النيابة العامة الجزائرية تتهم ثلاثة مرشحين سابقين للرئاسة ضد تبون بـ "الفساد" وتسجن 68 آخرين
لاحقت تُهم الفساد، ثلاث مرشحين سابقين رُفضت ملفاتهم برسم الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في السابع من شتنبر المقبل، وفق ما أعلنته النيابة العامة في الجزائر العاصمة، يوم الاثنين لاشتباهها في تورط المعنيين في "دفع أموال لجمع التوقيعات الضرورية للترشح"، وذلك في وقت تبدو الطريق مُعبّدة لعبد المجيد تبون للظفر بعهدة ثانية وسط استنكار واسع للمعارضة.
وصادقت المحكمة الدستورية في الجزائر، الأربعاء الماضي على ملفات ثلاث مرشحين للانتخابات الرئاسية، وهم يوسف أوشيشي عن حزب جبهة القوى الاشتراكية "يسار"، عبد العالي حساني شريف عن حزب حركة مجتمع السلم "إسلامي"، وأخيرا الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون "حر"، في حين رفضت الطعون الأربعة التي قدمت من مرشحين، الأسبوع الماضي.
وفي وقت، لم يذكر بيان النيابة العامة الجزائرية، أسماء المرشحين الثلاثة المعنيين بتهم الفساد، أفادت وسائل إعلام أن الأمر يتعلق بسيدة الاعمال سعيدة نغزة والوزير الأسبق بلقاسم ساحلي رئيس التحالف الوطني الجمهوري ومرشح غير معروف يدعى عبد الحكيم حمادي.
وجاء في بيان النائب العام "في إطار التحقيق الابتدائي المفتوح المتعلق بوقائع فساد شابت عملية جمع التوقيعات الخاصة بالراغبين في الترشح (...)، وبعد سماع المتهمين من طرف قاضي التحقيق، أصدر أوامر بوضع 68 متهما رهن الحبس المؤقت وثلاثة متهمين تحت نظام الرقابة القضائية وإبقاء ستة متهمين في الإفراج".
واعتبرت النيابة العامة الجزائرية، أن المتهمين ملاحقون بـ"جنح منح مزية غير مستحقة واستغلال النفوذ وتقديم هبات نقدية أو الوعد بتقديمها قصد الحصول أو محاولة الحصول على أصوات الناخبين وبسوء استغلال الوظيفة وتلقي هبات نقدية أو وعود من أجل منح أصوات انتخابية والنصب".
وكان النائب العام لطفي بوجمعة أعلن في مؤتمر صحافي الخميس بدء التحقيق في قضية شراء توقيعات منتخبين من طرف بعض الراغبين في الترشح للرئاسة، مشيرا إلى أن "أكثر من 50 شخصا من المنتخبين اعترفوا بتلقيهم مبالغ مالية تتراوح ما بين 20 و30 ألف دينار (بين 150 وأكثر من 200 دولار) مقابل تزكيتهم لهؤلاء الراغبين في الترشح".
ويتوجب على الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية جمع 600 توقيع على الأقل لمنتخبين في مجالس محلية أو البرلمان في 29 ولاية من أصل 58 ولاية جزائرية، أو ما لا يقل عن 50 ألف توقيع لمواطنين مسجلين على القوائم الانتخابية على أن يكون 1200 منها على الأقل في كل ولاية، وقد حذر النائب العام من أن "شراء الأصوات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم دون متابعة"، وأن "سيف القانون سيكون صارما وحادا ضد كل من يسمح لنفسه بتعكير صفو الانتخابات والمساس بمصداقيتها ونزاهتها".
ويُعتبر عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية الحالي، هو المرشح الأكثر حظا للظفر بعهدة ثانية، مدتها 5 سنوات بحسب نص الدستور، سيّما وأنه يحظى بدعم أحزاب الأغلبية في البرلمان، وهي جبهة التحرير الوطني (الحاكم سابقا)، والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل، وحركة البناء الوطني (إسلامي)، الأمر الذي استنكره مجموعة من المعارضون الجزائريون في رسالة مفتوحة أدانت ما وصفته ب"المناخ الاستبدادي" المحيط بالانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد، داعية إلى انتقال ديمقراطي واسع.
ووفق الرسالة المفتوحة، التي خصطتها 11 شخصية من المعارضة بمن فيهم سياسيون ومحامون وأكاديميون معروفون، فإن انتخابات 7 شتنبر "مجرد عملية تصديق لا جدوى منها، وأن الافتقار إلى الحريات المدنية يجعل إجراء انتخابات نزيهة مستحيلا" مشددة على أن السياسة الأمنية التي تنتهجها الحكومة استعدادا للانتخابات "لا تزال تدهس إرادة الشعب"، معتبرين أن " الجزائر اليوم في وضع أكثر حرجاً من ذي قبل، في ظلّ آفاق قصيرة ومتوسطة المدى أكثر تعقيدا وخطورة".
وجاء في الرسالة ذاتها: "لا للمهازل الانتخابية في ظل الدكتاتورية ونعم للديمقراطية الحقيقية وسيادة الشعب" مؤكدين أن كما أكّدوا فيها على أنّ السياسة الأمنيّة التي تنتهجها الحكومة في التحضير للانتخابات "تواصل الدوس على إرادة الشعب ".
وفي هذا الإطار، توقع محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة الجزائر، أن يحصد نتائج الانتخابات لصالحه بنسبة تزيد عن 60%، مع نسبة مشاركة مشابهة لما كانت عليه سنة 2019، معربا عن عن قلقه إزاء تدهور المستوى السياسي للمرشحين في كل مرة بسبب "فقدان الثقة" في الانتخابات.
وحذّر الخبير السياسي من كون السلطة في الجزائر لا تهتم بضعف نسبة المشاركة، كما لا تعتبرها مشكلة، مما يعكس بحسبه فقدان ثقة المواطنين في العملية السياسية وعدم اهتمامهم بالشأن العام، موردا في مقال نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" أن هذا الفقدان للثقة وصل إلى درجة تجعل الجزائريين يتساءلون عن جدوى تنظيم انتخابات في الجزائر، خاصة وأن الحملة الانتخابية ستجرى في منتصف الصيف.
ولفت هناد، إلى أن المرشحان الآخران يدركان تماما بأن تبون "سيفوز في الجولة الأولى بفارق كبير، مما يجعل ترشحهما مجرد تواطؤ مع النظام الاستبدادي ويساهم في فساد العملية الانتخابية والسياسية في البلاد ".
وكان مجموعة من المعارضين السياسيين للنظام الجزائري، قد ترشحوا للانتخابات الرئاسية قبل أن يعودوا لإعلان انسحابهم ومقاطعتهم لصناديق الاقتراع في مقدّمتهم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي انسحب من المشاركة في السباق الرئاسي بسبب ما وصفه زعيمه عثمان معزوز بـ"سياسة الانغلاق وتقييد حرية التنافس"، وزعيمة حزب العمال لويزة حنون، لتي بررت انسحابها من سباق الترشح للانتخابات الرئاسية بحصولها على " معلومات خطيرة عن استهدافها شخصيا في عرقلة جمع التوقيعات بغرض إقصائها من الترشح، وتلقيها تهديدات وضغوطات" من جهات لم تسميها.
واتهمت حنون، التي سبق أن ترشحت للانتخابات الرئاسية ثلاث مرات سنوات 2004 و2009 و2014 في منافسة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بـ"الفشل التام" في تسيير عملية جمع التواقيع، مؤكدة أن هذه المشاكل "سياسية بامتياز وليست تقنية، جد خطيرة إذا أضفنا لها برمجة الحملة الانتخابية في منتصف شهر غشت المقبل" مع ارتفاع درجات الحرارة.
واعتبرت حنون، وهي شخصية سياسية تنشط في الساحة منذ عهد السرية فترة الحزب الواحد، حيث كانت ضمن التيار التروتسكي الذي تطور لإنشاء حزب العمال بعد تدشين عهد التعددية الحزبية بداية التسعينيات، وظلت حاضرة في واجهة المشهد تتزعم حزبها اليساري منذ نحو 30 سنة، أن هذه المشاكل ستحول "اقتراعا جد هام كان من المفروض ان يحدث قطيعة مع الممارسات البالية إلى مجرد إجراء شكلي، يفاقم التشكيك والنفور الشعبيين اللذين عكستهما نسبة امتناع عن التصويت غير مسبوقة منذ الانتخابات الرئاسية لسنة 2019"، بلغت 39,8 بالمئة.
وسبق لحنون أن اشتكت منذ بدء عملية جمع التوقيعات من وجود عراقيل وضغوطات سياسية، وهو ما عبرت عنه في مراسلتين سبق ووجهتهما إلى السلطة الوطنية للانتخابات، قالت فيهما إنه على "عكس التصريحات والإعلانات التي تؤكّد جاهزية البلديات لاستقبال المواطنين الموقّعين على استمارات الترشح، فقد سجلنا غياب الظروف المادية والتقنية منذ التاسع من حزيران، حيث كان من المفروض أخذ كل التدابير الضرورية قبل الانطلاق الرسمي لعملية جمع التوقيعات.