قبل قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء.. هكذا انتقلت إدارة بايدن من الدعم المتحفظ إلى المساندة الصريحة للحكم الذاتي المغربي
دخل ملف الصحراء مرحلة "كسر العظام" السنوية بين المغرب والجزائر على مستوى الأمم المتحدة، استعدادا للتقرير الدوري لمجلس الأمن الذي سيصدر في أكتوبر المقبل، التي تعد بحمل مستجدات نوعية بخصوص الموقف الأمريكي، ليس لأن هذا الموعد مسبوق هذه المرة بزيارة ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، إلى مدينتين العيون والداخلة لأول مرة، ولكن لأن الرباط وواشنطن دخلتا مرحلة "السرعة النهائية" لحسم الملف الذي عمر طويلا حتى وصل إلى عامه الثامن والأربعين.
وخلال الأشهر الماضية، برزت العديد من الإرهاصات التي تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة الرئيس الديمقراطي الحالي، جو بايدن، أضحت مع الوقت أكثر اقتناعا بالطرح المغربي الذي يعرض مقترح الحكم الذاتي في الصحراء كنقطة قصوى في "تنازلات" المملكة لحل النزاع تحت سيادتها، وهو الأمر الذي عبرت عنه مرارا الخارجية الأمريكية، وأصبحت تضعه على طاولة الجزائر وجبهة "البوليساريو" الانفصالية دون تحفظ.
وقبل أيام كان جوشوا هاريس، مساعد وزير الخارجية الأمريكي المكلف بشمال إفريقيا، في زيارة إلى المغرب والجزائر، وبين يديه ملف الصحراء وملفات أخرى تهم أمن منطقة الساحل وغرب إفريقيا بعد سلسلة الانقلابات التي عاشتها، وتنامي نفوذ روسيا وإيران، إلى جانب انتشارات الجماعات المتطرفة المسلحة التي تنشط في العديد من دول المنطقة بما في ذلك الجنوب الجزائري.
وإثر اللقاء الذي جمع تايلور وسفير الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط، لونيت تالوار، بوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة بالرباط يوم 7 شتنبر الجاري، أصدرت سفارة واشنطن بلاغا أوضحت فيه أن "الولايات المتحدة تواصل اعتبار المخطط المغربي للحكم الذاتي جادا وواقعيا وذا مصداقية".
لكن قبل أن يصل إلى الرباط، كان هاريس في الجزائر العاصمة، حيث اجتمع بوزير الخارجية أحمد عطاف، وضع على طاولته مقترح الحكم الذاتي كأقصى نقطة يمكن الوصول إليها في المسلسل السياسي لحل قضية الصحراء، وخلال تصريحه لوسائل الإعلام هناك تحدث عن دعم واشنطن لجهود المبعوث الأممي لإيجاد حل سلمي ونهائي، لكنه تفادى أي إشارة للطرح الجزائري المتمثل في "استفتاء تقرير المصير".
وإذا كان هاريس متحفظا في تصريحاته أمام وسائل الإعلام عقب اجتماعه بعطاف، فالثابت هو أنه لم يكن كذلك داخل الغرفة المغلقة، الأمر الذي أكدته جبهة "البوليساريو" نفسها، والتي لم تنتظر كثيرا بعد لقاء قياداتها بالمبعوث الأمريكي للخروج والاحتجاج على ما وضعه أمامه على الطاولة من معطيات، ومفادها أن "الانفصال" معطى غير واقعي.
وتحدثت الجبهة عن أن "الدخول في متاهة المصطلحات الفضفاضة من قبيل "الواقعية" وغيرها، لن يقود إلا إلى تعميق حالة الجمود وبالتالي تقليص فرص التوصل للحل السلمي الدائم وزيادة حدة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة"، وذلك في تصريح لقيادتها نشرته عبر ما تسميه وكالتها الرسمية للأنباء، وذلك قبل وصول هاريس إلى الرباط ومعاودته التأكيد على دعم الحكم الذاتي.
والمؤكد أن إدارة بايدن، وبعد وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2021، كانت أقل وضوحا في دعم المقترح المغربي بشكل علني، لكنها لم تتراجع عن "إرث اللحظة الأخيرة" الذي خلفه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، والمتمثل في مرسوم رئاسي مُوقع في دجنبر من سنة 2020 يعلن بشكل صريح الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي الذي تعرضه الرباط.
وحتى بعد لقاء بوريطة مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في واشنطن، شهر نونبر من سنة 2021، والذي أعاد إثره هذا الأخير التأكيد على أن بلاده تعتبر مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية "مبادرة جادة وجديرة بالثقة وواقعية"، إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تلتزم تماما بالاتفاق بتعهد ترامب، وخصوصا ما يتعلق بفتح قنصلية أمريكية في الداخلة.
وأخذت إدارة بايدن وقتها في حسم الأمور لصالح الطرح المغربي نهائيا، وهو ما اتضح بشكل كبير في شهور سنة 2023، حيث التقى بوريطة وبلينكن مرة أخرى في واشنطن شهر مارس الماضي، وهناك سجل وزير الخارجية الأمريكي أن الولايات المتحدة "تواصل اعتبار مخطط الحكم الذاتي المغربي جادا وذا مصداقية وواقعيا".
وفي يوليوز الماضي، وإثر إعلان إسرائيل الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، أكد ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أن بلاده مستمرة في نهج السياسة التي أعلنت عنها في 2020 بشأن الصحراء، في إشارة صريحة إلى إعلان ترامب الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة، ما مثل تغيرا نوعيا في خطاب الإدارة الحالية بهذا الشأن.
وحينها أورد ميلر في ندوة صحفية "السياسة التي تم الإعلان عنها في دجنبر 2020 (بشأن الصحراء) ولم تتغير"، وأضاف "في نفس الوقت أقل إننا نؤيد بالكامل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، وهو يُكثف جهوده للوصول إلى حل سياسي دائم وكريم للملف"، لكنه تفادى التطرف لموضوع القنصلية بالقول إنه "لا يتابع الأشغال".