إيمانويل دوبوي: دعم ماكرون لمغربية الصحراء "قرار حكيم".. والنظام العسكري في الجزائر ساوم علاقة بلاده مع باريس مقابل تفكيكها مع الرباط
وصف إيمانويل دوبوي، رئيس معهد الأمن والاستشراف في أوروبا (IPSE)، إعلان باريس دعمها لسيادة المغرب على صحرائه، بـ "الحكيم"، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تأخر كثيرا في تبنّي هذا الموقف، بعدما راهن على الجزائر التي يصر نظامها العسكري على أن تقوم فرنسا بخطوة لصالحها دون أن تبادر هي لخطوات متقدمة.
دوبوي، وفي حوار أجراه مع صحيفة "لا تريبون أفريك"، استحضر ما وصفها بـ "دبلوماسية كرة الطاولة" التي لطالما اعتمدتها فرنسا في تعاملها مع الرباط والجزائر، مؤكدا أنه شخصيا كان من بين الكثيرين ممن أعربوا عن استيائهم عندما اتخذ الرئيس إيمانويل ماكرون قبل عامين، خطوة مصحوبة بما يُشبه "الثورة الدبلوماسية، بإرساله سبعة عشر وزيرًا ورئيسة الوزراء إليزابيث بورن إلى الجزائر مع تصور وردي لعقود جديدة وفكرة مُبالغة في الأمل بأن البلدان سيعيدان بناء علاقاتهما".
واعتبر دوبوي، أن الرئيس الفرنسي، وأخيرا "اتخذ قرارًا حكيما، يهم إيضاح موقف فرنسا بخصوص القضية الوطنية للمغرب، وهو ذاته الموقف الذي كان ينبغي اتخاذه منذ وقت طويل، لأن فرنسا كانت قد دفعت في عام 2007 باتجاه قرار في مجلس الأمن اعتبر الحكم الذاتي أساسًا للمفاوضات بخصوص هذا الملف".
وشدّد الخبير الاستراتيجي، على أنه اليوم وبعد كل التحولات التي شهدها الملف في غضون 17 عامًا، "يتأكد من جديد أن الحكم الذاتي هو الأساس الأكثر منطقية لكل المفاوضات التي تهم حلحلة ملف الصحراء".
وتابع المتحدث: " يجب أن نعترف بأننا نشهد نوعًا من كرة الطاولة، مما يعطي انطباعًا بأننا نتخذ موقفا مع جانب ونبتعد عن آخر وهذا أمر ضار، بحيث كان يجب علينا أن نتصرف كما فعل الرئيس جاك شيراك في عام 2004، عندما زار الجزائر مع الحفاظ على علاقة استثنائية مع المغرب، وبالتالي لدينا شعور عام بأن الموقف الجزائري كان يهدف بطريقة ما إلى مطالبة فرنسا بتفكيك علاقتها مع المغرب لتتمكن من تحسين علاقاتها مع الجزائر".
وبخصوص ما الذي تغير منذ 20 عاما حتى الآن، قال الخبير الاستراتيجي: "لم تكن الجزائر تطلب من فرنسا إقامة شراكة استراتيجية، وهو ما جعل الرئيس شيراك لا يشكك رغم ذلك في استثنائية أو استمرارية العلاقة مع المغرب، أما اليوم، الجزائر تترقب، والنظام العسكري الجزائري بقيادة الجنرال سعيد شنقريحة، رئيس الأركان، يصر على أن تقوم فرنسا بخطوة لصالحها دون أن تقدم هي تلك الخطوة، وهذا أمر مُقلق".
واختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مناسبة احتفال المغرب بربع قرن من جلوس الملك محمد السادس على العرش ليقدم للرباط هدية دبلوماسية وسياسية بالغة الأهمية، تكمن بدعم صريح لباريس لمغربية الصحراء، واعتزامها "التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي"، ما يجعل من هذه الخطوة التي لطالما رفضتها فرنسا لخمسة عقود مفضلة اكتناف الغموض في مواقفها، "مهمة واستثنائية سيكون لها ما بعدها لتسريع وتيرة إنهاء هذا نزاع الصحراء"، وفق تقديرات خبراء ومراقبين استبعدوا قيام باريس بمحاولات لتليين الموقف الجزائري بعدما أبان قصر المرادية عن تطرف في التعامل مع هذه الخطوة.
وتُوجت المفاوضات واللقاءات الصامتة والرسمية، التي قادتها الدبلوماسية المغربية ونظيرتها الفرنسية لأشهر مضت، برسالة ثقيلة سياسيا وجهها إيمانويل ماكرون للملك محمد السادس، تُخرج باريس من حالة الصمت والغموض إزاء قضية الصحراء المغربية، إلى رحاب الإعلان الصريح عن دعم مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 بوصفه "واضح وثابت"، وبات "يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". وفق رسالة ماكرون للملك محمد السادس.
وعلى الرغم من أن فرنسا كانت داعمة بشكل رئيسي للرباط في المحافل الدولية - سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو في مجلس الأمن - في القرارات والمواقف ذات الصلة بموضوع الصحراء، غير أن الرباط ظلت تنتظر أكثر من شريكها التقليدي في ظل التحول الذي شهدته قضية الصحراء لصالح المغرب منذ الاعتراف الأميركي، والإسباني بها، وهو ما عبّر عنه ملك البلاد سنة 2022 بشكل صريحا بقوله: "ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل" في إشارة واضحة إلى فرنسا.