بسبب "تكلفة" التخلي عن القطاعات الاجتماعية.. هل يتحول المغرب لـ"دولة راعية"؟

 بسبب "تكلفة" التخلي عن القطاعات الاجتماعية.. هل يتحول المغرب لـ"دولة راعية"؟
الصحيفة – حمزة المتيوي
السبت 18 أبريل 2020 - 12:00

يخوض المغرب، منذ أن اقتحم فيروس كورونا حدوده في بداية شهر مارس الماضي، معارك يومية على عدة واجهات من أجل تطويق التبعات الاجتماعية للجائحة ومحاولة تقليص أضرارها على الدولة والمواطنين، وهي كلها معارك كانت صعبة على المستويين المالي والتنظيمي وتكلفتها لا تزال ترتفع مع توالي أيام الأزمة، الشيء الذي دفع الكثير من المتتبعين إلى التساؤل حول ما إذا كان المغرب يدفع الآن ضريبة عدم إعطاء الأولوية للعديد من القطاعات.

ومع بروز الحاجة الملحة إلى المستشفيات وأطقمها البشرية وتجهيزاتها، وعدم قدرة القطاع الخاص على تقديم الكثير من المساعدة في هذه الفترة، وأيضا أمام ظهور "الوجه الانتهازي" للعديد من مؤسسات التعليم الخاص بشكل غير مسبوق ومساهمتها في تعقيد الوضع على الأسر، ثم أمام هشاشة منظومة الضمان الاجتماعي التي لجأت إلى "التبرعات" لتغطية عجزها، أضحى السؤال عن مكمن "الحكمة" وراء خيار الدولة رفع يدها عن القطاعات الاجتماعية في وقت سابق، يفرض نفسه بقوة 

التخلي عن "الصحة"

وفضحت الأزمة هشاشة المنظومة الصحية في المغرب بشكل واضح، فالقطاع الصحي العمومي الذي ظل لسنوات يشتكي من ضعف الميزانية والإهمال المتراكم وقلة الموارد البشرية، والذي ارتبط عبر عقود بملفات الفساد التي يتمكن في الكثير من الأحيان المتورطون فيها من "النجاة بأنفسهم"، برز كفاعل رئيس في المعركة ضد الجائحة العالمية.

واتضح أيضا أن خيار تحويل صحة المواطنين إلى مجال للاستثمارات الخاصة لتغطية خروج الدولة التدريجي، لم يكن "خيارا ذكيا"، بعدما عجزت المصحات الخاصة عن تحمل ضغط الوضع الحالي الذي أحوج الدولةَ لاقتناء الآلاف من أجهزة التنفس الاصطناعي من الخارج بشكل عاجل، وإنشاء مستشفيات ميدانية وتحويل فنادق إلى مرافق استشفائية.

 ويرى محمد جبرون، أستاذ التعليم العالي والباحث في الفكر السياسي، أن الأزمة الصحية التي يمر بها المغرب والعالم ككل، أبانت عن "هشاشة القطاع الصحي العمومي من حيث البنيات والموارد البشرية، بالرغم من تنظيمه الجيد وبنيته الإدارية الفعالة، مبرزا أن هذه مشكلة ظهرت "في كل الدول التي نهجت نوعا من الليبرالية الاقتصادية في العقود الأخيرة". 

لكن جبرون يبدي تفاؤلا بالمستقبل إذ يرى أن الوضع الحالي "سيؤثر على الاختيارات السياسية في مجال الصحة في المستقبل، وذلك إما بتعميم وتعزيز أنظمة التأمين الصحي وتطويرها، أو بتقييد تحرير الخدمات الصحية وتعزيز دور الدولة"، ومتوقعا أن المغرب سيذهب مستقبلا بالاتجاه الأول بحيث "لن نلحظ تحولا كبيرا في تدبير قطاع الصحة العمومي بقدر ما سنشهد تعميم التأمين الصحي ودعمه ماليا، وأيضا إصلاح قطاع الصحة الخصوصي".

التعليم و"مشنقة" الخواص

وبالإضافة إلى القطاع الصحي، اتضح أيضا أن فكرة رفع الدولة يدها شيئا فشيئا عن قطاع التعليم، وفسح المجل أمام الخواص للاستثمار فيه بما حول المدارس إلى إحدى أكثر المشاريع "التجارية" تحقيقا للربح، أدى إلى بروز مقاولات، بل واتحادات لأرباب مؤسسات التعليم الخاص، لا تؤمن إلا بالمال، في الوقت الذي تصدى فيه أطر المدارس العمومية، التي تعاني من نقص مزمن في الإمكانيات والموارد البشرية، لمهمة التدريس عن بعد تفاديا لهدر سنة دراسية كاملة.

ولمن كان يحتاج دليلا على هذا الطرح، فقد تكفلت 3 هيئات تمثل التعليم الخاص بإعطائه، وهي تراسل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لمطالبته بـ"نصيبها" من التعويضات الصادرة عن صندوق تدبير جائحة كورونا، والذي عُبئ أساسا بفضل تبرعات الأشخاص الذاتيين والمعنويين لاقتناء التجهيزات الطبية ودعم الأسر التي أنهكتها حالة الطوارئ الصحية، ثم تكفلت مدارس خاصة أخرى بتقديم دليل آخر، وهي تراسل الآباء والأمهات لمطالبتهم بسداد الواجبات الشهرية على الرغم من توقف الدراسة بفضاءاتها.

 ويرى جبرون، وهو أيضا أستاذ بمركز مهن التربية والتكوين بطنجة، أن السطوة الحالية للقطاع الخاص "لا تعني أن المدرسة العمومية تردت، بل التردي أصاب عقول الناس الذين تعاملوا مع التعليم كسلعة، حيث انخدع الكثير منهم بالدعاية والإشهار، ولم يلتفتوا إلى الجوهر"، مبرزا أن المدرسة العمومية "بالرغم من المشاكل التي تعاني منها فإنها لا زالت رائدة وولادة، ومخرجاتها مشهود لها بالجودة".

وفي المقابل يعتبر المتحدث نفسه أن مسؤولية خوصصة التعليم يتحملها المواطن أكثر من الدولة، إذ بحسبه "الطبيعة الاقتصادية للتعليم الخصوصي واضحة وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل، فالقطاع بالدرجة الأولى قطاع استثماري يهمه الربح بشكل كبير، أما الذي خوصَصَ التعليم فليست الدولة ولو أنها رخصت أو شجعت على ذلك لسبب من الأسباب، ولكن الذي خوصصه فعلا هو المواطن الذي ذهب بإرادته نحو هذا النوع من التعليم يطلبُ خدماته".

مأزق الضمان الاجتماعي

ودفعت أزمة كورونا الكثير من المتابعين لقضايا التغطية الاجتماعية بالمغرب إلى النظر في طبيعة عمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وذلك بعدما اتضح أن هذا الأخير لن يكون بمقدوره تغطية تعويضات المنخرطين الذين فقدوا عملهم بشكل مؤقت خلال هذه الظرفية، ما استدعى تحديد مهمة هذا الصندوق في إحصائهم فقط، فيما تولى صندوق مواجهة الجائحة تعويضهم.

وكانت طريقة عمل صندوق الضمان الاجتماعي على الدوام محط نقاش حول جدواها، وهو النقاش الذي عاد بقوة في زمن الجائحة، مع توالي الأسئلة حول جدوى المنظومة التقليدية التي تدور في فلك جمع المساهمات والاقتطاعات وإعادة توزيعها على المنخرطين بصيغ مختلفة، عوض التفكير في مضاعفة تلك المساهمات عن طريق إعادة تدوير الرساميل في استثمارات منخفضة الخطورة مثلا.

ورغم أنه لا يستبعد أن تكون طريقة تدبير هذا الصندوق عاملا إضافيا في تأزيم الوضع، في ظل عدم اعتمادها على طرق مبتكرة لمضاعفة تمويلها، إلا أن جبرون يرى أن هذا الأمر "مفهوم وطبيعي في دولة كالمغرب تمر بمرحلة سياسية انتقالية، عنوانها العريض البحث عن نموذج تنموي في ظل انتقال اقتصادي صعب وعسير".

وتابع الباحث الأكاديمي أن صناديق الضمان الاجتماعي تعاني من مشاكل عويصة، جانب مهم منها مرتبط بإشكالية الموارد والمساهمات والتي تحيل إلى الفساد والاختلال الذي يعاني منه الاقتصاد وقطاع الشغل، بالإضافة إلى مشاكل التدبير والاستثمار، "وبالتالي لا يمكن في فترة كهاته أن تُعالج الأزمة بمثل هذا الصندوق في أحسن الأحوال، أما في حالة جائحة كورونا فالأمر صعب وصعب جدا، ولهذا كان إجراء إحداث صندوق خاص بهذه الأزمة أمرا مطلوبا وضروريا".

هل نحتاج لـ"الدولة الراعية"؟

ورغم أن طريقة تدبير الدولة لأزمة الجائحة تبقى مقبولة في تقييم جل من تابعوها عن قرب، إلا أن ما يمكن لمسه في تفاعل المعلقين مع هذا الأمر هو وجود "إجماع" على ضرورة استخلاص الدروس في المستقبل ومراجعة العديد من الخيارات المتعلقة بالقطاعات الاجتماعية وتنازل الدولة عن العديد من مهامها التقليدية لصالح الخواص.

وتشير بعض القراءات إلى أن الوقت حان لتصبح الأولوية في المغرب للقطاعات الاجتماعية اللصيقة بالقضايا اليومية للمواطنين، عبر انتهاج نظام "الدولة الراعية"، المعتمد في العديد من دول العالم، بما يضمن أمنا مجتمعيا وحدًا أدنى معقولا من الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي، مع مراعاة الفوارق في الإمكانيات بين المملكة وبين دول أوروبا الغربية مثلا.

ويعتبر محمد جبرون أن نموذج "الدولة الراعية" مطلوب، غير أن "المشكلة في شروطه والانتقال نحوه"، مبرزا أننا نحتاج إلى وقت وعمل جاد، وإلى ابتكار حقيقي للثروة، وإلى نمو اقتصادي كبير ومهم، فلا يمكن في وضع بلد كالمغرب يعول في ميزانيته العامة على مداخل ضريبية يأتي جانب كبير منها من الوظيفة العمومية، أن ينتقل إلى دولة اجتماعية حقيقة، ليخلص إلى أن "الحاجة ماسة الآن إلى إصلاح ضريبي حقيقي، وإلى نمو اقتصادي مهم أولا قبل أي حديث عن دولة الرعاية الاجتماعية".

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...