"الأمر لا يحتمل المزاح".. شائعات "كورونا" أصبحت تقود إلى السجن
لم تعد السلطات المغربية وخاصة النيابة العامة ومصالح الأمن الوطني، تدعُ أي مجال للتلاعب بأخبار انتشار فيروس "كورونا المستجد" أو أي تسمح بأي دعوات للامتناع عن تنفيذ توجيهات وزارة الصحة، وذلك بعدما أضحت الفيديوهات والتسجيلات الصوتية المنتشرة عبر "الفيسبوك" و"الواتساب" تمثل لعبا بالنار أمام الاحتمال المتزايد بالمرور إلى المرحلة الوبائية الثانية مع ارتفاع حصيلة المصابين إلى 58 شخصا.
ومنذ صدور بلاغ للنيابة العامة، الثلاثاء في مواجهة "طوفان" الشائعات والأخبار الكاذبة المنتشرة عبر حسابات التواصل الاجتماعي، وجد كثيرون كانوا يعتقدون أن الأمر مجرد "مزحة مضحكة" أو وسيلة سهلة لجمع "اللايكات" و"البارطاج"، أنفسهم في ورطة حقيقية بعد اقتيادهم إلى مخافر الأمن وإحالتهم على مكاتب وكلاء الملك.
سيدات في ضيافة الشرطة
ولم تنج العديد من النساء من المطاردة الأمنية بعد نشرهن أخبارا زائفة اعتقدن أنها مجرد وسيلة لتجزية الوقت، فأولى الحالات المعلن عنها من طرف المديرية العامة للأمن الوطني تتعلق بسيدة من مدينة طاطا زعمت من خلال تسجيل صوتي وزعته عبر "الواتساب" ظهور حالات مؤكدة للإصابة بالفيروس وسط الحي الذي تقطن به، وهو ما كلفها الإحالة على النيابة العامة.
لكن شابة تبلغ من العمر 23 عاما ذهبت أبعد من ذلك، حين أعدت سيناريو مفبركا تزعم فيه وضعها في الحجر الصحي نتيجة اختلاطها بمواطنين في مدينتي الدار البيضاء والجديدة حيث تقطن، مستعينة بقناع للتنفس، وإذا كانت السيدة السابقة قد توبعت في حالة سراح، فإن "اجتهاد" هذه الشابة في نشر الأخبار الكاذبة عبر الفيديو أدى إلى وضعها رهن الحراسة النظرية.
لكن الحالة الأغرب هي تلك التي سجلت في مراكش، لامرأة تدعي عبر منصات التواصل الاجتماعي أن فيروس "كورونا" تفشى بمدينة مراكش وأن السلطات هناك فرضت حالة الطوارئ، علما أن الأمر يتعلق بسيدة تدير فرعا جهويا لمؤسسة للقروض، ما يعني أنها يجب أن تتسم بدرجة كبيرة من الوعي والمصداقية، لكن "حماقتها" هذه تسببت في توقيفها من طرف الشرطة.
إصابات كاذبة
واستغل كثيرون حالة الذعر المسجلة في صفوف المواطنين والاهتمام المتزايد بأعداد المصابين، لترويج منشورات زائفة يدعون من خلالها تصور حالات إصابة وسط الشارع، لكن مصيرهم كان هو التوقيف كما حدث اليوم الأربعاء مع شخص بمدينة برشيد نشر فيديو يظهر فيه عناصر الوقاية المدنية وهم ينقلون مريضا أجنبيا إلى المستشفى، مع تذييله بعبارات كاذبة تزعم أنه مصاب بكورونا، والغريب أن المعني بالأمر ليس سوى سائق لسيارة إسعاف، وقد كلف ذلك الإحالة على الحراسة النظرية.
واضطرت مثل هذه المنشورات مصالح الأمن الوطني إلى الخروج بعدة تكذيبات متتالية في محاولة لاحتواء الوضع وطمأنه الناس، إذ أكدت أمس الثلاثاء مثلا، أن الشريطين اللذان يوثقان لحالات مرضية لأشخاص مغمى عنهما بكل من الدار البيضاء وفاس، واللذان زعم مصوروهما بأنهما يظهران حالة مؤكدة وأخرى مشتبه فيها لمصابين بوباء كورونا المستجد بشكل أثار مخاوف وتوجسات المواطنات والمواطنين، لا علاقة لهما نهائيا بالمرض، مضيفة أن الحالتين تخصان سيدة أصيبت بنوبة قلبية وشخصا في حالة تشرد أصيب بوعكة صحية.
معاكسة التعليمات جريمة
لكن الأخبار الزائفة المتتالية حول تسجيل إصابات بفيروس "كورونا" ليست وحدها التي تضع أصحابها في مأزق، بل أيضا التسجيلات الصوتية والمصورة التي تُكذب وجود "الفيروس" أو التي تدعو إلى عدم الالتزام بالتعليمات الصادرة عن السلطات المختصة، كما كان الشأن بالنسبة لشاب يبلغ من العمر 28 عاما، والذي ألقت شرطة القنيطرة القبض عليه بعد بثه 12 مقطعا يزعم فيه أن "وباء كورونا مجرد كذبة"، ويحرض المواطنين على الامتناع عن تنفيذ القرارات الاحترازية.
لكن هذا الشاب لم يكن الأول، فقبله سقط الشيخ السلفي الشهير بـ"أبو النعيم"، وذلك بعدما دعا إلى تحدي قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإغلاق المساجد بناء على فتوى من المجلس العلمي الأعلى، ليتم استداؤه من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتهمة التحريض على العنف والكراهية والمس بالنظام العام، قبل أن يحال على الحراسة النظرية بأمر من النيابة العامة المكلفة بقضايا التطرف والإرهاب.
أمر من النيابة العامة
والملاحظ أن هذا التحرك غير المسبوق تجاه نشر الأخبار الزائفة والشائعات، أتى مباشرة بعد صدور بلاغ من الوكيل العام للملك بمحكمة النقض ورئيس النيابة العامة المغربية، محمد عبد النبوي، أمس الثلاثاء، والذي أعلن عدم التساهل مع ناشري مثل هذه الأخبار بخصوص تفشي فيروس كورونا، وعن تحريك الدعوى العمومية ضد المتورطين.
وجاء في البلاغ أن "تعليمات صارمة قد أعطيت للنيابات العامة لدى محاكم المملكة، من أجل متابعة كل من يروج أخبارا زائفة ذات علاقة بموضوع فيروس كورونا، من شأنها إثارة الفزع بين الناس أو المساس بالنظام العام"، مشددا على أن الشرطة القضائية باشرت أبحاثها في الموضوع.