اليَسارُ المَغرِبيّ.. إلى أين؟!
■ اليَسارُ المَغربي، بصِيغتِهِ الحالية، يُشكّلُ مَشروعَ مُعارَضَةٍ شَفَويّة.. إنهُ مُعارِضٌ قَويّ.. يُبرِزُ العيوبَ التي يُعارضُها.. وهو مُتقِنٌ لِلاّءَات..
اللاّءَات يَستَقِيها من نَبضاتِ الشارع.. ويُعالجُها بطريقتِهِ الخاصّة.. ثم يُبرِزٌ الحُلول..
أفكارُه واضِحة، عَمليّة..
اليسارُ يكشفُ عن مَشاكل، ويُقدّمُ الحُلول..
لكنّ هذه مُصاغةٌ بطريقةِ الثقافةِ المُرتَفِعة.. ثقافةٌ غيرُ مفهُومة.. ولا تصِلُ إلى عامّةِ الناس..
واليسارُ لا يُبلِغُ خطابًا مُبَسّطا في مُتناوَلِ الجميع، سياسيّا واقتِصاديّا واجتماعيّا…
وإلى هذا، تُوجدُ إشكاليةٌ أُخرى: اليسارُ لم يَتخلّص بَعْدُ منَ الإرثِ الرّاديكالِيّ..
ويُعانِي مِن الانشقاق، لأسبابٍ مِنها أزمةٌ داخِليةٌ تَطفُو على السّطح، خاصةً كُلّما اقتربَت الانتِخابات..
عُقدةٌ انتخابيةٌ تُكرّسُ أزمةَ وَحْدةِ الصّفّ، وشبَحَ اللاّفَوْز في الانتِخابات..
في حِين كان اليَساريّونَ القُدامَى يَتصَوّرون أنّ الطبقةَ العامِلةَ كُلَّها ستكُونُ خلفَهُم، مع الشعارِ النقابِي الشّهير: "يا عُمّالَ العالَم، اتّحِدُوا!"..
وهذا أهمُّ الشّعارات السياسية التي كتَبَها "كارل ماركس" و"فريدريك أنجلز" عام 1848م..
وما وقعَ هو العَكس..
■ الدّيمُقراطية ليسَت يَساريّة..
إنها غيرُ مُتحمّسة للفِعلِ الانتِخابي..
والمُواطِنَ البَسيطُ لهُ فهمٌ آخَرُ للانتِخابات..
ولا يَرَى أهمّيةً للتّصويت..
واليَساريُّ نفسُه قلّما يَترشّح.. وقلّما يُصوّت.. ولا يُعطِي الرشوةَ الانتِخابية.. إنه مُواطنٌ نزيه.. طيّب.. جيّد..
والخِطابُ اليَسارِيّ غيرُ مَفهُوم لعامّةِ الناس.. وهذا هو صُلبُ اللاّفَهم.. هُنا يكمُنُ المُشكل…
ومَنْ يُصوّتون أغلبُهم لا يقرأون ولا يكتُبون، ولا يفهمُون في السياسة، وفي التسيِير والتّدبير.. والنتيجة: المَضامِينُ اليَساريةُ غيرُ مفهُومة..
لا تتَجَدّد، ولا تقُومُ بتحدِيثِ نفسِها..
هذه أزمةُ تبسيطِ الخِطاب..
▪︎هي أيضًا أزمةُ زعامات..
كلُّ اليساريّين هُم في ذاتِهِم مَشرُوعُ زَعامات..
ولا تَكفِي الزّعاماتُ وجَودَةُ الأفكارِ اليَساريّة..
الصوتُ الناخِبُ له مَنطِقٌ آخَر..
ويبقَى اليَسارِيُّ حَبِيسَ نَفسِه..
وصَوتُه خافِت، قد لا يَصِلُ إلى الشّارع.. واليَسارِيّ قد لا يُصَوّتُ…
- حتى على رَفِيقِهِ اليَسَارِيّ!
■ والقَواعِدُ اليَساريّة في حَيْرَة..
القَواعِدُ تتَشكّلُ على العُمُومِ مِن شَبابٍ مُثقّفِين، على دِرايةٍ بالقِيّم الفِكريّة والتُّراثية اليَسارية العالَميّة..
وجُلُّ هؤلاءِ مَشاريعُ مُعارِضِين جيّدين.. يُبرِزُون مَواقِع الخلَلِ في السّياساتِ الحُكوميّة.. ويَستَطِيعُون أن يُحدِثُوا هزةً في البرلمان، اعتِبارًا لخطاباتٍ ذاتِ قُوّة مَعنَويةٍ ولُغوِيةٍ وأدبيّة، وذاتِ أساسيّات مَرجِعيّة تنبَنِي على إثباتاتٍ داخِلِيّة، ومِنَ العالَم..
أغلبُهُم مُثقّفُون في الشؤونِ السياسية والاقتِصادية والاجتِماعيةِ والحقُوقيّة..
ويَتّسِمُون بوَطنيةٍ مَغربيّة مُثْلَى..
مُواطِنُون لا يَسرقُون ولا ينهَبُون ولا يخُونون ولا يَخدَعُون..
أُولاَء هُم اليَساريّون الذينَ عَرَفتُ بعضَهُم.. وهُم على دِرايةٍ عَمِيقةٍ بِوَاقعِنا الاجتِماعِيّ..
ولكنّ الطيبُوبةَ والنزاهةَ لا تُوصِلاَن المُرشّحَ إلى مَواقِعِ القَرار، ولَو عبرَ انتخاباتٍ نَزِيهَة.. وهذه إشكاليةٌ مُرتبطةٌ بالمُمارسةِ الانتِخابيّة..
وما دامَت الحَملةُ الانتِخابيةُ غيرَ مَفهُومَة، ولا تَصِلُ مَضامِينُها إلى عامّةِ النّاس، فهذا مُشكِلُ تَواصُل.. عَرقلةٌ تَواصُليةٌ في عمليةِ تبليغِ الخِطابِ اليساري..
■ أيُّ دَورٍ لليَسار؟
سؤالٌ مَطروحٌ مِن نافذةِ بناءِ المَغربِ الجَديد..
اليسارُ المغربيّ في مُحاولةٍ جديدةٍ لتَوحيدِ الصفّ..
إنهُ مُثقَلٌ بانشقاقاتٍ سابقة..
والأحلامٌ تُراوِدُ اليسارَ في مُحاولةٍ جديدةٍ لإحياءِ الوحدةِ اليسارية..
القطيعةُ مع الانشِقاقات، بحثًا عن تاريخٍ جديد..
مُواجهةُ الانقِسامات، من أجلِ يسارٍ آخَرَ مُؤهّل لأن يلعبَ دورَهُ كاملاً على الساحةِ السياسيةِ الوطنية..
اليسارُ يطمحُ لأن يكُونَ قوّةً سياسيةً مُؤثّرة، في أُفُقِ
دَولةِ المُؤسّسات..
الحاجةُ إلى بناءِ يسارٍ نقدّي مُتجدّد، لتَجاوُزِ أعطابٍ سابقة، وبناءِ "مَغربِ الدّيمقراطية والحُرية والكرامةِ والعَدالة الاجتماعية"، حسبَ تَعبيرِ إحدَى البياناتِ اليَسارية..
حُلمٌ يساريّ هادِفٌ لتحقيق "البديل الديمقراطي التّقدمي"..
هذا حُلمٌ في ذاتِه مُراجَعةٌ للذّات، وبحثٌ عن إصلاحِ مُسبّباتِ انزلاقاتٍ يَساريّة سابِقة..
وجميلٌ هو عدَمُ تِكرارِ نفسِ الأخطَاء..
والأَجمَلُ هو بناءُ أحزابٍ ديمُقراطية في هياكِلِها.. وفي وُعودِها الانتِخابية..
وتحويلِ الانتخابات إلى مُمارساتٍ فِعليةٍ من أجل مَصالحِ الوطَنِ والمُواطِن.. - [email protected]
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :