أصر على موقفه الداعم لمغربية الصحراء ودفع الجزائر لقبول أمر الواقع.. سانشيز يُثبت حنكته السياسية أمام خصومه في المعارضة
رحبت الصحافة الإسبانية على نطاق واسع، بالإشارات الإيجابية التي أبانت عنها الجزائر، في استئناف علاقاتها التجارية مع إسبانيا، بعد سنتين من القيود التي فرضتها على التجارة مع مدريد، بهدف الضغط عليها للتراجع عن موقفها الداعم لمقترح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء تحت السيادة المغربية.
ونقلت الصحافة الإسبانية تصريحات وزير التجارة الجزائري، الطيب الزيتوني، الذي أعلن يوم الجمعة الماضي، عن الشروع في استئناف المبادلات التجارية مع إسبانيا، وأشار إلى أن الجزائر ستُصدر أولى شحنات الحديد إلى إسبانيا في مقبل الأيام، كتدشين للعودة الرسمية للعلاقات التجارية الكاملة بين البلدين.
ووفق ما جاء في عدد من التقارير الإعلامية الإسبانية، فإن الطيب الزيتوني، برر بطريقة غير مباشرة المصالحة الجزائرية الإسبانية في مجال التجارة، بمواقف بيدرو سانشيز من القضية الفلسطينية، واعتراف إسبانيا بدولة فلسطين، دون الإشارة إلى قضية الصحراء المغربية، التي كانت هي الشرط الأساسي التي وضعته الجزائر لإعادة إصلاح العلاقات مع إسبانيا.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الجزائر، كان قد سحبت سفيرها من مدريد، وقطعت علاقاتها التجارية مع إسبانيا في 2022، كرد فعل على إعلان إسبانيا دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء، واشترطت تراجع مدريد عن ذلك الموقف لإصلاح العلاقات معها، إلا أن حكومة بيدرو سانشيز أصرت على موقفها دون أي تغيير.
واضطرت الجزائر في نونبر الماضي لتعيين سفير جديد لها في مدريد، ثم قررت مؤخرا استئناف علاقاتها التجارية مع إسبانيا، بدون أن تنجح في دفع الحكومة الإسبانية لتغيير موقفها من قضية الصحراء المغربية، وبالتالي نجح سانشيز في إبقاء علاقاته الجيدة مع المغرب، وفي نفس الوقت كسب الجزائر دون أي تنازل.
وحسب الصحافة الإسبانية، فإن سانشيز كان على مدار سنتين في مرمى انتقادات سياسية شديدة من أحزاب المعارضة، التي انتقدت اتخاذه لموقف جريء في قضية الصحراء الداعم للمغرب، وخلق أزمة مع الجزائر، ودعته تلك الأحزاب مرارا إلى التراجع عن الموقف الذي أعلن عنه من أجل إنهاء الأزمة مع قصر المرادية في الجزائر.
وفي ظل المواقف الجزائرية الأخيرة التي تسير نحو إعادة "التطبيع الكامل" مع إسبانيا، فإن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، يُبرز نفسه كقائد سياسي محنك في مدريد أمام خصومه السياسيين، وفق ما يرى الكثير من المهتمين بالشؤون الداخلية الإسبانية.
ويتوقع المهتمون أنفسهم، أن يساهم هذا النجاح السياسي لسانشيز في رفع أسهمه السياسية في إسبانيا، ولا سيما أن قضية خلق علاقات متوازنة مع كل من المغرب والجزائر، تبقى من أكثر التحديات التي تواجهها دول المنطقة، في ظل الحساسية الكبيرة بين البلدين بسبب قضية الصحراء.
جدير بالذكر أن إعلان الجزائر عن استئناف علاقاتها التجارية مع إسبانيا، يأتي بعد يوم واحد فقط، من إصدار الخارجية الجزائرية لبلاغ تستنكر فيه عزم فرنسا لإعلان دعمها الرسمي لمقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء، ما دفع بالكثيرين إلى إدراج الخطوة الجزائرية في إطار خلق التوازن في علاقاتها مع بلدان المنطقة، تفاديا لخسارة العلاقات معها كلها.
كما أن هذه الخطوة تأتي بعد أسابيع من توجيه المفوضية الأوروبية دعوات تحذيرية إلى الجزائر، تدعوها إلى التراجع عن قيودها التي تفرضها على التجارة مع الدول الأوروبية، وعلى رأسها إسبانيا، مما قد يكون هذا أحد العوامل التي ساهمت أيضا في دفع الجزائر لاستئناف علاقاتها التجارية مع إسبانيا.