تحقيق.. بَعد أن أصبح أخنوش مالكا لجزء من أسهمها.. تخفيض مَلايير من الضرائب على "ساوند إنرجي" البريطانية
في الوقت الذي بدأ المغرب يبحث عن موردين جدد للغاز بعد تلويح الجزائر بعدم تجديد أنبوب "المغرب العربي – أوروبا" العابر من المملكة المغربية نحو إسبانيا ثم إلى البرتغال، خرج الرئيس التنفيذي لشركة "ساوند إنرجي" البريطانية، غراهام ليون، ليعلن أن شركته مستعدة للمضي قدمًا في أعمال تطوير حقل غاز "تندرارة" شرقي الممملكة، فور حل النزاع الضريبي مع إدارة الضرائب المغربية التي لها على الشركة البريطانية ملايين الدولارات يَجب دفعها.
تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة "ساوند إنرجي"، تأتي في الوقت الذي دخلت فيه الشركة في "شد وجذب" مع وزارة المالية المغربية بخصوص تراكم الضرائب المستحقة لخزينة الدولة المغربية على الشركة البريطانية التي تملك رخص التنقيب عن الغاز الطبيعي والبترول في العديد من مناطق المملكة.
وعمدت الشركة البريطانية منذ ما يزيد عن السنتين إلى "لعب ورقة الضرائب" من أجل التهديد بمغادرة السوق المغربية، وتوقيف استثماراته في المملكة إن لم تقم وزارة المالية بإعادة النظر في الضرائب التي تراكمت على الشركة طيلة سنوات.
ولم تمل الشركة من "التهديد" بتوقيف استثماراتها في المغرب إن لم تتم مراجعة الضرائب المفروضة عليها، وهو ما عاد ليؤكده الرئيس التنفيذي لشركة "ساوند إنرجي" البريطانية في تصريح لمنصة S&P Global Platts حينما أشار إلى أن الشركة مستعدة للقيام بالمزيد من أعمال التطوير في حقل تندرارة، بما في ذلك توقيع صفقة مبيعات رئيسة مع المكتب الوطني المغربي للكهرباء والماء.
وليضفي الكثير من الحماس على تصريحاته أكد المدير التنفيذي لـ"ساوند إنرجي" أن الشركة البريطانية مستعدة للقيام بالمزيد من أعمال التطوير في حقل تندرارة، بما في ذلك توقيع صفقة مبيعات رئيسة مع المكتب الوطني المغربي للكهرباء والماء، غير أن المطالبة الضريبية غير المتوقعة ضد الشركة - التي أُعلنت لأول مرة في سبتمبر 2020- أدت إلى إبقاء "ساوند إنرجي" على خطط التطوير الأكبر قيد المراجعة، مع المضي قدمًا في المشروع الصغير للغاز الطبيعي المسال.
فما هي قصة تهديدات الرئيس التنفيذي لـ"ساوند إنرجي" بانسحاب شركته من التنقيب عن النفط والغاز في المغرب؟
غاز "تندرارة" يُغري عزيز أخنوش
مع دخول الشركة في منازعات ضريبية مع وزارة المالية، المغربية، هددت "ساوند إنرجي" في العديد من المرات عبر إصدار بلاغات إعلامية ببيع أصولها في المغرب ومغادرة المملكة بسبب وجود "اكتشافات مخيبة للأمال" أثناء حفرها للعديد من الآبار لاكتشاف الغاز، والتي "لم تكن مرضية"، حسب بلاغات الشركة.
هذا "التهديد" جاء منتصف سنة 2019 حيث بدأت الشركة تتنصل من التزاماتها الضريبية اتجاه الدولة المغربية، قبل أن تعود مع بداية سنة 2020 وتحديدا شهر فبراير، لتؤكد عن تعليق بيع أصولها بسبب ما وصفته في بلاغ رسمي بــ"عدم وجود ضمانات مالية كافية لاتمام الصفقة مع الشركات التي تقدمت للاستحواذ على ساندي إنرجي".
بعدها بـ 15 شهرا، وتحديدا في شهر ماي من السنة الجارية (2021) رُتِب اجتماع بين المدير التنفيذي لشركة "ساوند إنرجي" البريطانية غراهام ليون مع وزير المالية المغربية، محمد بنشعبون الذي ينتمي لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، والذي كان مرفوقا بمدير مديرية الضرائب، ومديرة المكتب الوطني للهيدروكاربوهات والمعادن، أمينة بنخضرا التي تنتمي أيضا لنفس الحزب، أي "التجمع الوطني للأحرار" من أجل إيجاد "حل مرضي" لضرائب الشركة البريطانية التي بدأت تُهَدِدُ بالخروج من سوق التنقيب عن الغاز والنفط في المغرب.
بعد ذلك بشهرين، وتحديدا بتاريخ 29 يوليوز من نفس السنة (2021) عُقد اتفاق بين عزيز أخنوش (وزير الفلاحة والصيد البحري حينها) ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عبر شركته Afriquia Gaz، وبين Sound Energy لشراء أصول في الشركة البريطانية بقيمة 2.8 مليون دولار، مع بيع الغاز الطبيعي المسال المستخرج من مشروع تندرارة بإقليم فكيك لشركة Afriquia Gaz التابعة لمجموعة "أكوا" التي يملكها عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية الحالي.
وهكذا، أصبح عزيز أخنوش مساهما في الشركة البريطانية التي تملك "غاز تندرارة". بعد ذلك، وفي أقل من عشرة أيام، وتحديدا بتاريخ 8 غشت من السنة الجارية (2021)، نشر موقع Morningstar البريطاني معطيات عن أن إدارة الضرائب المغربية التابعة لوزارة المالية التي كان يرأسها محمد بنشعبون، قد تخلت عن المطالبات الضريبية المتعلقة بالاستحواذ على الأصول غير الملموسة بين عامي 2016 و2018 الخاصة بشركة Sound Energy البريطانية، بَعد عدة جلسات جرت مع لجنة من إدارة الضرائب شُكِلت لِهذا الغرض.
بعد هذا الخبر "السار" للشركة البريطانية بإسقاط جزء كبير من ضرائبها المستحقة للدولة المغربية، تم تداول أسهم Sound Energy في بورصة لندن على ارتفاع 11 ٪ وهو ما جعل كل حامل للأسهم في الشركة (بما فيهم عزيز أخنوش) يَربح 1.84 بنس عن كل سهم يَملكه، بعد أن سبق واستثمر 2.8 مليون دولار لشراء أصول في الشركة البريطانية.
ومع ذلك، بقيت Sound Energy تطالب بتخلي الدولة المغربية عن مزيد من الضرائب المستحقة على الشركة البريطانية، مؤكدة أن "إدارة الضرائب المغربية فسّرت بعض المستحقات عليها بشكل خاطئ".
شركة Sound Energy البريطانية تواصل الضغط
بعد تهديد الجزائر بإنهاء العمل بخط أنبوب الغاز "المغرب العربي - أوروبا"، وجد المدير التنفيذي للشركة البريطانية ظالته في ممارسة مزيد من الضغط على السلطات المغربية. وهكذا، عاد غراهام ليون، الأسبوع الماضي، ليواصل مطالبه بمزيد من المراجعات الضريبية على شركته من أجل ضخ مزيد من الاستثمارات للتنقيب على الغاز والنفط في العديد من مناطق المملكة التي تملك الشركة ترخيصا فيها.
ولهذا، عاد المدير التنفيذي للشركة البريطانية ليُطالب بمزيد من المراجعات الضريبية على شركته بعد أن أصبح رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، مُسَاهمًا في الشركة، حيث أكد غراهام ليون في تصريح لمنصة S&P Global Platts بأنّ الشركة ستنظر عن كثب في المضي قدمًا في قرار استثماري نهائي بشأن مشروع التنمية الأكبر "في حين أن الخلاف الضريبي يُثقل كاهلنا.. وهذه هي الطريقة التي سنتعامل بها".
والملفت للانتباه أن الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية، نفسه، أكد بصرح العبارة أن أمينة بنخضرا التي تنتمي لحزب رئيس الحكومة "التجمع الوطني للأحرار" وترأس (ONHYM) دَعّمَت مطالب الشركة البريطانية بتخفيض ضرائبها المستحقة علي الدولة المغربية. حيث أكد أن بنخضرا تسانده في مراجعة الضرائب على شركته والتي تعد بملايين الدولارت، وشدّد في ذات التصريح لمنصة S&P Global Platts أنّ "المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن كان داعمًا للغاية لنا".
ومضى الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية في التعبير عن أمله في حل "قضية الضرائب" سريعًا، و"حذّر" من أن "يَطول إيجاد الحل"؛ ما يعني أن Sound Energy لن تكون في وضع يمكنها من إحراز تقدم كبير في تطوير حقل "تندرارة". وشدد ليون على أنه "مهتم" بتوقيع اتفاقية بيع الغاز النهائية مع المكتب الوطني للكهرباء والماء على أي حال، إلا أن الخلاف الضريبي لا يزال يمثل عقبة أمام تطوير حقل "تندرارة" بالكامل.
ولإضفاء الكثير من "الإغراء" أكد ليون أن هناك أيضًا فرصًا مهمة للاستكشاف والإنتاج في قطاع الغاز يُمكن استغلالها في شرق المغرب. وقال في هذا السياق: "لدينا الكثير من إمكانات الاستكشاف، ربما 30 موقعًا مختلفًا يمكننا التفكير في الحَفر فيه". وأضاف: إذا نجحنا في 10% فقط، فسنكون قادرين على تلبية الطلب المحلي على الغاز في المغرب.. بمجرد أن نلبي الاحتياجات المحلية للمغرب، يمكننا البيع إلى أوروبا".
مضيفا أنه يُمكن أيضًا استخدام اكتشافات الغاز الجديدة في المغرب لتزويد إسبانيا عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا، الذي كان يمتلئ تاريخيًا بالغاز الجزائري.
هل هناك تضارب للمصالح في خفض ضرائب الشركة البريطانية بعد أن أصبح أخنوش مساهما فيها؟
بعد سرد كل هذه السيناريوهات، تطرح العديد من الأسئلة التي تخص وجود تضارب للمصالح بين أن تم خفض ضرائب الشركة البريطانية، ومراجعة جزء كبير منها، خصوصا وأن أحد المساهمين في Sound Energy هو رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار الذي في الآن نفسه، هو رئيس الحكومة المغربية، كما أن من أشرف على المفاوضات مع شركة "ساندي إنرجي" البريطانية كلهم ينتمون لنفس حزب رئيس الحكومة (RNI)، بل هناك تصريحات للمدير التنفيذي لشركة "ساندي إنرجي" في صحف دولية توكد أن أمينة بنخضرا، مديرة المكتب الوطني للهيدروكاربوهات والمعادن، دعّمت خفض الضرائب على الشركة البريطانية، هذا في الوقت الذي قاد اجتماعات التفاوض محمد بنشعبون وزير المالية السابق الذي ينتمي لحزب أخنوش وتتبع له مديرية الضرائب، وبالتالي تحصلت على الشركة البريطانية على مراجعة ضريبة خسرت من خلالها خزينة الدولة المغربية ملايير السنتيمات المُستحقة.
في ظل كل هذه الأسئلة، اتصل مَوقع "الصحيفة" بكل من رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي استثمر 2.8 مليون دولار لشراء أسهم في الشركة البريطانية لمعرفة رأيه في الموضوع، حيث كان هاتفه الشخصي يرن دون مُجيب، وعليه تواصلنا مع مستشاريه الذين وعدوا بإعاد الاتصال بالموقع، لكن لن نتلق أي رد منهم إلى حين نشر هذا التحقيق. كما تواصلنا أيضا مع سعيد البغدادي، المدير العام لشركة "أفريقيا"، لكنه فضل عدم الرد على استفساراتنا حول الصفقة التي أبرمت مع "Sound Energy".
تواصلنا أيضا مع أمينة بنخضرا، مديرة مديرة المكتب الوطني للهيدروكاربوهات والمعادن، لسماع رأيها في دفاعها "المستميت" عن خفض ضرائب الشركة البريطانية، لكنه هاتفها كان يرن دون إجابة، وهو نفس الأمر الذي حصل مع إدارة الضرائب، لتبقى العديد من التساؤلات مشروعة حول ما هي مبررات خفض ضرائب مستحقة للدولة على شركة "Sound Energy" البريطانية؟ وهل هناك تضارب للمصالح لوجود أطراف سياسية فاوضت، وقررت تخلي الدولة عن ملايير السنتيمات لفائدة شركة يملك رئيس الحكومة أسهما فيها؟
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :