بعد أن فضحه مجلس الحسابات.. أخنوش يُطلق موقعا دعائيا لتسويق "فشله" في مُخطط المغرب الأخضر
يصر عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، على أن مخطط "المغرب الأخضر" الذي أشرف عليه منذ بدايته في 2008 محتكِرا سلطات واسعة في تدبير المجال الفلاحي، كان "ناجحا" ويستحق الإشادة، لذلك أعلنت وزارته الأسبوع الماضي عن إطلاق موقع إلكتروني يرصد "عشر سنوات من إنجازات المخطط"، وهو الأمر الذي يتنافى مع ما ورد في تقارير رسمية أكدت أن هذه التجربة كانت مليئة بالعثرات والفشل.
وحسب الإعلان الوزاري فإن الموقع الذي سيحمل اسم "آش دارت الفلاحة" سيكون مخصصا لرصد عشر سنوات من إنجازات الاستراتيجية الفلاحية "مخطط المغرب الأخضر"، من خلال إحصاءات ورسوم بيانية وفيديوهات ومضامين إعلامية، كما سيتضمن "شهادات من فلاحات وفلاحين حول تجاربهم الخاصة، بالإضافة إلى قصص نجاح في القطاع الفلاحي عبر جهات مختلفة من المملكة".
فشل فضحه قضاة جطو
ويأتي إنشاء هذا الموقع بعد عام ونيف على صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي حمل العديد من الملاحظات السلبية بخصوص نتائج المخطط إلى حدود سنة 2018، وعلى رأسها افتقاره لتصور خاص بتدبير المخاطر، إذ تعتمد وزارة أخنوش على الدوريات والمذكرات لتفعيل مجموعة من الإجراءات بعد تكرار الإشكالات التي كان من الممكن تفاديها عن طريق اعتماد سياسة استباقية.
وتطرق تقرير المجلس الذي يرأسه إدريس جطو أيضا إلى تعثر مشاريع وحدات تثمين المنتجات الفلاحية، وردا أن الاطلاع على المعطيات الخاصة ببعض المشاريع الفلاحية التضامنية في جهتي فاس مكناس ومراكش آسفي تؤكد أنها "بعيدة عن الهدف الذي من أجله رصدت لها الاعتمادات المالية" والمتمثل أساسا في تحسين مدخول الفلاحين، مشيرا إلى أن أغلب المشاريع المستفيدة تعاني من إشكالات تدبيرية ومالية وتقنية.
الري.. نقط ضعف كبيرة
وكان برنامج الري إحدى أكبر نقاط ضعف استراتيجية أخنوش، إذ شدد المجلس الأعلى للحسابات على ضرورة إعادة النظر في عملية إعداد برامج توسيع الري من خلال وضع أهداف قابلة للتحقيق بمراعاة الوسائل المتاحة وذلك في إطار متعدد السنوات معتمد من طرف الحكومة، داعيا إلى تحديد الأولويات بين المشاريع المبرمجة من أجل إعطاء الأسبقية لأكثرها قابلية للإنجاز على المستوى التقني والمالي والأفضل تحقيقا لمنافع اجتماعية واقتصادية.
وأوصى تقرير المجلس بتأمين تمويل مستدام لعدة سنوات لبرامج توسيع الري من أجل تقليص الفجوة بين المياه المعبأة في السدود ومشاريع التهيئة الهيدرو فلاحية، مبرزا أن هذا القطاع يتعين عليه العمل على ضمان التشغيل الكامل للمدارات السقوية المجهزة، لا سيما بالتقليص من التأخير في تزويد المدارات المجهزة بالماء.
وأكد التقرير على ضرورة تقديم حلول عملية للقضايا الهيكلية التي تؤثر سلبا على مشاريع توسيع الري بما في ذلك ضم الأراضي وضعف تسعير خدمة المياه واستخلاص إتاوات مياه السقي، منبها إلى أهمية العمل على إدراج عنصر إدارة المخاطر في الدراسات من أجل استباق المشاكل التي قد تعرقل إنجاز المشاريع، ومعالجة أوجه القصور في توجيه وتتبع وإدارة المشاريع، وإعداد برنامج لتقوية قدرات الموارد البشرية في مجال إدارة المشاريع.
الزيتون.. سمعة الفلاحة في خطر
وحتى فيما يتعلق بإنتاج الزيتون، المادة التي تمثل إحدى ركائز سمعة المغرب الفلاحية، لاحظ تقرير قضاة جطو أن متوسط المردودية الإنتاجية في ظل الاستراتيجية الفلاحية إلى حدود سنة 2018 لا يزيد على 1.4 طن للهكتار الواحد، موردا أنه إنجاز لا يرقى إلى الهدف المسطر في طنين للهكتار في أفق 2020.
أما فيما يخص محددات الانتاجية في مجال زراعة الزيتون، فسجل التقرير ضعف النسيج الإنتاجي بسبب صغر مساحات ضيعات الزيتون، بحيث يشكل صغار الفالحين الذين يملكون مساحات تقل عن خمسة هكتارات ما يقرب 93 في المائة من مزارعي الزيتون بالمغرب، كما سجل قلة تنوع الأصناف المزروعة، بحيث لازال صنف "البيشولين" المغربي مهيمنا على مزارع الزيتون، إذ يشكل 90 في المائة من مجمل مزارع الزيتون على الصعيد الوطني.
ولاحظ المجلس الأعلى للحسابات ضعف نسب إنجاز مشاريع التجميع، حيث لم يتم إنجاز سوى ثلاثة مشاريع فقط تخص التجميع الإنتاجي، ولم يتم إنجاز إلا 20 مشروعا للتجميع التضامني، وهي مشاريع أنجزت في إطار مبادرة حساب تحدي الألفية، وهو ما يمثل تباعا 1.76 في المائة و6 في المائة من مجموع المشاريع المتوقعة، والبالغ عددها على التوالي 170 مشروعا إنتاجيا و340 مشروعا تضامنيا.
"تقريع" من مندوبية التخطيط
ولم يكن المجلس الأعلى للحسابات المؤسسة الرسمية الوحيدة التي عرت مساحات الفشل في برنامج المغرب الأخضر، ففي دجنبر من العام الماضي أصدرت المندوبية السامية للتخطيط تقريرا بعنوان "أية آفاق للتبعية الغذائية للمغرب بحلول عام 2025؟" الذي اعتبر أن أداء القطاع الفلاحي لا يرقى للأهداف المسطرة في المخطط المذكور، وخاصة تحقيق 100 مليار درهم كثروة إضافية للقطاع خلال السنة الجارية.
وخلال الفترة ما بين 2013 و2018 قدرت المندوبية التي يوجد على رأسها أحمد الحلمي النقص المسجل في القيمة المضافة الفلاحية بـ31.7 مليارات درهم، كما أن مساهمة الفلاحة في سوق الشغل شهدت تراجعا خلال الفترة الممتدة ما بين 2008 و2018، وهي الفترة التي تزامنت مع تولي أخنوش حقيبة الفلاحة، حيث انتقلت من 40,9 بالمائة إلى 34 بالمائة، ووفق التقرير فإن دينامية الإنتاج المرتبطة بمخطط المغرب الأخضر كانت تفترض أن يصاحبها خلق 125 ألف منصب سنويا في المتوسط.