فرنسا تهدد الخطوط الجوية الجزائرية بعقوبات في حال رفضها نقل الجزائريين المطرودين من البلاد
في الوقت الذي تواجه فيه شركة الخطوط الجوية الجزائرية تحديات داخلية مرتبطة بمشاريع إعادة الهيكلة والتحديث، وجدت نفسها في قلب أزمة دبلوماسية جديدة ومتصاعدة، هذه المرة مع فرنسا، عقب تصريحات نارية من المسؤول الفرنسي برونو ريتايو الذي هدد الناقل الوطني الجزائري بعقوبات، وسط اتهامات بتعطيل عمليات الترحيل، بينما الحكومة الجزائرية تتابع هذا التصعيد بحذر شديد.
وتمارس الحكومة الجزائرية ضغوطًا جدية على الخطوط الجوية الجزائرية، لتحديث خدماتها وتحسين أدائها، بحيث طالب وزير النقل الجزائري سعيد صياود مؤخرًا بتسريع إنشاء شركة متخصصة في النقل الجوي الداخلي، ضمن جهود تحديث وتحسين النقل الداخلي في البلاد، وهو المشروع الذي يُنظر إليه كجزء من استراتيجية إعادة هيكلة قطاع الطيران الجزائري، والذي يأتي في وقت تواجه فيه الخطوط الجوية الجزائرية تحديات متعلقة بالالتزام بالمواعيد، وتحسين جودة الخدمة، وتعزيز الربحية.
وفي اجتماع تقني عُقد يوم أمس الخميس بمقر الوزارة، جمع سعيد صياود مسؤولين من الوكالة الوطنية للطيران المدني (ANAC)، والرئيس المدير العام للخطوط الجوية الجزائرية، وممثلين عن الشركات المسؤولة عن إدارة الخدمات المطارِية، بهدف تسريع تنفيذ هذا المشروع، في خطوة تعكس نية الحكومة الجزائرية الدفع نحو تحسين قطاع الطيران بشكل جذري، إذ يُعتبر تطوير وتحديث مطار الجزائر الدولي جزءًا من أولويات وزارة النقل.
وتسعى الجزائر إلى تحويل المطار إلى مركز إقليمي مرجعي، من خلال تحسين إدارة تدفق المسافرين، وتطوير الخدمات، ودمج أحدث التقنيات في الأمن والمراقبة الحدودية، لكن بينما تعمل السلطات الجزائرية على إعادة هيكلة قطاع الطيران داخليًا، جاء التصعيد الفرنسي "غير المسبوق" في تاريخ العلاقات الثنائية ليضيف تحديًا جديدًا أمام الخطوط الجوية الجزائرية، ويفتح جبهة أخرى من المواجهة بين باريس والجزائر.
وفي تطور لافت، صرّح السياسي الفرنسي برونو ريتايو، خلال مقابلة مع قناة BFMTV-RMC، أن باريس قد تفرض عقوبات على الخطوط الجوية الجزائرية، متهمًا إياها بعرقلة عمليات ترحيل الجزائريين الموجودين بشكل غير قانوني في فرنسا، وهي التصريحات التي تأتي في ظل توترات دبلوماسية متزايدة بين البلدين، حيث تتهم فرنسا الجزائر بعدم التعاون الكافي في إعادة قبول رعاياها المرحّلين.
واتهم ريتايو الخطوط الجوية الجزائرية بأنها تفرض شروطًا إضافية تعيق تنفيذ قرارات الترحيل، مثل اشتراط تصاريح مرور قنصلية حتى عندما يكون المرحّلون يحملون وثائق هوية رسمية سارية المفعول، كما كشف عن وجود مذكرة داخلية صادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية منتصف فبراير، تؤكد أن الشركة الجزائرية تمارس إجراءات اعتُبرت معرقلة لعمليات الترحيل، مما دفع باريس إلى اتخاذ إجراءات جديدة أكثر صرامة.
ويبدو أن الحكومة الفرنسية عازمة على الرد على هذه العقبات، حيث أصدر برونو ريتايو تعليماته لدوائره الرسمية بمطالبة الخطوط الجوية الجزائرية بتقديم وثيقة رسمية في حال رفضها صعود شخص في وضع غير قانوني على متن الطائرة، وإذا رفضت الشركة تقديم هذا المستند، فسيكون على السلطات الفرنسية تحديد هوية رئيس المحطة المسؤول عن القرار، إذ تهدف هذه التدابير الجديدة بوضوح إلى زيادة الضغط على الناقل الوطني الجزائري.
والتصعيد الفرنسي ضد الخطوط الجوية الجزائرية، ليس معزولًا عن التوترات الدبلوماسية بين البلدين، بل هو جزء من استراتيجية ضغط أوسع، فمنذ فترة، تعمل باريس على فرض قيود جديدة على دخول بعض المسؤولين الجزائريين إلى أراضيها، في خطوة وصفها وزير الداخلية الفرنسي بأنها "رد تدريجي" على الجزائر.
ويبدو أن ملف الهجرة يشكل جوهر الأزمة، إذ تتهم فرنسا الجزائر بعدم التعاون الكافي في استقبال المرحّلين، بينما ترى الجزائر أن باريس تمارس سياسة الضغط من طرف واحد، دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل السياسية والاجتماعية التي تؤثر على هذا الملف، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جهته، فقد حاول تهدئة التوتر، مستبعدًا أي مراجعة لاتفاقيات 1968 التي تنظم وضع الجزائريين في فرنسا، غير أن برونو ريتايو يبدو مصممًا على تبني سياسة أكثر تشددًا، في خطوة قد تعقّد العلاقات بين البلدين.
ووسط هذه التطورات، تجد الخطوط الجوية الجزائرية نفسها بين ضغط داخلي يطالبها بالتحديث والتطوير، وضغط خارجي فرنسي يهدد بفرض عقوبات عليها، فالجزائر تسعى إلى إعادة هيكلة قطاع الطيران عبر إطلاق شركة جديدة للنقل الجوي الداخلي، بينما تواجه الخطوط الجوية الجزائرية تحديات تشغيلية تتعلق بجودة الخدمة والالتزام بالمواعيد، والآن بات عليها التعامل مع ضغوط دبلوماسية إضافية.
وتتجه المواجهة بين فرنسا والجزائر نحو مزيد من التعقيد والتصعيد، سيما وقد امتدت الأزمة الدبلوماسية لتشمل الخطوط الجوية الجزائرية وباتت القضية تتجاوز مجرد خلاف حول إجراءات الترحيل، لتصبح جزءًا من صراع أوسع على النفوذ والسيادة في المنطقة، فبينما تضغط باريس على الجزائر تحت ذريعة عدم تعاونها في ملف الهجرة، تبدو الجزائر عازمة على عدم الرضوخ لهذه الضغوط، في مشهد يعكس تغيرًا في موازين القوى التقليدية بين البلدين.
وتدرك فرنسا، أن فرض عقوبات مباشرة على الخطوط الجوية الجزائرية قد يثير ردود فعل قوية، ولهذا اختارت الضغط التدريجي كأداة لمحاولة دفع الجزائر إلى تقديم تنازلات، فيما تصريحات برونو ريتايو، التي تضمنت تهديدًا بإجراءات عقابية، تعكس هذا التوجه، حيث تحاول باريس استخدام أدوات إدارية وتقنية لإجبار الجزائر على التعاون في ملف الترحيل، لكن حتى اللحظة، لم تتحول هذه التصريحات إلى قرارات رسمية، مما يشير إلى أن باريس لا تزال تدرس مدى فاعلية هذه الاستراتيجية، وتأثيرها على العلاقات الثنائية، فإذا لم تستجب الجزائر، قد تلجأ فرنسا إلى فرض قيود على رحلات الخطوط الجوية الجزائرية، أو وضع عراقيل إدارية تحد من عملياتها داخل المطارات الفرنسية.
على الجانب الآخر، لا تفتقر الجزائر إلى أدوات ردع يمكن أن تستخدمها لمواجهة هذه الضغوط، فمن الناحية الاقتصادية، تحتفظ الجزائر بعلاقات تجارية قوية مع فرنسا، لا سيما في مجال الطاقة والاستثمارات، ما يعني أن أي تصعيد فرنسي قد يقابله رد جزائري يمس مصالح الشركات الفرنسية العاملة في البلاد، كما يمكن للجزائر أن تتخذ إجراءات مماثلة ضد شركات الطيران الفرنسية مثل "إير فرانس" و"ترانسافيا"، مما قد يؤدي إلى خسائر كبيرة لهذه الشركات التي تعتمد على السوق الجزائرية في جزء مهم من أرباحها.
إضافة إلى ذلك، فإن الجزائر قادرة على توظيف علاقاتها مع شركاء أوروبيين آخرين، مثل إسبانيا وإيطاليا، لموازنة النفوذ الفرنسي في المنطقة، وهذه الدول من جانبها تسعى إلى توثيق علاقاتها الاقتصادية مع الجزائر، خاصة في مجال الغاز والطاقة، ما يمنح الجزائر هامشًا للمناورة في مواجهة الضغوط الفرنسية.
ويجد بذلك، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه أمام تحدٍّ مزدوج، إذ يسعى من جهة إلى تجنب تصعيد غير محسوب مع الجزائر، قد يضر بالمصالح الفرنسية في شمال إفريقيا، لكنه في الوقت نفسه يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة من التيارات اليمينية التي تطالب باتخاذ موقف أكثر تشددًا بشأن ملف الهجرة، وقد حاول سابقًا تحسين العلاقات مع الجزائر، خاصة من خلال الزيارات الرسمية والاتفاقيات الاقتصادية، لكن التوترات المتكررة حول ملفات التأشيرات، والتاريخ الاستعماري، والهجرة، والتعاون الأمني ثم أخيرا اعترافه بمغربية الصحرا جعلت العلاقات بين البلدين تتسم بعدم الاستقرار. والآن، يجد ماكرون نفسه أمام معضلة، هل يواصل سياسة التهدئة أم يرضخ لضغوط معارضيه ويتبنى نهجًا أكثر صرامة؟.
وأمام هذا المشهد المتشابك، يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل الأزمة بين فرنسا والجزائر، إما تصعيد تدريجي من خلال مواصلة فرنسا الضغوط عبر خطوات إدارية ضد الخطوط الجوية الجزائرية، بينما ترد الجزائر بإجراءات مضادة تستهدف المصالح الفرنسية، وفي هذا السيناريو، يستمر التوتر لفترة طويلة دون الوصول إلى حلول واضحة، ما قد يؤثر على الرحلات الجوية والتبادل التجاري بين البلدين.
الحل الثاني، هو تسوية دبلوماسية هادئة، قد تلجأ من خلالها باريس والجزائر إلى مفاوضات غير معلنة لإيجاد حل وسط يحفظ ماء الوجه لكلا الطرفين، وقد يشمل ذلك تقديم الجزائر بعض التسهيلات في ملف الترحيل، مقابل تخفيف الضغوط الفرنسية على الخطوط الجوية الجزائرية، أو أزمة مفتوحة ومواجهة مباشرة، في حالة ما إذا قررت فرنسا فرض عقوبات فعلية على الخطوط الجوية الجزائرية، وبالتالي سترد الجزائر بإجراءات أكثر حدة، مثل تعليق بعض الرحلات إلى فرنسا، أو فرض قيود اقتصادية على الشركات الفرنسية، وفي هذه الحالة، قد تتحول الأزمة إلى خلاف دبلوماسي أوسع، قد يؤثر على ملفات أخرى مثل التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :