كيغالي.. عاصمة رواندا التي مسحت جراح الإبادة الجماعية للهوتو ضد التوتسي لتصبح مركزا اقتصاديا إفريقيا
قبل أسابيع من الآن، كانت أنظار الرأي العام الدولي، الرياضي بصفة خاصة، متجهة إلى باريس، عاصمة الأنوار الفرنسية، وهي تحتفي بقدوم نجم كرة القدم العالمية ليونيل ميسي، من أجل حمل قميص فريق باريس سان جرمان.. عند نزوله إلى مطار "Le Bourget" شاهد الكل اللاعب الأرجنتيني وهو يرتدي قميص "Ici C’est Paris"..
هنا كيغالي، عاصمة رواندا، التي استثمرت مؤسساتها من أجل دعاية سياحية بأقمصة عدة أندية كروية أوروبية مشهورة، كما هو الحال بالنسبة لفريق الـPSG، الذي لا يكاد ركن من ملعبه أو ظهور لنجومه عبر مواقع التواصل الإجتماعي، (لا يكاد) يخلو من عبارة "VisitRwanda#"، في دلالة إلى الحملة التي أطلقتها حكومة الرئيس بول كاغامي، قبل أزيد من أربع سنوات.
في ماي 2018، تحدثت صحيفة "مايل اون سنداي" البريطانية عن عقد رعاية يقدر بأزيد من 40 مليون دولار، موقع بين نادي أرسنال الإنجليزي ودولة رواندا، على مدى ثلاث سنوات، وهو الاتفاق الذي سرعان ما أعطى نتائج مبهرة، حيث استقبلت كيغالي 1,7 مليون زائر في سنة 2019، مقابل توظيف 142 ألف عامل في مجال السياحة، وفق الأرقام التي أعلنتها وكالة التنمية الرواندية "RDB".
مع وصولك إلى مطار كيغالي الدولي، تستوقفك طيبوبة شعب مضياف، يحاول خدمة بلده من أجل إظهارها في أبهى صورة، هي كذلك العاصمة الرواندية، التي يكفي زائرها أن يقوم بجولة قصيرة للتأكد من أنها تسير بخطى تابثة لتكون دولة بثوب "أوروبي" وسط القارة السوداء.
كيغالي التي تعتبر المركز الثقافي والاقتصادي لرواندا، تأسست في عام 1907 على يد الدكتور ريتشارد تحت حكم الاستعمار الألماني، لكنها لم تصبح عاصمة حتى الاستقلال الرواندي في عام 1962. ومنذ ذلك الحين تطورت المدينة بسرعة كبيرة، لتمسح جراح الإبادة الجماعية التي شهدتها حينما ذبح ما يقارب مليون من قبيلة التوتسي من قبل ميليشيات الهوتو (إنتراهاموي)، وبعض أفراد الجيش الرواندي.
اليوم، يعم الهدوء كيغالي ونقاوة تطغى على المحيط العام، لتشكل صورة جميلة تفوح منها نسمات المساحات الخضراء المنتشرة في أرجاء العاصمة، رغم الزحف المعماري الذي بدأ يجد لنفسه مكانا في نمط عيش المواطن الرواندي، فالصينيون وجدوا في قلب رواندا، فرصة مواتية، من أجل توسيع مجال الاستثمارات، حيث يعملون ليل نهار من أجل تطوير بعض وحداتهم الفندقية الممتدة الفروع.
شاءت الصدف أن يكون الفندق الذي نستقر فيه، تحت تدبير صيني ويد عاملة من أبناء رواندا، مزيج ثقافي وحضاري أضفى رونقا خاصا على الوحدات الفندقية، التي وضعتها كيغالي رهن إشارة الاتحادين الإفريقي لكرة السلة وكرة الطائرة، من أجل استقبال الوفود المشاركة في البطولتين القاريتين.
في الشارع العام، قبل الساعة العاشرة مساء، موعد دخول البلاد في مرحلة الحجر الصحي، استوقفتي طفل صغير وهو يطلب مني أن أمده بقطعة نقدية من فئة 100 فرانك رواندي، ما يعادل 0,1 دولار أمريكي، أرقام تبدو مخيفة عن الوضع الإجتماعي هنا إلا أنها قد تتغير في المستقبل القريب مع نهوض الاقتصاد المحلي، الذي يسير بثبات ليكون قوة على مستوى القارة.
إلى غاية ذلك الحين، تحيى رواندا وتحاول نسيان جراح الماضي، فقسمات وجوه المواطنين البسطاء تجعلك تتعاطف مع هذا الشعب الإفريقي الشقيق، حتى وأنت تسير في الشارع العام، لا يزعجك سوى منبه الدراجة النارية الراغبة في تقديم خدمة المواصلات.. هي "سيارة" الأجرة الأكثر استعمالا في العاصمة وصاحبها يوفر لك النقل نحو المكان الذي ترغب فيه، مقابل تحويل مبلغ مادي في حسابه الهاتفي، مع ضرورة وضع واقي الرأس الأحمر بالنسبة للسائق والزبون.
تنظيم محكم لا مجال فيه للصدفة، فالدولة تحاول احتواء ظروف جائحة "كوفيد" والجميع يحترم الإجراءات الاحترازية، حيث أنه نادرا ما تجد أحدا في الشارع العام لا يرتدي الكمامة، كما أن الحكومة وضعت إجراءات صارمة على الوافدين إليها، إذ يخصع الجميع لاختبار الكشف عن الفيروس ويخضع للحجر داخل فقاعة صحية، إلى حين صدور النتائج.. كل هذا في أجواء احترافية وعناية خاصة.
لسنا أمام عظمة بنايات جوهانسبورغ في جنوب إفريقيا ولا أمام سحر المدن المغربية، إلا أن كيغالي تقدم للعالم أوراق اعتمادها، على أنها تستثمر في النجاح الإفريقي. لا يهم إن كنت تتقن اللغة الإنجليزية أو تفهم لهجة رواندا من أجل أن تتأكد أن أهلها يعملون في جدية من أجل ازدهار بلادهم.