مَصدرها "ذباب" إماراتي وإعلام جزائري.. حملة تُروِّج لـ"ثورة جياع" في المغرب
فجأة، وبدون مقدمات، تحول المغرب، عبر مجموعة من التغريدات الصادرة عن حسابات في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إلى "بلد يعاني من أزمة في توفير المواد الغذائية"، وأضحت المملكة مقبلة على "ثورة للجياع"، وهو الأمر الذي فضحته، حسب مزاعم المغردين، جائحة كورونا التي كشفت القناع عن "فساد وضعف حكومة العثماني الإخوانية".
وفوجئ الكثير من المغاربة بموقع "تويتر" بترويج خطاب حول بلدهم صادر عن أشخاص يحملون أسماء مشرقية، بعيدٍ تماما عما يدور على أرض الواقع، إذ رغم الجائحة لا يوجد أي مؤشر على وجود خصاص في المواد الغذائية بأي من أقاليم المغرب، وهو الأمر الذي لا تؤكده فقط الحكومة، بل أيضا الأسواق والفضاءات التجارية، ومحلات البقالة التي تمارس نشاطها بشكل طبيعي.
ودفع هذا الأمر الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى اعتبار ما يجري "حملة منظمة" ضد المغرب، وهو الأمر الذي تشي به العديد من المؤشرات، على رأسها المضمون الموحد تقريبا لكل تلك التغريدات، ما يعني حسب من تولوا الرد على الحملة أن مصدرها هو "الذباب الإلكتروني".
"سكريبت" واحد
وبالاطلاع إلى التغريدات المروِّجة للخطاب المذكور، نلحظ وجود مجموعة من "الكلمات المفتاحية" التي تجمع بينها، فكلها تتحدث عن "غياب المؤن" وعن اقتراب "ثورة الجياع"، وتحميل المسؤولية المباشرة لـ"حكومة سعد الدين العثماني" التي "لم يكن على ملك المغرب الوثوق بها"، باعتبارها "فاسدة" و"ضعيفة"، قبل أن تربطها بجماعة "الإخوان المسلمين".
وبدت تلك الحسابات، وكأنها تعتمد على "سكريبت" واحد، حيث لم تجتهد في "إبداع" أفكار مختلفة حول "الأزمة" المزعومة التي يعيشها المغرب، بل ركزت جميعها على فكرة "غياب المواد الغذائية"، حيث تقول إحدى التغريدات "إلى متى سيستمر إهمال العثماني وحكومته الفاسدة وعدم توفير الغذاء للشعب"، أما أخرى فتقول "المغرب وصلت إلى حالة مزرية من الإهمال للشعب من قبل حكومة العثماني الفاسدة وعدم توفير الرعاية المطلوبة"، وتضيف ثالثة "العثماني تسبب في إحراج لجلالة الملك محمد السادس قد يكون هو الأصعب بعد عدم توفر المؤن والغذاء للشعب وانتشار الفوضى".
وتبدو التغريدات منفصلة تماما عن الواقع المعاش بالمغرب، ليس فقط لعدم قدرتها على نشر ولو صورة أو تقرير أو تصريح لتَسنُدَ مزاعمَها، ولكن أيضا لكونها بدت وكأنها لا تدري أن المغرب تقوده "حكومة ائتلافية" مكونة من 5 أحزاب، وأن قطاع التموين الغذائي تحديدا موكول لوزيرين لا علاقة لهما لا بحزب العدالة والتنمية ولا بـ"الإسلاميين"، وهما عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري وحفيظ العلمي المكلف بقطاع التجارة، وكلاهما ينتميان لحزب التجمع الوطني للأحرار المنافس السياسي الأول لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 2021.
قواسم مشتركة
وبالتدقيق في الحسابات التي تنشر تلك التغريدات، توصلت "الصحيفة" إلى عدة قواسم مشتركة تجمع بينها، وتجعل من إمكانية تعرض المغرب لحملة عبر ما يصطلح عليه "الذباب الإلكتروني" الفرضية الأقرب للصواب، إذ يتضح أنها جميعها أنشئت سنة 2012، وأنها عقب انطلاق الحملة المضادة من طرف النشطاء المغاربة المسانَدين بمُغردين عرب، أُغلقت اليوم الثلاثاء.
شيء آخر مثير للانتباه في هذه الحسابات، وهو أنها كلها تحمل أسماء مشرقية، مثل "خالد أيوب" و"نادين زكريا" و"ماجدة الشريف" و"فريدة صلاح" و"جيهان يوسف" و"محمد أشرف" و"أجواد وليد" و"جميلة إبراهيم" و"رقية بشير" و"أشرف أبو عدنان"، ما يعني أن الأمر لا يتعلق بـ"ملاحظات وانتقادات صادرة عن مواطنين مغاربة" كما يزعم أولئك المغردون.
ويتضح هذا الأمر بشكل أكبر بالرجوع إلى طريقة كتابة تلك الأسماء بالحروف اللاتنية، فاسم "ماجدة" في حساب "ماجدة الشريف" مثلا مكتوب "Magda"، في حين يكتب في المغرب عادة "Majida"، أما اسم "جميلة" في حساب "جميلة إبراهيم" فمكتوب "Gamila" فيما يُكتب عند المغاربة "Jamila"، كون أن حرف "الجيم" منطوق بشكل سليم في اللهجة المغربية على عكس ما هو عليه الأمر في العامية المصرية.
حملة بلا حجة
واستطاعت الحملة المضادة التي يقودها نشطاء مغاربة التصدي بصرامة لحملة "الذباب الإلكتروني"، ليس فقط من خلال التغريدات المشيدة بالإجراءات التي قام بها المغرب، بل أيضا باستنادها إلى تقارير وصور وفيديوهات وتقارير وبلاغات حكومية تؤكد عدم وجود أي "أزمة غذاء" بالمملكة، وذلك في مواجهة التغريدات المعاكسة التي اكتفى أصحابها بإرفاقها بصور الملك محمد السادس أو رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.
وعمليا، عجزت تلك التغريدات عن إبراز أي معطى دقيق حول مزاعم "ثورة الجياع" المنتظرة، وهي العبارة التي لا يوجد لها أثر في أي تقرير وطني أو دولي بخصوص الوضع الحالي في المغرب ولا في أي منبر إعلامي مغربي أو أجنبي، باستثناء "تقرير" نشرته صحيفة "النهار" الجزائرية المعروفة بموقفها المناوئ للمغرب، عبر بوابتها الإلكترونية بتاريخ 12 أبريل 2020، والذي بالاطلاع على مضامينه يتضح أنه استند حصرا على ما وصفها "تسريبات" لم يوضح مصادرها.
وفي المقابل فإن الحكومة المغربية، عن طريق رئيسها سعد الدين العثماني كانت قد أعلنت رسميا في 13 مارس الماضي، عقب الإعلان عن إغلاق الحدود كتدبير احترازي لمحاصرة جائحة كورونا، أن "عرض السلع في السوق كافٍ لتلبية جميع احتياجات استهلاك الأسر بما في ذلك احتياجات شهر رمضان، الذي يتميز بارتفاع مستوى الاستهلاك"، بل إنه طمأن المواطنين الذين سارعوا لاقتناء كميات كبيرة من المؤن إلى أنه "لا حاجة للهلع ولا للاكتظاظ في أماكن التسوق ولا للمبالغة في شراء البضائع".
ما مصدر الحملة؟
يؤكد العديد من المعلقين المغاربة والعرب الذين انخرطوا في الحملة المضادة تحت وسمي "المغرب زمن كورونا" و"شكرا العثماني"، أن مصدر الحملة "إماراتي"، مستندين إلى قيام أبو ظبي بحملات مماثلة على عدة دول وأشخاص، مثل قطر وتركيا والكويت وإيران وليبيا ونشطاء معارضين سعوديين ومصريين وسوريين وغيرهم.
لكن مؤشرات أخرى تتقاطع مع هذا المعطى، إذ بالعودة مثلا إلى حساب باسم "جيهان يوسف" الذي تضع صاحبه علم المغرب أمام اسمها، والذي أغلق حاليا، نجد أنه غرد بتاريخ 13 أبريل 2020 قائلا ""إلى متى سيستمر إهمال العثماني وحكومته الفاسدة وعدم توفير الغذاء للشعب، لقد ظهرت حقيقة العثماني للجميع"، لكن قبلها كان قد نشر تدوينة جاء فيها "الله يحفظ دولة الخير الإمارات تقوم بإرسال طائرة مساعدات طبية إلى إثيوبيا لدعمها في مواجهة كورونا".
وهناك عامل آخر يضع الإمارات في صدارة المتهمين بقيادة هذه الحملة، الأمرُ يتعلق بـ"سوابقها" المُثْبَتة في هذا المجال، ففي غشت من العام الماضي، أعلنت غرفة التحرير والأخبار بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إغلاق مجموعة من الحسابات والصفحات التي كانت تدار من الإمارات ومصر والسعودية، بعد ثبوت تورطها في "أنشطة "مشبوهة" كالتجسس وتوجيه الرأي العام، ومحاولة التأثير على قضايا معينة في العديد من الدول ومن بينها المغرب.