"أمنستي" تتّهم المغرب وإسبانيا باستخدام "القوة المُفرطة" في "أحداث مليلية"
تزامنا مع الذكرى الأولى لما بات يُعرف إعلاميا بـ "أحداث مليلية"، اتّهمت منظمة العفو الدولية السلطات الإسبانية والمغربية، بالوقوف وراء تنفيذ ما وصفته بـ "المذبحة المشتركة'' التي تعد الأسوأ من نوعها منذ 25 عاما، مع التقاعس المريب في ضمان العدالة ومُحاسبة المتورّطين في مقتل ما يناهز 37 مهاجر غير نظامي، معتبرة أن اتّهام ومحاسبة المهاجرين القادمين من السودان يُظهر تكريسهما لسياسية الإفلات من العقاب ويفضح عنصرية الحكومات الأوروبية وتبنيهم لمقاربة تقوم على أساس العرق واللون.
ويتعلّق الامر، بأحدات الـ24 يونيو، التي وصفت بكونها "مأساة مليلية"، عندما حاول حوالي ألفي مهاجر اقتحام الحدود البرية بين الناضور وجيب مليلية المحتلة، وردت السلطات الحدودية الأمنية من الجانبين المغربي والإسباني، بما وصفته مؤسسات حقوقية بالـ"قوة المفرطة"، ما خلف 23 قتيلا بين المهاجرين، بحسب السلطات المغربية، بينما ترى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن عدد الضحايا وصل إلى 27، وتقول منظمة العفو الدولية أن العملية ذهب ضحيتها 37 مهاجر غير نظامي، ورغم تضارب الأرقام يبقى الجامع بينها أنها أسوأ حصيلة للضحايا خلال سنوات من محاولات العبور الشبيهة.
وفي الذكرى الأولى للأحداث الدامية على الحدود البرية بين المغرب والمدينة المحتلة، قال مدير منظمة العفو الدولية في إسبانيا، إستيبان بلتران، في حوار أجراه مع وكالة "إيفي" الإسبانية، إن مواد مكافحة الشغب والأسلحة أخرى، مثل الرصاص والكرات المطاطية، استخدمت في عملية تفريق المهاجرين من قبل السلطات المغربية والإسبانية ، وذلك في عملية مشتركة تسببت في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
واعتبر بلتران، في حواره مع الوكالة الإسبانية، أن واقع الأحداث أرخت وقتها لـ "أكبر مذبحة على الحدود خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية"، مشيرا إلى أنه وفقًا للتحقيق الذي أجرته منظمة العفو الدولية عقب الأحداث، تبين لها أن المتضررين "لم يتلقوا حتى المساعدة الطبية خلال الساعات الأولى من المضايقات، ومُنعوا من الوصول إلى سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر ".
وأكد رئيس المنظمة غير الحكومية في إسبانيا، تورط السلطات الإسبانية، في إعادة ما يناهز 470 مهاجر غير نظامي إلى المغرب بشكل غير قانوني في عمليات إعادة موجزة ونحو ألف لاجئ عادوا إلى الصحراء"، يقول بيلتران، مضيفا: "مات الناس على التراب الإسباني، إن التشكيك في الأمر هو مجرد مسألة فنية ونقاش عقيم، وإلا كيف كان الحرس المدني سيحتجز الناس وينقلهم إلى التراب المغربي؟"
وبالنسبة لمنظمة العفو الدولية، الحدود البرية بين المغرب والثغر المحتل لمليلية هي "حدود مليئة بالإفلات من العقاب"، معتبرا أنه عدم محاسبة السلطات الإسبانية والمغربية قضائيا لأي شخص بسبب هذه الوقائع اللاإنسانية المؤسفة، "يغذي استمرار هذه الحالات.. وهذا سيستمر حتى يتم إجراء تحقيق شامل ومستقل وحيادي".
واتهمت منظمة العفو الدولية بقوة، حكومتي إسبانيا والمغرب بارتكاب جرائم انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين، بشكل مشترك على الحدود البرية"، مستنكرا في الآن ذاته، على لسان بلتران إلقاء الحكومتين اللوم على اللاجئين السودانيين الذين قاموا بالقفزة، والذي يُظهر بشكل جلي "ارتباطهما بالإفلات من العقاب" على حد تعبير المسؤول في المنظمة.
ولوضع حد لمثل هذه المواقف اللاإنسانية، أكد بلتران أنه بات من "الأساسي" سماح السلطات للناس "بالاقتراب من المراكز التي أقيمت لطلب اللجوء على الحدود". حتى تتوقف سبتة ومليلية عن كونهما " مأوى بلا حقوق" ولهما وضع "استثنائي" في مأوى اللاجئين.
وسلّط المسؤول في منظمة العفو الدولية، الضوء على ازدواجية تعامل الأوروبيين مع موضوع الهجرة والنزوح، والتي تفضح جليا وفق تعبيره "التعامل العنصري" لدول التكتل الإقليمي، والذي يُحدد أوجه التعامل بناء على العرق واللون.
وأوضح بلتران، أن حكومات الدول الأوروبي لم تتعامل وفق نفس المقاربة مع أوكرانيا عندما لجأ خمسة ملايين ونصف المليون أوكراني هروبا من العدوان الروسي، " لكننا نستقبل اللاجئين من جنوب الصحراء، من السود، بالضرب "يقول بلتران، مضيفيا "الحكومات الأوروبية فيما يتعلق باللاجئين لديها عنصر عنصري لأنها لا تستخدم نفس المعايير مع الجميع".
وبحسب مدير منظمة العفو الدولية في إسبانيا، "لقد أوجدت الدول حقيقة مفادها أن الأوكرانيين بحاجة إلى الترحيب لأنهم جاءوا من عدوان، وهو شيء لا يحدث مع بقية طالبي اللجوء من دول جنوب الصحراء"، موردا في الآن ذاته، أن المجلس التشريعي الأخير في إسبانيا "كان له أنواره وظلاله" بخصوص سياسة الهجرة، على الرغم من أنه يقدر بشكل إيجابي بعض "التطورات" التي تم تنفيذها، مثل تصريح عمل للمهاجرين دون سن 18 عامًا.
ومع ذلك، تؤكد منظمة العفو أنه من أجل مكافحة "البلاء" الذي تنطوي عليه العنصرية، يجب الجمع بين ثلاثة عناصر: أن تمتلك الحكومات "الإرادة السياسية لمكافحتها" وتطوير تشريعات "قوية"، و"معلومات محدثة" يتم الكشف عنها "وأن لا يفلت أحد من العقاب ".
وفي وقت تتهم "أمنستي" الحكومتين المغربية والاسبانية بالضلوع وراء أحداث مليلية وفق تنسيق مشترك يقوم على مقاربة أمنية عنيفة، كان تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان برسم سنة 2022، قد كشف أن حالات الوفاة المسجلة، حسب المعاينة الطبية لجثت الضحايا، حدثت بسبب الاختناق الميكانيكي والتدافع والازدحام والسقوط من أعلى سور السياج، وبفعل ضيق الفضاء وتكدس عدد كبير من المهاجرين في الباحة الضيقة للمعبر الذي كانت أبوابه مغلقة بإحكام.
وكان المجلس قد أحدث على إثر الحادث المأساوي بمعبر مليلية، لجنة استطلاعية لإعادة بناء الوقائع التي أدت إلى الأحداث المأساوية والعنيفة التي شهدتها بوابة العبور بين الناظور ومليلية، فندت تهمة العنف الشديد من طرف القوات المغربية والمفضي للوفاة على المهاجرين غير النظاميين، باعتماد التشريح الطبي لتحديد سبب وفاة كل حالة على حدة، مسجّلا في الآن ذاته وجود تغير ناشئ وجذري في طبيعة عبور المهاجرين من الناظور إلى مليلية، والذي اتسم بالهجوم المباغت والمحكم التنظيم وغير المعتاد من حيث الزمان (النهار) والمكان (المعبر وليس السياج) والأسلوب (الاقتحام بدل التسلق) والمكون (جنسية واحدة تشكل الغالبية المطلقة).
وسجّل مجلس "بوعياش"، أن مقاربة الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة التي تنحصر في إغلاق حدوده والتشجيع على تدبير تدفقات المهاجرين من طرف دول الجوار لن تؤدي سوى إلى المزيد من المآسي، مقترحا "تعميق البحث القضائي ليشمل كل جوانب المواجهات وتناسب استعمال العنف وتحديد المسؤوليات".
وكان الاتحاد الأوروبي قد خص المغرب بغلاف مالي يبلغ أكثر من 500 مليون أورو، ضمن اتفاق حماية الحدود الأوروبية، بهدف محاربة الهجرة غير الشرعية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 2021 حتى عام 2027، وتقسم هذه الميزانية على مشاريع مختلفة، تشمل إدارة الحدود وتعزيز التعاون الشرطي بما في ذلك التحقيقات المشتركة، والتوعية بأخطار الهجرة غير الشرعية، وتعزيز التعاون مع وكالات الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تشجيع سياسات الاندماج والحماية للاجئين في المغرب وتكثيف مكافحة عصابات التهريب.
وكان أعلن كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية يوليوز الماضي، عن إطلاق "شراكة متجددة" لمحاربة شبكات تهريب البشر، جاء بعد نحو أسبوعين من مأساة مقتل 23 مهاجراً على الأقل، أثناء محاولتهم عبور الحدود بين المغرب وجيب مليلية المحتلة.
وجاء في البيان المشترك الذي وقعه كل من المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، ووزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، ونظيره المغربي عبد الوافي لافتيت، أن الجهات اتفقت "على تجديد شراكتها للتعامل مع موضوع مكافحة شبكات الإتجار بالبشر، ولا سيما بعد ظهور أساليب عمل جديدة شديدة العنف اعتمدتها هذه الشبكات الإجرامية".
وتنص تفاصيل الشراكة الجديدة بين المفوضية الأوروبية والمغرب، على "دعم إدارة الحدود وتعزيز التعاون الشرطي، بما في ذلك التحقيقات المشتركة، (…) وكذلك تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي المسؤول عن الشؤون الداخلية".