البرلمان يدخل على خط أزمة طلبة الطب للعب دور الوساطة
لم تنجح الحكومة منذ زهاء السبعة أشهر، في احتواء غضب طلبة الطب والصيدلة وحلحلة هذا الملف المؤرق الذي دخل فعليا مرحلة الأزمة مجهولة العواقب، ما عبّد الطريق أمام الفرق البرلمانية بمجلس النواب لإطلاق مبادرة الوساطة الهادفة إلى إنقاذ الموسم الدراسي من سنة بيضاء.
وبالفعل، رصّت الفرق البرلمانية من الأغلبية والمعارضة صفوفها من منطلق "الوساطة البرلمانية" لتقريب الرؤى على هامش لقاء عقدته أول أمس الخميس، جمع مختلف ممثلي الفرق، بممثلي طلبة الطب، لكنه "لم يصل بعد إلى أي حل يُذكر" وفق ما أكدته مصادر من اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة لـ "الصحيفة".
وأوضحت المصادر ذاتها، في حديثها لـ "الصحيفة" حول تفاصيل اللقاء الذي حضره ممثلو الطلبة بدعوة من الفرق البرلمانية، أنه تضمّن عرضا للرؤية الحكومية، كما قدّمها كل من وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي ووزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد أيت الطالب خلال اجتماع مشترك للجنة القطاعات الاجتماعية ولجنة التعليم والاتصال والثقافة، بمجلس النواب، الأربعاء الماضي، "دون أن يخرج بنتيجة واضحة حتى الآن".
وفي وقت نوّهت المصادر الطلابية ذاتها، والتي فضّلت عدم الكشف عن هويتها بمبادرة الوساطة البرلمانية، وهي تؤكد أنها "دائما ما كانت وستبقى منفتحة على جميع المبادرات التي قد تسهم في إيجاد حل، وأنها لم توصد الأبواب قط، حتى في وجه الحكومة نفسها وممثليها"، عادت لتُوضح أنه وخلال اللقاء ذاته، عاد ممثلو الطلبة إلى بسط مطالبهم، وإيضاح وجهات نظرهم للبرلمانيين بمن فيهم المنتمين لفرق الأغلبية، كما جرى الإشارة إلى الاتهامات الباطلة والمرفوضة التي أكالتها الحكومة للطلبة سواء بالتخوين أو معاداة مصلحة الوطن والتي أسهمت في تأزيم الأوضاع أكثر.
وشدّدت المصادر ذاتها، في تصريحها لـ "الصحيفة"، على أن هذه المبادرة المحمودة "وجب أن تتوّج أيضا بالمقابل بنقل وجهة نظر الطلبة تماما كما نقلوا ما جاء في عرض السادة الوزراء، وهذا طبعا ليس من باب الندية أو تحدي الحكومة كما من الممكن أن يُفهم من كلامنا، لكنه من منطلق التأكيد على أننا لم نوصد أبواب التفاهم والحوار مطلقا في وجه الحكومة وكنا دائما جاهزين للحوار، لكنها أبت إلا أن تستمر في تعنتها وتغلق كل مجال لحلحلة هذا الملف، ووضعنا أمام الأمر الواقع، بصفة غير مسبوقة لم يشهدها تاريخ البلاد" وفق تعبيرها.
هذا، واستنكر المصادر القيادية في لجنة طلبة الطب والصيدلة ما وصفتها بـ "التهديدات السوريالية" بالسنة البيضاء وبنقطة الصفر التي يتعمّد الوزير الوصي على القطاع استحضارها في كل مرة، معتبرة أنه من غير اللائق التفاعل مع أزمة بلغت شهرها السابع بمنطق تهديدي، " فنحن كطلبة لا نرغب في سنة بيضاء، لكن أيضا لا نرغب في سياسة الأمر الواقع وإغلاق جميع أبواب الحوار والتفاوض، وتعمد الاتهامات والتخوين فلا أحد من الأطراف سيكون رابحاً".
ومُقابل تشبث الحكومة بمبدأ تقليص سنوات التكوين، واعتباره "قرارا سياديا لا رجعة فيه"، وفق تعبير الوزير الميراوي، يُصر طلبة الطب بدورهم على رفض تقليص سنوات التكوين بالنسبة للدفعات الحالية على الأقل، وفق المصادر ذاتها التي شدّدت لـ "الصحيفة" على أن هذا المطلب "يأتي في مقدمة جملة النقط والمطالب التي نادوا بها منذ بداية نضالهم ولن يتزحزح من مكانه، ولا يتعلق الأمر بالسيادة أو الوطنية بقدر ما هو مرتبط بجودة التكوين والمنظومة الصحية وبالتالي مصلحة البلاد وأمنها الصحي".
من جانبها، ترى الحكومة ممثلة في شخص وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أن مطالب الطلبة "لا تتسم بالموضوعية"، وأنها استنفدت كل الطرف لمحاولة امتصاص غضبهم وحلحلة هذا الملف، ذلك أنه ومن دجنبر 2022 إلى غاية فبراير 2023 جرى عقد 14 اجتماعا مع ممثلي طلبة الكليات المعنية على الصعيد الوطني، بمشاركة ممثلين عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية وعمداء كليات الطب والصيدلة، بغرض إخبار الطلبة بوضعية تقدم ورش إصلاح الدراسات الطبية والصيدلانية وطب الأسنان، والاطلاع على الطلبات المعبر عنها من طرفهم وتقديم التوضيحات الضرورية.
وهو ما يعني، وفق مضامين عرض الميراوي في البرلمان، أن الحكومة قدمت مقترحاتها والتزاماتها واستنفذت جميع الحلول إنهاء الأزمة التي باتت تتهدد قطاع التكوين الطبي، مع وضعها شرط اجتياز الامتحانات واستعادة السير العادي للكليات، ومنها إعادة النظر في العقوبات التأديبية، وكذا تعديل بيان النقط والاستعاضة بالنقطة المحصل عليها خلال الدورة الاستدراكية للفصل الأول على نقطة الصفر إضافة إلى إمكانية استكمال التكوين بعد النجاح في الامتحانات، مع برمجة التداريب الاستشفائية، كما أن عمداء كليات الطب أيضا اقترحوا تقليص سنوات التكوين.
واعتبرت الحكومة أنه ومن فبراير 2024 إلى يونيو 2024 جرت مواصلة الحوار على الصعيد الجهوي والمحلي بعقد عمداء كليات الطب والصيدلة اجتماعات متعددة ومكثفة من أجل الإخبار والتوضيح والنقاش والتعبير عن وجهات النظر، مع الطلبة وأولياء أمورهم وهيئة الأساتذة وبعض المنظمات والجمعيات، ومهتمين بالقطاع تقدموا بعروض متعددة للتدخل والوساطة، لافتة إلى أن "كل هذا من أجل الإسهام في بناء مخرجات الحوار وإيجاد الحلول الناجعة لتجاوز الوضعية التي تعرفها كليات الطب والصيدلة".
وعرفت أزمة طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، الذين يخوضون إضرابا عن الدراسة والتكوين منذ سبعة أشهر، تطورات خطيرة لم تستطع وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، حلحلتها أو بلوغ بر توافقات تقنع بها أطباء المستقبل للعودة إلى مدرجاتهم لاستئناف التحصيل العلمي وإنقاذ الموسم الجامعي من البياض، إذ استمرّ تعنُّت الوزارتين في رفض مجالسة التنسيق الطلابي تحت مبرر أنه لا وجود لأي مبرر لمقاطعة الدراسة، فيما يُصر الطلبة على التمسك بمعركتهم ومطالبهم في مقدمتها الابقاء على سبع سنوات من التكوين وإصدار نص قانوني واضح يخص السلك الثالث واستدراك ستمائة ساعة من التكوين التي ذهبت أدراج الرياح بسبب الإضرابات، وتحسين الوضعية المادية والاجتماعية لأطباء المستقبل.
من جانبه، ارتأى الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، تقديم بعض الاقتراحات للحكومة، من أجل حل أزمة طلبة الطب مشدّدا على ضرورة فتح باب النقاش والحوار البناء بين الجهات المعنية، وهي كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وممثلي الطلبة.
وطالب حمضي، في تصريح صحافي توصلت به "الصحيفة"، الحكومة بخلق مبادرات جيدة تفيد الطلبة، أهمها تشجيعهم للعودة للأقسام واجتياز الامتحانات، بدل هدر الوقت الدراسي، الذي يؤزم الوضع أكثر فأكثر، موردا أن المؤسسات الوصية، بات إلزامي عليها تبني نظرة شاملة للتكوين الطبي بالمغرب، تثبت من خلالها حرصها على الحفاظ على المؤهلات البشرية التي يمتاز بها المغرب، بدل التشجيع على الهجرة في ظل الإغراءات الأوروبية المتعلقة بهذا القطاع الحيوي.
واعتبر الطيب حمضي، أننا " أمام أجندة زمنية دراماتيكية، لأنه لا بالنسبة للطلبة وأسرهم ولا بالنسبة للأوراش الصحية الكبرى التي كشف عليها الملك محمد السادس، وانتظارات المواطنين، هناك خسارة كبرى إذا لم يتم تدارك الأمر" موردا "خسارة ليس فقط في التكوين بل خسارة في صورة المستشفى العمومي وصورة القطاع العمومي، الذي يعتبر العمود الفقري الخاص بالإصلاحات المتعلقة بالمنظومة الصحية".