بعد انخراطها في المبادرة الملكية لدول الساحل.. النيجر، مالي وبوركينافاسو تلتئم في اتحاد كونفدرالي يُشكل تحالفا اقتصاديا وسياسيا إقليميا
بعدما أعلنت انخراطها رسميا، في مبادرة الملك محمد السادس الدولية، لضمان وصول دول منطقة الساحل إلى المحيط الأطلسي، قررت سلطات النيجر ومالي وبوركينا فاسو الالتئام في اتحاد كونفدرالي لدول الساحل الإفريقي، من المرتقب أن يكون المخاطب الجديد للمملكة بمعية موريتانيا وتشاد.
وفي يناير الماضي، أعلنت النيجر، مالي وبوريكينافاسو انسحابها بشكل مفاجئ من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهو قرار حثتهم المجموعة على إعادة النظر فيه محذرة من المصاعب الإضافية التي ستحدث نتيجة لهذا الانسحاب، بيد أنها أبقت مصرة على قرارها قبل أن تُعلن عن تحالف كونفدرالي جديد في منطقة الساحل.
وأصدرت بوركينا فاسو ومالي والنيجر بلاغا مشتركا من العاصمة انيامي، تعلن فيه عن إنشاء اتحاد تحالف دول الساحل الذي سيتم الإمضاء عليه في القمة المقبلة لرؤساء الدول الثلاثة، مشيرة إلى أن معاهدة اتحاد تحالف دول الساحل أصبح جاهزا ينتظر توقيع الرؤساء، ولن يتم الكشف عن محتواه قبل "تقديمه إلى رؤساء الدول لاعتماده في القمة المقبلة والتي لم يتم تحديد تاريخها".
ولم تكشف الدول الثلاثة عن تفاصيل إنشاء هذا الاتحاد أو مدى تقارب التنسيق المزمع بينها في المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية في مكافحتها لوقف معركة مستمرة منذ عقد مع متمردين متشددين أدى لزعزعة استقرار المنطقة ككل، بيد أنها أكدت التزامها المضي في عملية تنفيذ تحالف دول الساحل وإنشاء اتحاد بين الدول الثلاث، وقوة مشتركة لدول الساحل.
ومن شأن هذا التحالف الجديد، أن يعبّد الطريق أمام تنزيل أسرع للمبادرة المغربية الاستراتيجية تجاه دول الساحل الرامية لتحقيق التقارب السياسي والاقتصادي المشترك، التي أعلن عنها الملك محمد السادس شهر دجنبر الماضي، سيما بعدما أبدت دول هذا التحالف استعدادها التام لمُباشرة التنزيل الفعلي للمقترح على هامش قمة منظمة التعاون الاسلامي ببناجول، والتي كانت مناسبة لعقد اجتماعات ثنائية بهذا الخصوص وإبداء ارتياح مهم سيتوج باجتماع رفيع المستوى تحتضنه المملكة في الأسابيع المقبلة.
وتسعى الدول الثلاثة إلى جانب التشاد، لمجابهة التحديات المرتبطة بغياب الاستقرار وضعف البنى التحتية، وتحقيق طموح تمكينها من الدخول مباشرة إلى المحيط الأطلسي لتسويق منتجاتها، وتحقيق تنمية شاملة لمواطنيها، بعدما أعربت صريحا عن اهتمامها بشكل كبير بالمبادرة التي تتماشى مع التوجه المغربي الذي يبحث تمكين هذه الدول من التحكم في ثرواتها ومستقبلها.
وكانت بوركينافاسو، قد أعلنت من جانبها عن قرب موعد انتقال مجموعة دول الساحل وموريتانيا، إلى مرحلة التطبيق العملي للمبادرة الاستراتيجية الأطلسية مشيرة على لسان وزير خارجيتها، كاراموكو جان ماري تراوري، إلى أن خبراء البلاد جاهزون تماما لمرحلة التفعيل، حيث جرى تداول هذا الموضوع مع نظيره المغربي ناصر بوريطة في 4 ماي الجاري ببانجول على هامش قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، وأخبره باستعداد بلاده التام للمشاركة في المبادرة وإطلاقها في أقرب الآجال.
وأكد المسؤول الدبلوماسي البوركينابي، أنه اتفق مع شركاء بلاده من دول الساحل ونظيره المغربي ناصر بوريطة على عقد اجتماع لتحديد معالم المبادرة في أقرب وقت موردا أن بلده غير الساحلي رحب منذ البداية بالمبادرة الملكية التي تمنح دول الساحل فرصة الولوج إلى المحيط الأطلسي، وأن العمل على مختلف الأصعدة متواصل لتفعيل هذه المبادرة التي سيتم الكشف عن ملامحها التقنية قريبا، حتى يتبين للجميع أنها لا تتوقف على الولوج المادي إلى المحيط الأطلسي فقط، بل إنها وأكثر من ذلك بكثير ستنقل اقتصادات دول المنطقة من المحلية إلى العالمية."
ودافع المسؤول الحكومي البوركينابي بشدة عن المبادرة الملكية المغربية معتبرا أنها "تنسجم بشكل مثالي مع سياسات التكامل المطبقة على مستوى غرب إفريقيا، خصوصا مع إطار تحالف دول الساحل الذي يجمع مالي وبوركينا فاسو والنيجر".
واتفق وزراء دول الساحل الإفريقي، في 23 يناير الماضي بمراكش على ضرورة إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل المبادرة، كما أكدوا على الأهمية الاستراتيجية التي تكتسبها هذه المبادرة، والتي "توفر فرصا كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها، بما ستسهم فيه من تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن رخاء مشترك في منطقة الساحل".
ويعتزم المغرب من خلال هذه المبادرة، اعتماد خريطة طريق لاستفادة دول الساحل من المحيط الأطلسي رغم الصعوبات الجيوسياسية وواقع اللا استقرار الأمني الذي تواجهه هذه الدول، لكن الرباط تراهن على الجانب الاقتصادي من أجل إعادة الروح للتكتل الذي يضم كلا من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا.
وتعد المبادرة، بحسب مراقبين، حلقة وصل مع المشاريع التنموية الأخرى في المنطقة خصوصا مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي الهادف لنقل الغاز من دول غرب أفريقيا إلى أوروبا، وهو ما أكده الملك محمد السادس في خطابه الموجه إلى القمة الـ 15 لمنظمة التعاون الإسلامي، التي انعقدت يومي 4 و5 ماي الجاري بالعاصمة الغامبية بانجول، مذكرا الزعماء الحاضرين بالمبادرة المغربية بوصفها مسار لشراكة إفريقية هدفها الأسمى تعزيز روابط التعاون والاندماج بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي.
وشدّد عاهل البلاد، على أن المبادرة التي باركها أعضاء القمة، تهدف توطيد السلام والاستقرار والازدهار المشترك في المنطقة، تزامنا مع مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، الذي "ينهل من الروح التضامنية نفسها، باعتباره مشروعا للاندماج الجهوي والإقلاع الاقتصادي المشترك، ولتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي".
وفي وقت بارك المنتظم الدولي والاقليمي المبادرة الملكية بما فيها منظمة التعاون الإسلامي التي تُعد الجزائر واحدة من أعضائها، خرجت الجبهة الانفصالية "البوليساريو" لتتبنى أسلوب التحريض والوعيد، وهي تعتبر أن هذه المبادرة "ما هي إلا محاولة استفزاز جديدة، ومحاولة لإغراء دول الساحل بمبادرات وهمية لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع"، موردة أن "منطقة الأطلسي منطقة تشهد حربا"، وأنه لا يمكن استغلالها إلى بانفصال المنطقة عن المغرب.
واعتبرت الجبهة على لسان ممثلها الإعلامي في الجزائر العاصمة، محمد الأمين، أن "ما يقوم به المغرب في الساحل هو نوع من المناورات لإيهام بعض الدول الإفريقية، وخلق المزيد من عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة"، زاعما أن الرباط تستهدف من خلالها "التأثير على نجاحات المقاربة الجزائرية في الساحل"، وهو ما دفعه إلى التلويح من جديد بالحرب.