برعاية أمريكية.. السعودية تضع شروطها على الطاولة من أجل التطبيع مع إسرائيل وبدء التفاوض على ما ستجنيه من "أرباح"
يبدو أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية توصّلتا أخيرا إلى اتفاق مبدئي بشأن الشروط التي بموجبها تعترف هذه الأخيرة بإسرائيل وتنضم بذلك إلى سرب الدول العربية المطبعة، وهو ما من شأنه أن يُعيد من جهة أخرى الدفء أيضا إلى العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض بعد فترة من التوترات المتواصلة.
ووفق ما كشفته صحيفة "وول ستريت" جورنال، أمس الأربعاء فإن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية بدأتا في وضع اللمسات الأخيرة، على صفقة الانضمام إلى اتفاقية أبراهام، مشيرة إلى أن موعد الانتهاء من الصفقة المذكورة سيكون في غضون تسعة إلى 12 شهرًا، وفقًا لمسؤولين أمريكيين لم تكشف الصحيفة عن أسمائهم.
ويزعم التقرير المذكور، أن الولايات المتحدة والسعودية تناقشان الشروط الدقيقة للاتفاقية، بما في ذلك إمكانية مساعدة واشنطن الرياض في تطوير برنامج نووي مدني وتقديم "ضمانات أمنية صارمة".
وتسعى السعودية أيضا للحصول على تنازلات للفلسطينيين، حيث قالت مصادر الصحيفة إنها تريد من إسرائيل "تقديم عرض مهم يعزز الجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة"، وفي المقابل، زُعم أن الولايات المتحدة طلبت من السعودية أن تنأى بنفسها عن الصين اقتصاديًا وعسكريًا.
وشهدت العلاقات السعودية الأمريكية توترات متتالية في الأشهر الماضية، أظهرها جليا توجيه واشنطن تحذيرا للرياض من "عواقب" غير محددة على خلفية خلاف حول إمدادات النفط، بيد أن الزيارات التي قام بها مسؤولون أمريكيون إلى السعودية في الآونة الأخيرة، أشارت إلى عودة الدفء للعلاقات بين الرياض وواشنطن، في خضم حديث متزايد عن جهود لتحقيق التطبيع بين إسرائيل والمملكة.
وأوفد الرئيس الأميركي جو بايدن مساعدين كبارا له لعقد لقاءات مع العائلة المالكة السعودية، وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وصل مستشاره للأمن القومي جايك ساليفان إلى مدينة جدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر لحضور محادثات بشأن الحرب في أوكرانيا، وهي ثالث زيارة يقوم بها إلى المملكة في غضون بضعة أشهر.
من جهة ثانية، عقدت جلسات ثنائية بين الجانبين الأميركي والسعودي، لا سيما خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في يونيو الماضي، والتي استمرت ثلاثة أيام، وتطرقت إلى مواضيع عدة بينها الإرهاب والحرب في اليمن، وكان تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية بندا أساسيا على جدول أعمالها.
ويرى المحلل السعودي المقرب من الحكومة علي الشهابي في تصريحه وكالة "أ ف ب"، أن "العلاقات الأميركية السعودية بلا شك تحسنت في الأشهر الأخيرة"، مشيرا إلى أن "الحوار أصبح أكثر شمولا وودا وأن موضوع التطبيع مع إسرائيل كان المحرك لذلك".
وترى وكالة الأنباء الفرنسية، من جانبها أن التوصل إلى اتفاق فعلي بين الطرفين لا يزال أمامه جملة من العقبات خاصة وأن الرياض وفق مصادرها "تفاوض بشراسة لانتزاع مكاسب من الأميركيين بما في ذلك ضمانات أمنية ومساعدة في برنامج نووي مدني قادر على تخصيب اليورانيوم".
ولطالما تعهد المسؤولون السعوديون الالتزام بموقف جامعة الدول العربية منذ عقود، وهو عدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل حل النزاع مع الفلسطينيين. ويقول مدير برامج الأمن القومي في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في الرياض هشام الغنام إنه على الرغم من ذلك، فإن التنسيق بين واشنطن والرياض حاليا "أفضل من أي وقت مضى في العامين الماضيين".
ويؤكد أن العلاقات في الوقت الراهن "أكثر دفئا وقربا، وإن كانت ليست في وضع مثالي، لكنها في أفضل حال منذ أن تولى الرئيس بايدن منصبه." والقضايا التي توتر العلاقات الأميركية السعودية القائمة منذ عقود، معروفة وأبرزها ملف حقوق الإنسان والمخاوف السعودية بشأن مصداقية واشنطن كشريك أمني.
وتزايدت هذه المخاوف بعد الهجمات على منشآت النفط السعودية عام 2019 التي تبناها المتمردون الحوثيون في اليمن واتهمت إيران بالوقوف خلفها، وقد تسببت بخفض إنتاج الخام إلى النصف لفترة موقتة. وشعر آنذاك السعوديون بخبية أمل كبيرة بسبب فتور رد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على هذه الهجمات، ما أدى بالنسبة للرياض إلى تقويض عملية مقايضة النفط في مقابل الأمن مع واشنطن.
ويرى الغنام أن التعاون المتنامي مع موسكو وبكين أظهر أن الرياض لم تعد راضية عن وضع "كل البيض في السلة الأميركية".
ويشير إلى أنه حتى في الوقت الذي يعمل فيه السعوديون على بناء ما وصفه أحد مستشاري الحكومة بـ "محفظة علاقات مع قوى عالمية"، من المهم عدم المبالغة في تقييم أي تراجع لمكانة واشنطن.
وتابع المتحدث "ليس لدى أي قوة عظمى وجود عسكري كبير في المنطقة غير الولايات المتحدة، وستبقى الحال كذلك لسنوات عديدة مقبلة". وأحدث دليل على ذلك هو نشر الولايات المتحدة ثلاثة آلاف جندي أميركي في البحر الأحمر هذا الأسبوع، ضمن الرد على احتجاز إيران ناقلات نفط في المنطقة.
ونقلت الوكالة الفرنسية، عن مسؤول أميركي كبير سابق في السياسة الخارجية جون هانا الذي يزور المملكة منذ ثلاثة عقود، قوله إن كلا من واشنطن والرياض شعرت خلال فترة الخلاف حول إنتاج النفط في أكتوبر الماضي، بالانزعاج من التراشق الكلامي الشديد اللهجة الذي نجم عن الخلاف.
وأكد المتحدث أن التراشق "امتد إلى حد قول مسؤولين سعوديين كبار: حسنا ربما تعيدون تقييم العلاقة وقد تكون لديكم أسئلة حول مستقبل هذه الشراكة، لكن دعونا نقول لكم إننا نفعل ذلك أيضا، ورغم ذلك، لم يتم التفكير يوما بشكل جدي في قطيعة فعلية.
وعلى خط مواز، كان السعوديون يطرحون شروطهم لإبرام اتفاق تطبيع مع إسرائيل من شأنه ضمان تعاون طويل الأمد مع واشنطن. ويقول هانا الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي إن سلسلة الزيارات الأخيرة لمسؤولين أميركيين إلى السعودية و"النقاشات الجدية الرامية إلى الارتقاء بالعلاقات الأمنية إلى مستويات جديدة" تشير إلى وجود "مناخ أفضل بكثير بين كبار صنع القرار".
ولم يمر التقارب الأميركي السعودي الجديد مرور الكرام لدى البعض خصوصا لدى السلطة الفلسطينية التي تأمل في أن تتمسك الرياض بمطلبها إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي لصحافيين في رام الله الأسبوع الماضي، "آمل أن يتمسك السعوديون بهذا الموقف وألا يرضخوا لأي نوع من الضغط أو الترهيب الممارس من جانب إدارة بايدن أو أي قوة أخرى".
وفي مقابلة الأحد مع صحيفة "إيلاف" الإلكترونية السعودية، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إن "القضية الفلسطينية لن تكون عائقا أمام السلام"، غير أن الغنام يؤكد أن الرياض في حاجة إلى أن تعرف ما إذا كان الإسرائيليون "يعملون فعليا على إحراز تقدم ملموس في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي".مضيفا "المسؤولية الآن لا تقع على عاتق السعودية إنما على إسرائيل لإبداء استعدادها لتحقيق السلام مع المملكة".