معركة الانتخابات.. من سيتصدر المشهد؟
يلاحظ المتتبع للحياة السياسية والحزبية المغربية دينامية جديدة قبل تشريعيات 2021، تمثلت في تغيير الأمناء العامين لأبرز الاحزاب(الاستقلال، البام)، كي تستجيب للبروفايلات المطلوبة، وفي الانخراط الجماعي لتغيير القوانين التنظيمية للانتخابات رغبة في طبع الحياة السياسية بمزيد من التوازن، باستثناء حزب العدالة والتنمية الذي رفض تغيير القاسم الانتخابي وإلغاء العتبة.
بدا لأول وهلة من تمايز العدالة والتنمية توجه ما نحو عزله وإنهاء مساره القيادي في التدبير الحكومي، غير أن صدور بيان عقب الانتخابات المهنية من قبل البيجيدي والبام والاستقلال والحركة والدستوري، علاوة على صدور أحكام قضائية نافذة على خلفية فساد انتخابي ارتكبه ممثلو الاحرار يعيد إلى الطاولة النقاش عن السيناريوهات الممكنة بعد الانتخابات.
بعيدا عن التوجهات المثالية، لا شك في أن الاحزاب الوطنية تدرك بأن مرحلة تسيير البيجيدي لم تسجل حصيلة توجب إسقاطه، فلا تجد له تورطا في قضايا فساد، ولا أنه أمضى ولايته الحكومية ساكتا عن الفساد(مثلا ملف نهب النفطيين ل17 مليار).
وحتى إصلاحات التقاعد والمقاصة والتوظيف والمكتب الوطني للماء والكهرباء لا أحد من الأحزاب المتنافسة اليوم سطر برنامجا يعيد النظر فيها، أما النقابات فلم تقف وقفة تذكر للتصدي عما اعتبرته إجهازا على المواطن، بل إن المواطن صوت لبنكيران وحزبه وبقوة بعد دخول هذه الاصلاحات حيز التنفيذ، فبأي منطق إذن يمكن هزم العدالة والتنمية في الاستحقاقات الجارية؟!
إذا كان هذا الحزب يفوز بالمدن الكبرى نتيجة ارتفاع منسوب الوعي، فاليوم ستنضاف المدن الصغرى والقرى بفضل توسيع دائرة الاستفادة من دعم التمدرس والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة، وطبيعي أن يتبع ذلك ارتفاع منسوب الوعي أيضا. لذلك غُيرت القوانين الانتخابية تفاديا لمفاجأة هيمنة البيجيدي.
وإذ أتحرى الموضوعية ولا يهمني من يصدر عن مصلحة شخصية آنية، كما قد لا يجد تحليلي آذانا صاغية من قبل من يتوقع الطوفان وغرق السفينة، أقول أن منطق المقاطعة لم يعد ذا جدوى خاصة إذا استوعب عرابوه أن بعض قوى الافساد حولوه إلى قاعدة لاحتساب الاصوات وتوزيع المقاعد(اعتبار القاسم الانتخابي على أساس المسجلين وليس المصوتين)، وهذا يعني مما يعنيه أن المقاطعة لم تعد مفزعة ولا مزعجة للمخزن وإنما صارت مطلوبة ومسعفة، ولم تعد تؤدي وظيفة سياسية ذات بعد ثوري، والأدهى من ذلك كله انحدار منطق بعض أدعياء المقاطعة إلى التعبير عن التشفي الممزوج بالغبطة لما بلغهم تغيير القوانين الانتخابية وتشطيب السلطة على قيادات وأعضاء البيجيدي من اللوائح الانتخابية، في الوقت الذي يملي عليهم الواجب النضالي والوطني التضامن لتحصين حق التصويت والاختيار.
وربما وجدت التيارات المثالية في إعادة فتح مكتب الاتصال الصهيوني بالمغرب فرصة لبث اليأس والنيل من رئيس الحكومة والعزف على وتر القضية الفلسطينية، لكن في المقابل لم تلتفت إلى قضية الصحراء المغربية وما إذا كان إلغاء وجودها في المعادلات السياسية القائمة عند المغاربة بلاهة أم خيانة؟!
ثم بعد حين حدث ما لم يكن في الحسبان وجاءت القاصمة؛ وفد حركة المقاومة الاسلامية حماس يزور المغرب بدعوة من البيجيدي وتُكْرَمُ ضيافته من قبل الملك.. هنا برزت صور أخرى متألقة لتعزز منهج المشاركة وتحد من طغيان المثالية وتبعث الشك في منطق المقاطعة.. لكن هيهات أن يدرك القوم كل هذه الرسائل دفعة واحدة.
ما أظن أن قوس الربيع الديمقراطي سيغلق في المغرب، فلا أصحاب المال ولا عرابو الافساد بمقدورهم ذلك، لانهم بخسوا بالفعل السيء مكانتهم، وفقدوا الكثير من مواقعهم، ولا المثالية والراديكالية بإمكانها تجاوز مخرجات الربيع الحالية والصعود بها إلى درجات أعلى لكونها في وضع يدعو إلى الشفقة، فقد تجدها في أفضل الأحوال مصطفة داخل قاعة انتظار كبيرة، تتلهف إلى تلقف قرار أو سلوك نكوصي.. لا لتواجهه بقوة، إنما لتصوب سهام دعايتها إلى التيارات الإصلاحية المشاركة.