النخب المحلية وسؤال الجهوية المتقدمة
إن الحديث اليوم عن الجهوية ليس بالمعطى المستجد إن الجهوية المتقدمة هي تحصيل حاصل يعُدُ عقده والنصف، بل إننا اليوم نسعى الى بلوغ مراتب متقدمة في مسعى المقاربة الجهوية للتدبير الاداري والمالي الترابي ولما لا التدبير السياسي، كمرحلة متقدمة من الجهوية الا وهي الجهوية الموسعة، والتي هي شكل من أشكال الاستقلال الذاتي الضامن لهوية الإقليم وسيادته واستقلاليته المالية لكن مع بقاءِ السيادة للدولة الأم، والتي يصبح مجال تدخلها محصورا في القطاعات السيادية مثل الدفاع والأمن والاتصالات.
فكيف يمكن للنخب المحلية ان تساهم من تحقيق هاد المبتغى مبتغى الإقلاع بالتدبير الجهوي الاداري والمالي ، الشيء الذي جعلنا نطرح السؤال حول جودة النخب وأي مكانة للنخب المحلية هاته في تدعيم صيرورة الارتقاء بالديموقراطية الترابية؟
وبعيدا عن التمثلات هاته أصبحت اليوم الثقافة السياسية للمواطن على المستوى الدولي لا تساءل النخب حول توجهاتها أو ايديولوجياتها أو خلفياتها أو مستواها التعليمي أي أنها لا تساءل من يحكم بل تساءل المنتخب كيف سيحكم وكيف سيحُقَقُ الرفاه، لكن الأمر يختلف على صعيد الدول النامية حيت ارتفاع معدل الأمية و غياب حس المواطنة وتخليق الحياة العامة، وغياب للمبادئ و الإحساس بالمسؤولية الشخصية في الدفع بالتنمية وارتفاع في معدلات نهب و اختلاس الأموال العمومية، تبذير الأموال العمومية علاوة على سوء التدبير الإداري والمالي.
هاته المحددات تجعلنا نطرح السؤال هل بالفعل نحن في غنى عن الحديث عن جودة النخب السياسية الوطنية والمحلية ، لاسيما أن الفاعل السياسي أو بتحديد المنتخب يعد قطب الرحى في المسلسل الديموقراطي الترابي، بل إن جوهر العملية السياسية هي اختيار نخب تعبر عن خيار الشعب والمواطن والاهم من ذلك قيادة المجال الترابي بشكل فاعل ومنتج من خلال اختيار نخب قادرة على قيادة المرحلة، إن الجهوية اليوم تساءل النخب أكتر من أي وقت مضى إن المرحلة المقبلة تعتمد على نوعية النخب التي ستقود التنمية والاصلاح السياسي والمؤسساتي والتنموي.
إن المغرب اليوم أمام مفترق الطرق ومرحلة حاسمة بعد ان تجاوز مجموعة من التحديات ، فالمغرب يمكنني أن أصفه بذاك الطائر الذي اكتمال نموه، اكتمل نموه واصلاحه السياسي والمؤسساتي والديمقراطي والحقوقي والدستوري، يستعد لأن يحلق لأول مرة فهو بين حقيقتين إما أن يحلق بعيدا في مسلسل التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والتنموي والاشعاع الدولي، أو سيهوي نحو مستنقع اللا عودة.
إن المغرب اليوم أمام تحديات تفرضها استحقاقات هامة، يمكن أن تجعل المغرب قطب اهتمام جديد على المستوى الدولي، كما يمكنها أن تجعل المغرب يفقد بريقه الذي اكتسبه في السنوات القليلة الماضية إن الاستحقاقات الكروية والاحداث الدولية الهامة والمشاريع الضخمة بما في ذلك المشاريع الاجتماعية ، تساءل بشكل مباشر قدرة وجاهزية و منجزات النخب السياسية في محيطها الترابي.
وبشكل عام فإن بروز مسألة النخب السياسية يفرض نفسه في هاته المرحلة وهو بالأهمية بما كان خلال مرحلة اصفها بالتاريخية لاسيما بعد الانتقال الى السرعة القصوى من الجهوية المتقدمة وملامسة معالم الجهوية الموسعة والحكم الذاتي، إن إشكالية النخب تجد أهميتها في هاته الفترة من السنة في كون اننا على مقربة من الاستحقاقات الانتخابية التي ستكون استثنائية ،استحقاقات انتخابية، تحتم على الناخب والاحزاب السياسية أن تفرز لنا نخب سياسية قادرة على قيادة التحديات والوفاء بتعهدات قطعها المغرب لاسيما المونديال وغيره.
إن هاته الاستحقاقات الديمقراطية القريبة هي استحقاقات ترابية بامتياز فالديموقراطية الترابية بما تشكله من انتخابات جهوية و انتخابات جماعية لا تنفك عن الديمقراطية العامة بل تكملها وتثمنها.
ولايمكن لاحد انكار الأصل الأول لفكرة الديموقراطية التي ولدت في أحضان تجمع بشري صغير أُسمي بالمدينة لتكون معه المدينة الفاضلة (اتينا) في عهد الرومان مهد الديموقراطية، كما جسدت المدينة (بوليوس) في عهد الحضارة اليونانية مهد وتمثل للديموقراطية ببعدها المحلي من خلال مفهوم الدولة المدينة إبان القرن الثامن قبل الميلاد وكانت شكلاً فريداً من أشكال التنظيم السياسي حيت على عكس الحضارات القديمة الأخرى، لم يكن اليونانيون حكومة مركزية.
بدلاً من ذلك، تم تقسيم الدول الي مدن دويلات ، التي كانت كيانات سياسية مستقلة مع حكومتهم وقوانينهم وعاداتهم هذا هو ما تستند عليه التوجهات الحديثة للجهوية.
فالمدن هي المرحلة الأولى التي تتجلى فيها الحياة العامة والجماعية أي حيث تتطور المجالات السياسية والمدنية وتختبر، يتعرف الناس بسهولة على العالم المحلي و أكثر من المجال الوطني، حيث أن المدينة هي المكان الذي تحدث فيه الحياة اليومية والتجارب والتفاعلات مع المحيط.
فتنمية المدينة أو القرية والدواوير هو تنمية للدولة ، ولهذا فإن إن تركيز معالم دولة ديمقراطية حداثية قوامها فصل المجال الترابي عن المركز، لا يمكن أن يكون إلا من خلال الديموقراطية الترابية وتدعيم هاد الفصل بأسس انتخاب ديمقراطي للمواطنين لفرد يسهر على تنزيل أسس ومشاريع تنموية تتماشي ومتطلبات الإقليم والمنطقة ،وهو تجل يُمكن المنطقة من تحقيق تنمية للمواطن والتراب في بعده المحلي دونما اللجوء إلى المركز.
لهذا، يعول على المنتخب في قيادة التحديات التي تفرضها الظرفية وكذا تحقيق التنمية، وهذا يتطلب نخب سياسية ذات كفاءة ومسؤولية وضمير، وهذا ما اكدت عليه الخطب الملكية في مناسبات عدة لاسيما في خطاب عيد العرش لسنة 2000 الذي جاء فيه" وسنشرك شعبي العزيز في مناسبة قريبة بالخطوط العريضة لهذه النقلة الديمقراطية الكبرى التي توخينا منها الإسراع بترسيخ اللامركزية واللا تمركز في اتجاه إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية، تجمع بين ديمقراطية التكوين وعقلانية التقطيع ونجاعة وشفافية وسلامة التدبير، وتتوفر على أوسع درجات الحكم الذاتي الإداري والمالي الذي من شأنه جعلها تنهض بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ليس بالتبعية للدولة، ولكن بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني من قبل نخبة ذات مصداقية وكفاءة ونزاهة يفرزها نظام ومسلسل انتخابي ديمقراطي محاط بجميع الضمانات القانونية الكفيلة بضمان حريته وتعدديته ونجاعته".
إننا اليوم يجب أن نتوفر على إرادة حقيقية تعكس رؤية الدولة و الفاعلين والاحزاب والمنتخبين والمواطنين في الانخراط في تفعيل هذه الرؤى الملكية وهاته المقاربة ، مقارب التأويل الديموقراطي للدستور بالشكل الذي يجعل من الديموقراطية التشاركية وتجديد النخب القديمة بنخب متعلمة وذات كفاءة ومسؤولية عالية ورؤية مستقبلية وضمان مقاربة النوع و دمج الشباب وتفعيل أسس الديموقراطية المواطنة عبر المقترحات والمساهمة في المجالس الترابية والدفع بالتنمية. هي مدخل أساس من مداخل انجاح الورش والمرحلة الحاسمة في تاريخ المغرب، التي تقتضي تركيز معالم واسس ديمقراطية حديثة حقيقة وفعالة قوامها مقاربة جهوية جهوية أي من المجال إلى المجال.
وبالحديث على ضمان تمثيلة النخب النسوية والشباب و تجديد النخب السياسية القديمة، فالمغرب قد قطع أشواط كبيرة في مجال تعزيز النخب و تنويعها حيت جعل المغرب من مشروع الجماعات ذات نظام المقاطعات قاطرة لمقاربة النوع حيت تستأثر الجماعات الترابية ذات نظام المقاطعات بعمودية النساء لاسيما في أهم المدن الكوكبية التي تصنع الثروة (الرباط-الدار البيضاء- مراكش) ففيما يتعلق بتشبيب النخب استأترة مجموعة من الجماعات الترابية على رؤوس الأصابع بنخب شبابية لاكن الجماعات ذات نظام المقاطعات هي الاخرى اضحت تشكل مختبرا لترجمة التوجهات الملكية لاسيما في مجال تجديد النخب وتشبيبها وأضحت عمودية مدينة الداخلة هي الوحيدة التي تستأثر بعمدة شاب.
أمام هاته المحددات لا يمكننا ان أن ننكر أن المغرب يسير على الطريق الصحيح وأضحت التوصيات الملكية ولا حتا مخرجات التقارير الصادرة عن المؤسسات الدستورية أو تقارير المناظرة الوطنية حول الجهوية وغيرها لا تتحدث بعد عن النخب وجودتها إلا قليل لاكن هاذ لا يعني أنه تم تجاوز مرحلة تجديد النخب وأصبحت لدينا نخب كما هو منشود، قادرة على خلق الثروة، قادرة على استيعاب أدوارها ومهامها، قادرة على تحقيق التنمية، قادرة على التسويق لترابها، قادرة على الأقل على تجاوز ولو جزء من التحديات التي يواجهها مجالها الترابي.
إن الإشكالية اليوم ليست في انتخاب نخب نموذجية أو يسوق لها أنها نموذجية بين قوسين تتركز في كبريات المدن، بل إن جوهر الإشكالية هي في النخب التي تفرز في قرى ودواوير بعيدة عن مغرب التنمية، دواوير تشكل المغرب العميق ومدن بعيدة على المدن الكوكبية، لأن هاته المدن الكبرى حتى ولو انتخبنا فيها (فاسد/ جاهل) فهي تضل مدن تنتج الثروة قادرة على تجاوز المعيقات التي يفرضها سوء التدبير، بتدخل الفاعلين التقليديين كالوالي والعامل أو من خلال تصحيح ما يمكن تصحيحه بشكل تلقائي من خلال ما تفرضه الأساليب الليبرالية الاقتصادية.
لكن تلك القرية النائية المتمركزة في الجبال والتي من أبسط متطلبات ساكنتها التطبيب والماء والكهرباء، وتعول في ذلك على منتخب يجهل كيفية كتابة اسمه بالشكل الصحيح، منتخب لا يعرف معنى التدبير بالنتائج، معنى التنمية، معنى الحكامة، وبالأحرى مدلول الجهوية،كيف يمكنه أن يحقق التنمية المجالية، أن يحقق اقل قدر من التشغيل من خلال جلب الاستثمار، منتخب قادر على تحديد احتياجات الساكنة، منتخب قادر على تدبير ميزانية و موارد الجماعة بشكل منتج و فاعل.
إن عجز المنتخب عن تحقيق التنمية في بعدها الترابي، وإخفاقه في تدارك الفجوة المناطقية وغلو اللاعدالة مجالية، يشكل عائق و تحديا يهدد مكنونة واستقرار الدولة، فعدم تحقيق تنمية منطقة يمكنه أن يهدد استقرار الدولة كاملة ويهدد السلم الاجتماعي علاوة على مشاكل اخرى من قبيل الهجرة لاسيما الهجرة القروية نحو المدن قريبة وما تمثله من مشاكل من ارتفاع الجريمة والسكن العشوائي وتكدس السكان و مشاكل في التعمير والسياسة المدينة وغيرها.
إن إيلا الأهمية لجودة النخب المحلية في التراب المنسي هو أكتر أهمية من الأولوية، حتا ولو كان هناك تقدم كما يسوق له، إلا أنه يجب أن نسأل نفسنا بحق هل نحن قد احرزنا بالفعل تقدمنا حقيقي ام اننا أمام نخب لا زالة لم تستوعب بعد مكانتها الحقيقة نخب تخلق اكراهات جديدة لمحيطها عوض ان تصلح فهي تأخذ محيطها لمستنقع من سوء التدبير وهدر المال العام في مشاريع بعيدة كل البعد عن للنجاعة والاثر الاقتصادي والاجتماعي.
يجب أن نطرح السؤال هل بالفعل الديموقراطية بمعناها الحرفية والتي تقتضي وصول الجميع الي الإدارة و التدبير الترابي بغض النظر عن المستوى التعليمي و الدوافع والممارسات الغير سليمة، هي ما نبتغيه حتا ولو كنا نعلم أن هاد المنتخب سيمارس جميع أنواع الفساد الاداري والمالي، هل بالفعل نبتغي منتخب لا يقدر على القراءة والكتابة، كيف تعطينا انفسنا إقتراع هكذا نخب ،كيف يمكن الاطمئنان على مستقبل المنطقة، كيف يمكن الاطمئنان على مستقبل المغرب بعد عقد من الآن.
إننا اليوم علاوة على ربط المسؤولية بالمحاسبة نحن أمام مطلب ربط المسؤولية بالكفاءة، نحن اليوم أمام داعي حقيقي لتهذيب الذوق السياسي للمواطن والحياة السياسية ، المغرب اليوم في حاجة إلى نخب شابة ، نخب متعلمة، نخب قادرة على حسن تسيير المجال، في أفق تحقيق الرفاه والتنمية بجل تجلياتها بما فيه خدمة للوطن والمواطن، وبما فيه خدمة للمستقبل.
رئيس منتدى حقوقي، باحث في العلوم القانونية والسياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط.