مسجد باريس الكبير.. صرح إسلامي بناه المولى يوسف بأموال مغربية قبل أن يتحول إلى "سفارة ثانية" للجزائر بفرنسا

 مسجد باريس الكبير.. صرح إسلامي بناه المولى يوسف بأموال مغربية قبل أن يتحول إلى "سفارة ثانية" للجزائر بفرنسا
الصحيفة – حمزة المتيوي
الأربعاء 5 فبراير 2025 - 12:00

في خضم الأزمة المتواصلة منذ أشهر بين باريس وقصر المرادية، طفا على السطح ملف مسجد باريس الكبير، الصرح الديني الإسلامي الأقدم والأهم في فرنسا، والذي كان المغرب وراء بنائه منذ قرن من الزمن، قبل أن يُصبح تدريجيا ذراعا دينيا جزائريا مثيرا للجدل، الأمر الذي تأكد من خلال حوار الرئيس عبد المجيد مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية.

ويمثل هذا المسجد الآن، مجالا للصراع على "النفوذ" بين الجزائر وفرنسا في أوساط الجالية المسلمة، وخصوص منها ذات الأصول المغاربية، الأمر الذي لم تعُد الحكومة الفرنسية تجتهد لإخفائه، فقد صرح وزير الداخلية برونو روتايو، أن هذا الفضاء أصبح عبارة عن "قنصلية اقتصادية" تخدم الأجندات الجزائرية، معلنا فتح تحقيق رسمي بخصوص ذلك.

ظهر هذا الصراع إلى العلن قبل أيام، عندما نشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية تحقيقا بعنوان "اللوبينغ والسيطرة على الحلال: المسجد الكبير في باريس، السفارة الثانية للجزائر؟"، بتاريخ 16 يناير 2025، أتبعته صحيفة "لوبينيون" بتقرير بعنوان "تأشيرة الحلال، المطبخ الصغير للمسجد الكبير في باريس"، وفيه وصفت المكان بأنه أصبح "السفارة الثانية للجزائر"، بتاريخ 20 يناير 2025، وفي المادتين اتضح أن هذا المكان أصبح أشبه بـ"شركة" تتحكم في "صناعة الحلال"، مُعلنا أيضا الولاء السياسي للجزائر.

وكشفت الصحافة الفرنسية أن المسجد أصبح يحتكر المصادقة على المنتجات "الحلال" التي يتم تصديرها إلى الجزائر، وهو ما يمنحهُ تمويلات مهمة في السوق الأكبر لهذا النوع من المنتجات داخل أوروبا، لكن الأخطر هي الأدوار "الدبلوماسية" التي بات يلعبها لصالح النظام الجزائري، والتي يمثل رأس الحربة فيها عميد المسجد، الجزائري شمس الدين حفيظ، المستمر في هذا الموقع منذ سنة 2020، والذي استقبله تبون فور تعيينه.

صناع تقليديين مغاربة أثناء اشتغالهم على الزليج المغربي بجدران مسجد باريس

المصادر نفسها كشفت أن المسجد أضحى يتوفر على شبكة تأثير واسعة داخل فرنسا، مكونة من 400 مكان للعبادة ومليونين ونصف المليون من ذوي الأصول الجزائرية، هؤلاء الذين كانت المهام المسندة إليهِ هي "تعبئتهم"، وفق ما ورد في تحقيق "لوبوان"، الذي كشف أن أدوار شمس الدين حفيظ "الدبلوماسية" زادت منذ استدعاء السفير الجزائري من باريس على خلفية إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون دعم السيادة المغربية على الصحراء الصيف الماضي.

هذه المعطيات، دفعت وزير الدولة الفرنسي المكلف بالداخلية، برونو روتايو، إلى إعلان فتح تحقيق حول أنشطة مسجد باريس الكبير، معتبرا أن الأمر يتعلق بـ"فضاء للعبادة، ويجب أن يظل كذلك، لا أن يتحول إلى وسيلة للضغط السياسي أو لممارسة التجارة"، مبرزا أن فرنسا لن تسمح بتحويله إلى "سفارة أو قنصلية" تابعة للجزائر.

ودفع هذا الأمر صحيفة "لوبينيون" إلى طرح الموضوع على الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي لم يَنفِ أن بلاده توفر تمويلات للمسجد حاليا، بحجة أن "الدولة الجزائرية لم ترغب في السماح لجمعيات مشبوهة بالتسلل إلى المسجد الكبير، ولذلك تولت دائمًا مسؤولية صيانته".

وأورد تبون أنه عندما كان وزيرا للاتصال والثقافة، أقر بنفسه هذه المساعدات، التي "تُستخدم بشكل خاص في ترميم المباني"، على حد تعبيره، مضيفا "لم تعترض فرنسا الرسمية على ذلك أبدًا، بل تستجيب بانتظام لدعوات عميد المسجد"، لكنه في الوقت نفسه اعتبر أن المسجد الكبير "ليس أداةً للتأثير السياسي".

ووفق تبون، فإن اختيار العميد الحالي، شمس الدين حفيظ، جاء بالتشاور مع سلفه، دليل أبو بكر، وهو أيضا جزائري، مؤكدا أنه استقبله بعد تعيينه، كما دافع عن "احتكار" المسجد لتأشيرات "الحلال" بالقول "كانت هناك جهات أخرى تزعم أنها تمنح شهادات الحلال دون القيام بذلك فعليًا، بهدف تصدير المنتجات إلى أراضينا، ولذلك، طلبنا من العميد، وهو رجل نزيه، أن تتولى مؤسسته هذه المسؤولية".

المثير أيضا في كلام تبون أنه لا يخفي مسعى الجزائر للاستمرار في بسط نفوذها على إدارة المسجد الكبير، لذلك، عندما سُئل عن خشيته من حدوث تغيير في إدارته قال "المناخ الحالي غير مناسب، ربما هناك دول عربية أخرى تلعب بالنار من خلال السعي لإضعاف العميد الحالي، بالتواطؤ مع برونو روتايو (وزير الداخلية الفرنسي)، الذي يريد فتح تحقيقات حول ممتلكاته، بهدف استبداله في نهاية المطاف".

وبعيدا عن "الدول" التي يلمح لها تبون تبون، فإن كلامه يذكر بالمسار الغريب الذي اتخذه هذا المسجد، من مبادرة كان يقف وراءها أساسا سلطان المغرب المولى يوسف بن الحسن، إلى ذراع ديني ودبلوماسي للنظام الجزائري، يتم توظيفه حتى في مواجهة الحكومة الفرنسية نفسها.

فالمسجد الذي جرى افتتاحه سنة 1926، هو في الأصل فكرة نابعة عن الجمعية العامة للحبوس والأماكن الإسلامية المقدسة بفرنسا التي تأسست بالرباط تحت إشراف سلطان المغرب، وانطلقت الأشغال في المسجد منذ سنة 1922، على مساحة 7500 متر، وهي عبارة عن أرض تبرعت بها بلدية باريس في الدائرة الخامسة.

مولاي يوسف بن حسن، والرئيس الفرنسي غاستون دومرغ، أثناء افتتاح مسجد باريس سنة 1926

ووافق البرلمان الفرنسي على بناء المسجد سنة 1920، كعرفان للجنود المسلمين الذين قضوا في الحرب العالمية الأولى ضمن قواتها، وتولى المولى يوسف بن الحسن توفير التمويل له كما بعث صُناعا من مدينة فاس في مختلف التخصصات للعمل فيه، وهوما يفسر شكله المطابق للمساجد المغربية، بما في ذلك الزخارف الجبسية والجدران المكسوة بالزليج المغربي، ومئذنته التي تشبه مئذنة مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء.

الإسهام المغربي في بناء المسجد الكبير لباريس، اعترفت به فرنسا رسميًا، حيث افتتحه السلطان العلوي المولى يوسف قبل عام ونيف من وفاته، والذي رافقه إلى باريس المقيم العام الفرنسي بالمغرب، الجنرال هوبير ليوطي، بحضور الرئيس غاستون دوميرغ، وكان أول من تولى إمامة المصلين فيه هو العلامة والقاضي المغربي أحمد بن الحاج العياشي السكيرج، الفاسي المولد والمراكشي المدفن.

ومع ذلك، فإن سطوة الجزائر على المسجد بدأت مبكرا، لأن من سيتولى رئاسته سيكون المسؤول الإداري الفرنسي من أصل جزائري عبد القادر بن غبريط، الشهير بقدور بن غبريط، وهو نفسه الذي كان مترجم السلطان المولى عبد الحفيظ خلال اجتماعه بالسفير الفرنسي يوجين رينو لتوقيع معاهدة فاس التي أقرت "الحماية الفرنسية" على المغرب سنة 1912، وبعدها أصبح المكلف ببروتوكول السلطان بتكليف من المقيم العام الفرنسي.

بن غبريط، الذي أصبح مُكلفا رسميا من فرنسا بتوفير جميع المعلومات عن الجالية المسلمة على أراضيها، سيظل على رأس المسجد الكبير إلى غاية وفاته ودفنه هناك سنة 1954 ليخلفه شقيقه أحمد بن غبريط، إلى غاية 1956 وهي السنة التي حصل فيها المغرب على استقلاله، ما دفع باريس إل الاستمرار في الاعتماد على الجزائريين، ليتولى عمادة المسجد تواليا كل من حمزة أبو بكر، والتيجاني هدام، ودليل أبو بكر، وأخيرا شمس الدين حفيظ، قبل أن تكتشف الحكومة الفرنسية أنها، وهي تعمل جاهدة عن إبعاد المسجد عن النفوذ المغربي، قد أوقعته تماما في حضن النظام الجزائري، ليصبح مسجد لصبح بمثابة "السفارة الثانية للجزائر في فرنسا"، كما وصفته مجلة "لوبوان".

ابن كيران.. عَدُو نفسه أم عَدُو حِزبه؟! 

انتهى المؤتمر الوطني التاسع لحزب "العدالة والتنمية" بإعادة انتخاب عبد الإله ابن كيران، أمينا عاما للحزب، لولاية جديدة، مع ما رافق الإعداد لهذا المؤتمر من جدل، وما تم التداول خلاله ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...