المجلس الوطني لحقوق الإنسان: ثلثا المغاربة عاجزون عن الادخار بسبب الغلاء
كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تقريره السنوي الخاص بسنة 2022 الصادر أمس الأربعاء، أن موجة التضخم التي يعيشها المغرب رتبت آثارا إضافية على تداعيات جائحة "كوفيد 19"، ما أضر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، كاشفا أن ثلثي المغاربة أضحوا عاجزين عن الادخار بسبب غلاء المواد الأساسية، في الوقت الذي لا يبدو فيه أن هذه الموجة ستنتهي قريبا.
وأوضح المجلس أنه سبق أن أشار في تقريريه السابقين برسم سنتي 2020 و2021 إلى أن تداعيات جائحة كوفيد 19 على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قد لا تقتصر على الآثار السلبية المباشرة الناجمة عن الإغلاق الشامل للاقتصاد الوطني خلال فترة الحجر الصحي، بل من المرجح أن تكون لها آثار سلبية على قدرة المواطنات والمواطنين على الولوج لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد، وهو ما يؤشر عليه الارتفاع الكبير المعدل التضخم الذي بلغ 6.6 في المائة عند نهاية دجنبر.
وحسب الوثيقة، تتميز موجة التضخم القياسي الذي تعيشه البلاد، والذي انتقل من 0.296 في 2019 كأضعف معدل خلال أكثر من نصف قرن إلى 0.796 في 2020 ثم إلى 1.4 في المائة في 2021 وصولا إلى 6.6 في المائة في 2022، بالطابع المركب لأسبابها، فبالإضافة إلى الارتفاع المسجل على مستوى أسعار المواد المحلية. فقد ساهمت أسعار المواد المستوردة في رفع معدل التضخم بحوالي 79.9 في المائة، وذلك بسبب تظافر مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية.
فعلى مستوى العوامل الخارجية، يقول التقرير، أدت الحرب الأوكرانية الروسية إلى تقلبات كبيرة في أسعار المواد الطاقية والزراعية، ورغم أن الحكومة تمكنت من ضمان استمرار تزويد السوق الوطنية بالمواد النفطية، فإنها لم تتمكن مع ذلك من التحكم في أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير، وبالإضافة إلى ذلك فقد تأثرت منظومة الأسعار بالمغرب سنة 2022 باستمرار الارتباك على مستوى سلاسل التوريد العالمية وما نتج عنه من ارتفاع غير مسبوق في كلفة نقل السلع على المستوى العالمي، وبالنظر إلى أن الاقتصاد الوطني شديد الاندماج في الاقتصاد العالمي ومنفتح بشكل كبير على التجارة الدولية، استيرادا وتصديرا، فإنه يبقى معرضا للتقلبات الجيو-اقتصادية الدولية بشكل كبير.
أما فيما يتعلق بالعوامل الداخلية، فإن سنة 2022 لم تكن سنة جافة فحسب، بل إنها عرفت كذلك ظهور الأثر التراكمي لسنوات الجفاف المتعاقبة، وقد تجلى ذلك بالأساس في التراجع الكبير في المواد المائية بكل أصنافها، وهو ما أثر بشكل كبير على القطاع الفلاحي، سواء فيما يتعلق بتراجع قدرته على التشغيل أو من خلال مساهمته في ارتفاع نسبة التضخم بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية ذات الأصل الزراعي المحلي.
ووفق المجلس، فإنه، وبصرف النظر عن طبيعة العوامل التي أدت إليها، فإن موجة التضخم التي عرفتها سنة 2022 كان لها تأثير كبير على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من المواطنات والمواطنين، وخاصة الفئات الفقيرة والهشة التي لاتزال لم تتعافى بعد من آثار جائحة كوفيد 19، ويمكن رصد الآثار السلبية للتضخم على المستوى المعيشي للمغاربة من خلال بعض المؤشرات الدالة، من قبيل تؤثر القدرة على الادخار الذي تراجع بشكل كبير خلال سنة 2022، حيث تراجعت نسبة القادرين على الادخار إلى 32، أي أن أكثر من ثلثي المغاربة كانوا عاجزين عن الادخار في هذه الطرفية.
وأوردت الوثيقة أن قراءة في تطورات العوامل الداخلية والخارجية للتضخم تبين أن الموجة الحالية قد لا تنتهي في الأمد القريب، ومن المحتمل أن تتحول إلى معطى هيكلي في الاقتصاد العالمي، ولذلك يرى المجلس أن مواجهة الآثار السلبية للتضخم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ينبغي أن تعتمد مقاربة تزاوج بين الإجراءات والتدابير الآنية المستعجلة التي تروم إعادة التوازن إلى أسعار المواد الأساسية والخدمات الحيوية للمواطنين من جهة، والتدابير الاستباقية التي تستهدف التأثير في العوامل المؤدية إلى التضخم من جهة ثانية.
وانسجاما مع التوجهات الاستراتيجية التي سبق أن أكد عليها في مذكرتيه الموجهتين إلى لجنة النموذج التنموي سنة 2020 وإلى رئيس الحكومة سنة 2021، يحبذ المجلس في توصياته ذات الصلة الاعتماد على الذات عبر توجيه النموذج الفلاحي المعتمد لتحقيق الاكتفاء الذاتي بما يسمح بضمان الأمن الغذائي واستقرار أسعار الغذاء والخدمات الأساسية، كما يرى أن الوعي بالتداخل الكبير بين إشكالية التضخم وبين مختلف السياسات الاجتماعية خاصة التعليم والصحة وضمان خدمات عمومية سيساهم بشكل كبير في رفع القدرة الشرائية للمواطنين، ويدعو إلى استعجال إخراج منظومة الاستهداف إلى حيز الوجود مع العمل على تحيينها بشكل دوري.
وقال التقرير إنه نظرا لأهمية الأبعاد المتعلقة بالحكامة في التعاطي مع العوامل المؤدية إلى التضخم، فإن المجلس يؤكد على ضرورة تفعيل الآليات المؤسساتية المناط بها تنظيم مراقبة منظومة تسويق السلع والخدمات ومحاربة جميع أشكال الاحتكار والمضاربة وغيرها من الممارسات المنافية للقانون وإعمال آليات مناهضة الإفلات من العقاب، داعيا بالخصوص إلى الإسراع بإخراج النصوص التنظيمية التي ستمكن مجلس المنافسة من الاضطلاع بمهامه في هذا المجال.