الممثل التجاري الروسي بالمغرب يدعو إلى تجاوز "الارتهان للقوى الاستعمارية السابقة" وللعمل على شراكة تكنولوجية على أنقاض النفوذ الأوروبي

 الممثل التجاري الروسي بالمغرب يدعو  إلى تجاوز "الارتهان للقوى الاستعمارية السابقة" وللعمل على شراكة تكنولوجية على أنقاض النفوذ الأوروبي
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 3 أبريل 2025 - 23:33

يبدو أن الحرب الناعمة على مستقبل إفريقيا بدأت تتخذ شكلًا رقميًا، تلعب فيه البيانات والبرمجيات دور النفط الجديد، ويتحول فيه المغرب إلى نقطة تقاطع رئيسية في طريق موسكو نحو "أفريقيا تكنولوجيا"، لا مكان فيها للوصاية، بل فقط للشراكة والتنافس الذكي، وهذا تماما ما أبرزته تصريحات الممثل التجاري الروسي بالمملكة، أليكسي أندرييف، الذي كشف عن ملامح رؤية موسكو الجديدة تجاه القارة السمراء من داخل الرباط التي تعد واحدة من عواصمها المحورية.

وفي وقت تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية حول العالم، وتتنافس القوى الكبرى على موطئ قدم استراتيجي في إفريقيا، برزت تصريحات الممثل التجاري الروسي بالمغرب، أليكسي أندرييف، التي أدلى بها في حوار مع صحيفة "لوبينيون" حيث أكد أن بلاده مستعدة لمساعدة الدول الإفريقية وفي مقدمتها المغرب لتطوير تكنولوجيا السيادة الرقمية، داعيًا إلى تجاوز "الارتهان للقوى الاستعمارية السابقة"، في إشارة غير مباشرة إلى النفوذ الأوروبي، وعلى رأسه الفرنسي.

ويبدو أن المغرب، الذي يُعد واحدًا من أكثر بلدان إفريقيا تقدمًا في مجال التحول الرقمي، بات بالنسبة لروسيا مدخلًا محوريًا لإعادة تشكيل علاقاتها الاقتصادية والتكنولوجية بالقارة، ففي حديثه ركز أندرييف على أن "البيانات هي المورد الأهم اليوم"، مؤكدًا أن روسيا لا تسعى إلى استغلالها، بل إلى "تطوير تكنولوجيا تمكّن الدول الإفريقية من إدارتها بشكل مستقل".

ونبّه، إلى أن بلاده تقدم نظامًا متكاملاً من الحلول الرقمية يضمن السيادة والنمو التكنولوجي، مشيرًا إلى أن روسيا "أصبحت من المهندسين الرئيسيين لبناء مستقبل الصناعة الرقمية".

وبالنظر إلى أن المغرب يتصدر تصنيفات إفريقية في مجال الحكومة الإلكترونية، والخدمات الرقمية، والبنية التحتية السيبرانية، فإن وجود ممثل تجاري روسي ينشط من الرباط يحمل دلالات استراتيجية، ذلك أن المملكة بما تمتلكها من شبكات تعاون جنوب-جنوب، خصوصًا في غرب إفريقيا، قد يتحول إلى منصة انطلاق روسية نحو أسواق إفريقية حيوية، بعيدًا عن تأثير العواصم الغربية.

والتقرير الذي نشرته وكالة المبادرة الإفريقية يُظهر تحولًا في طبيعة الحضور الروسي بإفريقيا، من الدعم العسكري والأمني (كما في ليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى)، إلى شراكات تكنولوجية مرنة، تركز على الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والحلول الرقمية للحوكمة والإدارة.

وقد شمل عرض أندرييف التعاون في مجالات متعددة، من بينها الرقمنة الحكومية، الأنظمة المالية الذكية، أمن المعلومات، الاتصالات، نقل التكنولوجيا وتكوين الموارد البشرية

وقال المسؤول الروسي إن العديد من الدول الإفريقية "تبدي اهتمامًا فعليًا بحلول تقنية بديلة، لا تعتمد على الموردين الغربيين، وتتحرر من الضغوط السياسية الخارجية"، في إشارة إلى سعي موسكو لتقديم نفسها كـ"شريك محايد" مقارنة بنهج واشنطن وبروكسيل.

وبالنسبة للمغرب، فإن الانفتاح الروسي، وإن كان مفيدًا اقتصاديًا وتقنيًا، يضع الرباط في موقع توازن دقيق بين شركاء دوليين كبار، فالمملكة التي عززت في السنوات الأخيرة علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، وأطلقت مشاريع رقمية ضخمة بتعاون ألماني وفرنسي، مطالبة اليوم بإدارة شراكاتها مع موسكو بحذر، دون استفزاز شركائها التقليديين، ففي الوقت ذاته قد يشكل الانفتاح الروسي فرصة للمغرب لتمتين موقعه كقوة إقليمية رقمية، وتصدير نموذج التحول الرقمي المغربي نحو العمق الإفريقي بشراكة ثلاثية (مغربية-روسية-إفريقية).

وفي ظل هذا السياق، تظهر الرباط كمكان مثالي لموسكو لطرح "عرضها الرقمي"، خاصة أنها تجمع بين الاستقرار السياسي وبيئة استثمارية مشجعة، وبُعد إفريقي أصيل، وبينما تبحث روسيا عن أدوات جديدة لحضور عالمي لا يقوم فقط على بيع السلاح والغاز، بل على تكنولوجيا المستقبل والسيادة الرقمية، قد يكون المغرب بوابتها إلى قارة تُعيد هيكلة علاقتها بالقوى العالمية.

و في المحصلة، لا يمكن قراءة التصريحات الروسية من الرباط بمعزل عن السياق الجيوسياسي الذي تعيشه القارة الإفريقية، حيث باتت الرقمنة والسيادة التكنولوجية محورًا جديدًا لصراع النفوذ بين القوى الكبرى، وبينما تسعى موسكو إلى كسر الطوق الغربي عبر تموقعها في قلب التحولات الرقمية الإفريقية، يظهر المغرب، بثقله الإقليمي كأحد أكثر البلدان جاهزيةً لاحتضان هذا التوجه.

وبلغة الأرقام، تُظهر التقارير أن حجم المبادلات التجارية بين المغرب وروسيا تجاوز 2 مليار دولار في 2023، وشمل قطاعات متنوعة كالحبوب، الأسمدة، المنتجات الطاقية، والسياحة، ومع دخول البعد الرقمي على خط التعاون، قد نكون أمام نقلة نوعية في العلاقة الثنائية، تُحول الرباط من مجرد شريك تجاري إلى محور تكنولوجي استراتيجي في الرؤية الروسية نحو إفريقيا، وبالتالي، فإن الشراكة مرشحة للتطور، لا فقط لأنها تخدم المصالح الاقتصادية للطرفين، بل لأنها تنسجم مع تحولات دولية أعمق، تُعيد رسم خرائط التأثير والنفوذ من بوابة "البيانات والسيادة الرقمية"، حيث لا مكان للحياد، وكل تموقع هو رسالة، ويبدو أن المغرب وروسيا يستعدان لتحويل التفاهم الدبلوماسي إلى استثمار طويل الأمد في المستقبل الرقمي للقارة.

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...