الداخلة.. فردوس الجنوب المغربي بِصحراء على مد البصر وأمواج مُحيط سَاحرٍ يجعل المدينة أفضل الأماكن لرياضات الأمواج عالميا
هي لؤلؤة الصحراء المغربية، والمدينة التي يمتزج فيها جو الصحراء والكثبان الرملية، مع ملوحة البحر وأمواجه الممتدة على طول ساحلها الذي يفتح أذرعه خصوصا لعشاق الرياضات البحرية.
إذا كُنت ترغب في التعرف على الكثير من أسرار الصحراء وجمالها المتنوع، فلا تتردد في أن تجعل وجهتك الداخلة. وإن كنت ترغب في التعرف على أطباق الثروة السمكية للمدينة، مع ممارسة رياضة بحرية أو حتى للتأمل فقط، فإن الداخلة ترحب بك.
تقع مدينة الداخلة بالصحراء المغربية، وتبعد عن مدينة العيون بـ 530 كلم، وعن العاصمة الرباط بـ 1700 كلم، وهي عبارة عن شبه جزيرة تمتد إلى عمق 40 كيلومتر في المحيط الأطلسي، ويقال إن هذا هو سبب تسميتها بـ"الداخلة".
يعود تاريخ إنشاء مدينة الداخلة إلى سنة 1884، حيث كانت حينها مستعمرة إسبانية تحمل اسم "فيلا سيسنيروس"، ويرجح أن هذا الاسم مُستمد من اسم "فرانسيسكو خيمينيز دي سيسنيروس"، وهو كاردينال إسباني عاش في القرن السادس عشر ميلادي.
كيف أصلها وأين أقيم؟
تتوفر مدينة الداخلة على مطار بمعايير دولية من حيث الأمن والجودة، يتسع لـ 330 ألف مسافر سنويا، تربطها بشكل مباشر بمدن مغربية هي أكادير والدار البيضاء، وعلى الصعيد الدولي بكل من لاس بالماس وباريس.كما يمكن الوصول إليها برا عبر الطريق الوطنية رقم 1 من خلال حافلات النقل العمومي التي تربطها المدن الكبرى كمراكش وأكادير والعيون وكلميم.
أيضا من المرتقب أن يكون مشروع الطريق السيار تزينت- الداخلة، الذي اقترب من نهايته، وسيلة جديدة وسريعة تقرب الراغبين في السفر إليها برّا، واكتشاف مشاهد مختلفة من الطبيعة الصحراوية خصوصا. كما توفر البنية التحتية للمدينة مجموعة من الخيارات من الفنادق المصنفة ودور الضيافة بمجموع 43 وحدة مصنفة (بمجموع يفوق 1800 سرير)، وبالتالي، فإن الاختيار لن يكون صعباً أمامك.
طقس نادر
تتميز الداخلة بدرجة حرارة مياه ثابتة على مدار السنة (25 مئوية)، وهو ما يجعل ممارسة غالبية رياضات الماء مناسبة. كما أن الرياح الثابتة جعلت المكان بالنسبة للمتزلجين بالأشرعة والألواح فردوساً حقيقيا، دون إغفال إمكانية التنزه بالقوارب، وسط هدوء وطمأنينة تمكن السائح من استكشاف بحيرة الداخلة وزيارة الجزر المحيطة بها.
هو إحساس لا ينسى ولن ينسى، وأنت تفتح أعينك صباحا على منظر البحر وصوت الأمواج الهادرة، بعد ليلة تمضيها وسط خيمة بين كثبان الرمال، بمعسكر ركوب أمواج مثلا. درجة الحرارة في الداخلة معتدلة طيلة العام، وهي تتراوح بين 14 في الحد الأدنى و28 كأعلى درجة، وقد يختلف هذا بشكل طفيف من سنة إلى أخرى، لكن المؤكد أنه واحد من أجمل المناخات ليس في المنطقة فقط، بل في العالم.
كثبان رملية على مد البصر
تتوفر الداخلة على مجموعة من المواقع الطبيعية والبيئية التي تسمح باستنشاق الهواء النقي، لاسيما خليج الداخلة، وتأمل الكثبان الرملية البيضاء وممارسة الأنشطة فيها، إضافة إلى جزيرة التنين، وموقعي "بورتوريكو" و"فم لبوير"، والمنتجعات الساحلية، وسبخة "إمليلي"، ومنبع المياه الكبريتية الطبيعية الساخنة.
وسط كل هذا، يدعوك خليج الداخلة، الذي يخترق هضبة صحراوية مع انفتاح على المحيط (37 كلم على 13.5 كلم)، إلى لحظات من المتعة وتجاوز التعب والإرهاق اليومي، وسط نشاط ملحوظ للصيادين المحليين الذين يجوبون الساحل.
أما جزيرة التنين، الواقعة وسط الخليج، فتعد مكانا مثاليا للاستحمام في المياه الفيروزية، وأخذ حمام من الطين الأبيض واكتشاف المناظر الطبيعية المحيطة بالجزيرة، والتوجه نحو المرتفعات الصخرية التي تهيمن عليها. كما سيجعلك المكان تتعرف على تنوع بيولوجي نادر بوجود "السلطعون عازف الكمان" وأنواع مختلفة من الطيور، خاصة طيور "النحام"، التي تعد متعة حقيقية لعشاق التصوير.
وغير بعيد عن المدينة، وعلى بعد 45 دقيقة فقط بالسيارة، ستجد بانتظارك الكثبان الرملية البيضاء في تغيير للمناظر الطبيعية، لتنتقل، جسدا وروحاً، من زرقة المياه إلى امتداد الصحراء ورمالها. كما يمكنك التمتع بموقع "سبخة إمليلي" الرائع الذي يقع على بعد 130 كلم جنوب شرق مدينة الداخلة، والذي يحتوي على 160 جيبا مائيا دائما وغنيا بأنواع الأسماك، لاسيما صنف "غينيا البلطي"، بالإضافة إلى أنواع أخرى من النباتات والحيوانات التي تنفرد بها الجهة.
حاول ألا تضيع فرصة زيارة المحميات البيولوجية التي تحتضن عدة أنواع مهددة بالانقراض كغزال دوركاس، وفقمة الراهب، والطيور المهاجرة من قبيل طيور النحام الوردي، بالإضافة إلى عدد من أنواع السلاحف.
أما في ضواحي المدينة، فتنتشر مواقع أثرية مهمة مثل نقوش صخرية بجبال أكركر، والبقايا الأثرية ببئر انزران، الكثبان الرملية الشهيرة بـ"قالب السكر"، بالإضافة إلى معالم تاريخية متنوعة كالكنيسة الكاثوليكية الإسبانية، والمنار البحري القديم على ساحل الداخلة، والبوابة الرئيسية للمدينة الإدارية القديمة.
عشاق الأدرينالين
بمناخها المعتدل وبتوفرها على 667 كيلومترا مربعا من السواحل، تجذب الداخلة أيضا محترفي وهواة رياضات التزحلق من جميع أنحاء العالم ممن يمارسون رياضة الألواح الشراعية بمختلف أنواعها، حيث صنفت من أفضل الأماكن لرياضات الأمواج والرياح عالميا. فإن كنت من هواة هذه الرياضات فالداخلة ستكون بالتأكيد هي ملاذك، وإلا فإن الفرجة في المنافسات الوطنية والدولية التي تنظم على مدار السنة ستكون كافية لتضيف لك الكثير.
أما إن كنت تعشق المغامرة وحبس الأنفاس، فإن الداخلة تتوفر كذلك على هياكل مخصصة للأنشطة الرياضية: صيد الأسماك، وركوب الدراجات الرباعية، والعربات التي تجرها الدواب، وسفاري سيارات الدفع الرباعي الصغيرة، وركوب الخيل والجمال، وركوب الدراجات الهوائية ورحلات الصحراء.. والكثير الكثير من الأسرار والعروض المتنوعة.
وللمآثر مكان
قد تكون من عشاق المعالم التاريخية أيضا، وهنا لن تحرمك مدينة الداخلة من تجربة فريدة ومعلمة تاريخية وهي كنيسة Nuestra Señora del Carmen، التي بناها المستعمر الاسباني قبل أكثر من ستة عقود. وتتميز الكنيسة بالنمط المعماري الاسباني والذي يؤثر على المدينة بشكل ملحوظ من خلال أحيائها التي كان يقطنها الاسبان قبل أن تتحول لمساكن للجنود ومجموعة من الإدارات العمومية فيما بعد.
ولأن مدينة الداخلة هي مدينة المحيط بامتياز، فلا بأس أن تلقي نظرة على المنارة البحرية القديمة التي يبلغ طولها 60 مترا، والمطلة على جرف بحري وعر في غرب المدينة على الساحل الأطلسي، والتي تم إنشاءها لإرشاد السفن. والقرب من نفس المنارة تجد "لمبريس"، وهي معلمة تاريخية قديمة كانت عبارة عن منار بحري قبل أن يحولها الاسبان إلى معتقل يتم فيه سجن المقاومين المغاربة الذين ناضلوا لطرد المستعمرين من المنطقة.
تمازَجْ مع ثقافة المنطقة
إن صادفت زيارتك مهرجان الداخلة، الذي يتم إحياؤه في شهر مارس من كل سنة، فستكون مناسبة لتحتفي مع زوار المهرجان بالبحر و الصحراء وما يمثلانه من زخم و غنى للثقافة المحلية الصحراوية. هي فعلا فرصتك للاستمتاع بثقافات قبائل الصحراء واستكشافها، ولاسيما من خلال الروائع الموسيقية التي يبدعها الرحل الصحراويون.
تزخر مدينة الداخلة بتراث حساني غني بطقوسه وتظاهراته الثقافية والفنية، وبملابسه المتميزة كالملحفة للنساء، والدراعية للرجال، وبأدبه المتميز الذي يبدأ بالشعر الحساني وينتهي عند الأهازيج التقليدية بالمنطقة، مُروراً بالحكي الشعبي.
ولا يعقل أن تزور الداخلة وتغادرها دون أن تجرب أطباق السمك الطرية من عين المكان، وكذا المأكولات التقليدية للمنطقة. فمدينة الداخلة تشتهر أساسا بالمنتجات البحرية، حيث تحتفي موائد شبه الجزيرة المحار والكركند والهمار، وتوليها أهمية خاصة، كما تتواجد ببحيرتها الشاطئية مزرعة كبيرة لإنتاج المحار. أما الخليج البحري، فبدوره يعتبر غنيا بمادتي الكركند واللانغوستين، بجميع ألوانها الحمراء، الخضراء والملكية. ويمكنك تذوق هذه الفواكه البحرية في مطاعم المدينة التي تعدها إما مشوية أو في الفرن أو في البايلا.
وبخصوص الأطباق الصحراوية، فيمكنك الاستمتاع بأكلة مارو بلاغ التي يتم إعدادها من الأرز واللحوم و تتبل بزيت الزيتون والملح، ناهيك عن الكسكس الخماسي المعروف، والذي يتم تفويره خمس مرات بواسطة اليد، وتستعمل خمسة أعشاب خاصة في عملية طبخه وإعداده.
لحم الإبل والجمال أيضا يحظى بشعبية كبيرة في المنطقة، ويمكن تناوله مع الكسكس والمارو أو لوحده من خلال طبخه مشويا على السفود. وتقدم هذه الأكلات مصحوبة مع الشاي الصحراوي اللاذع والرائع الذي يخضع إعداده بهذه المنطقة لطقوس حقيقية ودقيقة جدا.
إنها مدينة الداخلة، حيث يمكنك أن تجد فيها ما لن تجده في غيرها. إنها جوهرة الصحراء المغربية، وروح الدفء والعشق في الفصول الأربعة للسنة، حينما يكون العالم صقيعا.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :