المغرب يفتح الباب أمام الصناعة الدفاعية الهندية لاستكشاف فرص الاستثمار في المعدات العسكرية بالمملكة
في إطار رؤية المغرب الاستراتيجية لتعزيز قدراته العسكرية وتنويع مصادر التسليح وتأسيس قاعدة صناعية وطنية قادرة على المنافسة في القطاع الدفاعي، تشهد العلاقات المغربية الهندية زخمًا متصاعدا في مجال الصناعات الدفاعية، برز ذلك في ندوة الصناعة الدفاعية بين البلدين التي قدمت خلالها المملكة رؤى شاملة حول مناخ الأعمال الديناميكي والبنية التحتية الصناعية التي تقدمها لتحفيز هذه الصناعة.
وأفادت جمعية مصنّعي الدفاع الهندية (SIDM) وهي جمعية غير ربحية تم إنشاؤها لتكون الهيئة العليا لصناعة الدفاع في الهند، أن اليوم الثاني من ندوة الصناعة الدفاعية بين الهند والمغرب تميز بـ"مناقشات مثمرة وتفاعلات بنّاءة"، موردة أنه بدأ بلقاء وصفته الجمعية في تدوينة عبر منصة "إكس" بـ "المميز" مع عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، حيث تم التأكيد على أهمية التعاون الدفاعي الثنائي، وتلا ذلك عروض قيمة، منها عرض من تقديم العقيد إبراهيم عبيد حول تطور الصناعة الدفاعية في المغرب، وعرض آخر قدمه علي صديقي، المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات (AMDIE)، تناول فيه مناخ الأعمال الديناميكي في المغرب.
كما قامت الوفود بزيارة المنطقة الحرة الأطلسية، حيث تفاعلت مع مسؤولي شركتي MEDZ وImgears، ما أتاح لهم فهماً شاملاً للمشهد الصناعي في المغرب، وساهمت هذه التفاعلات في تقديم رؤى قيّمة حول الفرص المتاحة في المغرب للصناعة الدفاعية الهندية، مما عزز الأسس للتعاون المستقبلي.
وشهدت العلاقات الدفاعية بين الهند والمغرب تقاربًا تدريجيًا في السنوات الأخيرة، ينسجم ومساعي المغرب لتنويع مصادر تسليحه وتعزيز قدراته الدفاعية من خلال الشراكات مع دول تمتلك خبرات قوية في الصناعات الدفاعية على غرار الهند التي أصبحت واحدة من أكبر الدول المصنعة للأسلحة في العالم، وتتمتع بقدرات هائلة في مجال تكنولوجيا الدفاع، ومن خلال هذا التعاون يسعى البلدان إلى تبادل الخبرات والتكنولوجيا المتقدمة في مجالات مثل الأنظمة الجوية والدفاعات الصاروخية والذخائر المتقدمة.
ويمثل تنويع مصادر التسليح أحد الأهداف الرئيسية للمغرب في سعيه لتطوير قواته المسلحة، إذ يعتمد المغرب بشكل كبير على فرنسا والولايات المتحدة في تسليح جيشه، قبل أن يقرر في السنوات الأخيرة، توسيع دائرة شركائه العسكريين، وهو ما يتيح الفرصة للهند لتوسيع وجودها في السوق الدفاعية المغربية، سيما وأنها تتمتع بقدرات متقدمة في مجالات مثل الطائرات المقاتلة بدون طيار، والمركبات العسكرية، والأنظمة الدفاعية المتطورة، مما يمكن المغرب من تحديث تجهيزاته العسكرية وزيادة كفاءتها.
وضمن استراتيجيته لتطوير قاعدة صناعية محلية في قطاع الدفاع، يسعى المغرب للاستفادة من الخبرات الهندية في إنشاء مصانع محلية لتصنيع الأسلحة والذخائر، يشكل سيسهم في تحسين القدرة الذاتية للمغرب في تصنيع المعدات الدفاعية، وتقليل الاعتماد على واردات الأسلحة الأجنبية.
وكان المغرب قبل أكثر من عام، قد وقع على اتفاق مع شركات هندية لصناعة مركبات سيتم توريدها لفائدة القوات المسلحة الملكية، إذ أكد الوزير السابق المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، محسن الجزولي، حينها، أن البلدين شرعا في مناقشات بهدف إنتاج هذه المركبات بشكل مشترك في المغرب، من أجل تلبية الطلب المحلي، ولكن أيضا لاستهداف الأسواق الأفريقية وحتى الأوروبية.
وقد وصل اليوم هذا المشروع إلى مرحلة متقدمة مع بناء فرع جديد للشركة الهندية في المغرب، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة تسمى Tata Advanced Systems Maroc Construction، مسجلة منذ أبريل 2024 لدى المحكمة التجارية بالدار البيضاء ستخصص لـ "صناعة المركبات القتالية العسكرية ودراسة وتطوير تكامل الإنتاج وتجميع جميع المركبات والمعدات العسكرية وجميع العناصر ذات الصلة".
وتُفيد معظم القراءات والتحليلات إلى أن الشراكة المغربية مع شركة "TASL" التابعة لمجموعة "تاتا" الهندية تشكل خطوة محورية نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي العسكري وتحقيق التنمية المستدامة في مجال الصناعات الدفاعية المغربية، إذ لا تقتصر على كونها اتفاقية تجارية، بل هي جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى بناء قاعدة صناعية عسكرية قادرة على تلبية احتياجات القوات المسلحة المغربية بشكل مستدام، كما أنها تمثل نقلة نوعية في مسار تحول المغرب نحو صناعة عسكرية وطنية، بعيدًا عن الاعتماد على الاستيراد المباشر.
وهذه الشراكة، ستُساهم أيضا في نقل التكنولوجيا المتقدمة، مما يتيح للمغرب الاستفادة من خبرات هندية واسعة في التصنيع العسكري، خصوصًا في مجال إنتاج المركبات القتالية المدرعة، كما تسهم هذه الشراكة في تعزيز القدرات الدفاعية المغربية بشكل ملحوظ، حيث يعززها من خلال إنتاج معدات عسكرية محلية تلبي متطلبات الجيش المغربي من دون الاعتماد على الموردين الأجانب، مما يضمن سرعة وكفاءة أكبر في تلبية الاحتياجات الدفاعية.
من الناحية الاقتصادية، تعد هذه الشراكة خطوة هامة لدعم الاقتصاد الوطني، حيث يسهم إنتاج المعدات العسكرية محليًا في تقليل تكاليف الاستيراد وفتح فرص عمل جديدة في قطاع الصناعات الدفاعية. كما يساهم هذا التعاون في تعزيز التنمية المستدامة، ويتيح للمغرب فرصة لتوسيع بنيته التحتية الصناعية، ما يعزز من قدرة المملكة على التعامل مع التحديات الإقليمية والدولية.
في السياق الاستراتيجي، تسهم هذه الشراكة في تعزيز مكانة المغرب كفاعل رئيسي في المنطقة الإفريقية والمتوسطية، كما تعزز من تفوقه العسكري من خلال تطوير قدراته في مجال التصنيع المحلي، إذ أن إنتاج المركبات القتالية المدرعة محليًا يمنح المغرب مرونة أكبر في تعديل العتاد العسكري ليتماشى مع التحديات الأمنية المتغيرة، ويعزز قدرته على الردع الاستراتيجي.
وتساهم هذه الشراكة أيضًا في تقوية علاقات المغرب مع الدول الصاعدة مثل الهند، ما يعزز من مكانة المملكة في النظام الدولي ويسمح لها بتشكيل تحالفات استراتيجية متعددة الأبعاد تخدم مصالحها الوطنية، خصوصا مع تزايد الاهتمام العالمي بتكنولوجيا الحرب الرقمية والأنظمة الذاتية، أي أن هذه الشراكة ستفتح أمام المغرب فرصًا لتطوير برامج جديدة تعزز تفوقه العسكري في المستقبل، مثل الطائرات بدون طيار والروبوتات العسكرية.
كما تساهم هذه الشراكة في تعزيز رؤية المغرب لأن يصبح مركزًا إقليميًا في مجال التصنيع العسكري، مما يوسع قدراته في تصدير العتاد العسكري إلى دول الجوار ودول إفريقية وعربية، مما يخلق فرصًا اقتصادية جديدة ويعزز من دوره القيادي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.