي" الفرنسي، فهذا البلد الذي ذاق الأمرين قبل وخلال ثورة الياسمين سنة 2011 بسبب دعم باريس للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، لا زالت إلى الآن تحاول إبعاد الحماية الفرنسية عن بعض رموز النظام السابق، ففي الماضي رفض محكمة الاستئناف في "أكس أن بروفانس" تسليمها صهر بنعلي، بلحسن الطرابلسي، الذي يواجه تهم فساد ثقيلة، بدعوى "وجود خطر فعلي لمعاملته بطريقة مهينة وغير إنسانية".
وجاء ذلك بعد أسابيع فقط من "إهانة" أخرى وجهتها باريس لتونس، في شخص رئيس حكومتها السابق هشام المشيشي، الذي كان يمثل أغلبية يتزعمها حزب لا يحظى برضى "الإيليزي"، وهو حركة النهضة، الذي لم يجد لا نظيره الفرنسي ولا أيا من أعضاء حكومته في استقباله بالمطار، بالإضافة إلى عدم استضافته من طرف وزارة الخارجية الفرنسية في إحدى الفنادق الفخمة كما جرت على ذلك العادة، ليستمر طيلة 3 أيام، هي مدة زيارته، مقيما في سفارة بلاده.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :