بوشيبة لـ "الصحيفة": المغرب والصين تسعيان لطرد الانفصال وتعزيز اقتصاد أفريقيا، وبيكين تراهن على علاقات الرباط الأفريقية.
يتوقّع الدكتور ناصر بوشيبة، الخبير في الشأن الصيني المغربي، ورئيس جمعية التعاون الأفريقي الصيني للتنمية، أن تحدث طفرة نوعية ودينامية غير مسبوقة على العلاقات المغربية الصينية عقب انتهاء أشغال قمة منتدى التعاون الصيني الافريقي (فوكاك) سيّما وأنه يتزامن والرغبة المشتركة التي تحذو البلدين لتوطيد العلاقات الاقتصادية والاستثمارية أكثر من أي وقت مضى، كما تنسجم وتلاقي مصالح الدولتين في أفريقيا ودول الساحل عموما ومساعيهما البراغماتية المُشتركة لتحقيق التنمية الإقليمية ورأب التصدعات ودعوات التشتت والانقسام.
بوشيبة وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، قال إن المخرجات المرتقبة لقمة منتدى التعاون الصيني الافريقي (فوكاك) الذي ينعقد ما بين 4 و6 شتنبر الجاري، هي في الحقيقة "تكميلية" لعمل واستراتيجية انفتاح استهلّها المغرب منذ عام 1971 عندما كان الملك الحالي محمد السادس وليا للعهد، ومثّل والده الملك الراحل الحسن الثاني في أول زيارة على أعلى مستوى لقائد الدولة المغربية منذ تطبيع العلاقات بين البلدين في1958 قبل أن تأتي زيارة 2002، التي وضعت أسس التجارة البينية والشراكة بحكم دخول الصين لمنظمة التجارة الدولية، ثم الزيارة التاريخية في ماي 2016 التي قام بها الملك محمد السادس للصين وأسست لعهد جديد من العلاقات المغربية الصينية.
وفي هذا الإطار، أشار الخبير في العلاقات المغربية الصينية، إلى أن الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لبيكين عام 2016، قد جاءت مباشرة بعد أيام من قمة المغرب والدول الخليجية التي أعلن فيها عاهل البلاد عن التحول الذي سيطرأ فيما بعد على علاقات المملكة مع دول المعمور بشكل صريح، وهو يتحدث عن نهج سياسة جديدة من الانفتاح وتعميق سياسة تنويع الشركاء في علاقاته مع عدد الدول بغض النظر عن الأيديولوجيات والخلفيات.
ومن وقتها أي في عام 2016، بدأ المغرب يحصد ثمار هذه الرؤية الانفتاحية والخطوة البراغماتية المهمة، وهو تماما ما تُظهره معطيات وأرقام التجارة البينية التي شهدت ارتفاعا ملحوظا مع توالي السنوات على مستوى حجم الصادرات المغربية وذلك بنسبة قدرها 7,81% في 2023، بتحقيقها ما يناهز مليار دولار أمريكي، الذي رقم قياسي منذ تأسيس العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وتوقيع أول اتفاقية تجارية في نونبر 1958، فيما من المهم الإشارة إلى أن الصادرات المغربية الموجهة إلى الصين، هي عبارة عن منتوجات مصنعة في المملكة أي مادة أولية.
ومن الأمور المهمة التي أسهمت في هذا الزخم الاقتصادي والدينامية المتصاعدة التي تشهدها العلاقات منذ الزيارة الملكية إلى بيكين في عام 2016 التي قطعت مع واقع الركود الذي شهدته منذ عقود والتي كانت لا ترقى لمستوى العلاقات الثنائية بين قيادة البلدين، هو القرار الملكي القاضي بإلغاء التأشيرة، فبحسب الخبير في العلاقات المغربية الصينية، كانت هذه الخطوة "حدثا جد مهم على هامش الزيارة، جعل الصينيين يتدفقون بشكل متعاظم لزيارة البلد والتعرف عليه سياحيا، وبالتالي انتهى بهذا عهد الأفكار المسبقة المغلوطة التي كانت في مخيلتهم عن المغرب حول كونه بلد بعيد عن التقدم والنمو".
وتابع الخبير في تصريحه لـ "الصحيفة": "لقد جاؤوا سياحة وتعرفوا على البلد وتعرفوا على مكانه الاستراتيجي وما يزخر به من مؤهلات اقتصادية واستثمارية مهمة جدا، بما فيها الأمن والامان والاستقرار السياسي، و السياسة الاستثمارية المنفتحة على الاستثمارات الاجنبية، اليد العاملة أو العامل البشري، وقد اكتشفوا هذه الاشياء فجاءت الاستثمارات تواليا وبتصاعدية مستمرة قبل أن تأتي أزمة كوفيد 19، وتوقف هذا الزخم".
وجوابا على سؤال "الصحيفة" حول تقييمه لمستوى العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الرباط وبيكين بعد الأزمة الصحية خصوصا مع توقيع اتفاقيات جديدة تصب في بحر تطوير هذه العلاقات، قال بوشيبة: "نعم اليوم تغير الأمر، والعالم بالفعل بدأ يتعافى من تداعيات الازمة الصحية، وهكذا فإن العلاقات الاقتصادية أيضا بين البلدين عادت لسابق عهدها من الزخم، وبالتالي منذ الأزمة آمن الصينيون بضرورة استثمار 10 مليار دولار في المغرب إلى غاية شتنبر الجاري، وهذا رقم قياسي جدا بالنسبة لدولة كالمغرب ليست بيترولية ولا هي أوروبية تتوفر على تقنيات جديدة تدفع الصين للاستثمار فيها، وهو واقع جديد يدل على متانة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين وثانيا على أن المغرب تم اكتشافه بالفعل من طرف المستثمرين الصينيين".
وشدّد المتحدث، في التصريح ذاته على أن القمة الحالية ستساهم في تعميق التفاهم سيما وأن الوفد المغربي وازن ويضم رئيس الحكومة وعددا من الوزراء والمسؤولين الحكوميين فضلا عن رجال الاعمال، ممن سيكون لهم دور في تدعيم وتمتين العلاقات الاقتصادية وتطوير ما تم تحقيقه على مدار السنوات المتلاحقة.
ونبّه الخبير في الان ذاته، إلى ما وصفه الخصوصية المغربية في أفريقيا التي تلعب لصالح المملكة في توطيد علاقاتها مع الصين، موردا: "المغرب يختلف عن باقي الدول الافريقية، أكيد أن لكل بلد مؤهلاته وخصوصيته الوطنية لكن المملكة في سياق تطورها والمشاريع التي سنّتها هي في حاجة ماسة اليوم للاستفادة من التجربة الصينية في عدد من القطاعات سواء تعلق الأمر بالتحديث الصناعي والزراعي عن طريق نقل التكنولوجيا، أوالاستثمار في تكنولوجيا متقدّمة سواء في تكنولوجيا صناعة السيارات أو الطيران أو في مجال تحلية مياه البحر في سياق تداعيات أزمة الجفاف، كما أن التجربة الصينية ممكن أن تلعب دورا بالنسبة للمغرب في قطاعات المعادن والبترول والغاز وفي مجالات الزراعة والفلاحة ذلك أن الصين راكمت تجربة كبيرة في هذا المجال على مستوى صحراء إقليم سيجان وأيضا في منغوليا".
ومن هذا المنطلق، يكاد يجزم بوشيبة بأن المنتدى ستكون له مخرجات إيجابية لصالح العلاقات الثنائية بين الرباط وبيكين، خاصة أنه سيكون تكميلي لما بدأ فيه البلدان على المستوى الثنائي وأيضا الاقليمي والأمني والحوار في إطار مخطط اعلان بيكين وعدد من المشاريع التي من الممكن أن يكون فيها المغرب رائدا إقليميا.
بالمُقابل، لاحظ بوشيبة أن الصين في القمة المذكورة ركزت كثيرا على دول الساحل وأفريقيا الشرقية، وهو الأمر الذي يعتبره مسألة جد مهمة لصالح علاقاتها مع المغرب، سيّما وأن هذه الدول تربطها علاقات جيدة مع الرباط سواء كانت سياسية أودينية أو ثقافية قوية جدا فضلا عن الاحترام المتبادل، ما ممكن أن يُشكل نقطة تلاقي أخرى للمصالح المغربية والصينية في القارة تستهدفها بيكين وهي جيدا ثقل الرباط قاريا، فضلا عن المشاريع الاستراتيجية المهمة التي أطلقها لمغرب مشاريع في أفريقيا مثل أنبوب الغاز المغربي النيجيري، ومبادرة دول الساحل، وغيرها من الاهتمامات المغربية التي تصب على العمق الأفريقي.
وأكد المتحدث، أن كل هذا يصب في بحر الاهتمام المشترك لكل من الصين والمغرب بإفريقيا من أجل استثمار العلاقات الجيدة التي تربط المغرب بمعظم الدول الأفريقية خصوصا التي تدخل في صلب اهتمام الصين أيضا، ما ممكن أن يشكل نقطة تلاقي وتفكير مشترك يتم تطويره بعد القمة.
واستحضر الخبير في العلاقات المغربية الصينية أيضا، نقطة مهمة تؤكد حجم الرؤية المشتركة بين البلدين، وهي "نموذج بيكين"، التي لا يوجد في اهتمامها مكان لدعاة الانفصال والتفرقة بل الانكباب على التنمية والتعاون ورفع وتطوير العلاقات والتوافق، وهذا ما نريد أن نراه في قارتنا وكذلك إقليميا، وينسجم والعقيدة السياسية والدبلوماسية للمغرب القائمة على احترام سيادة الدول وتنزيل استراتيجية رابح ربح اقتصاديا، وتحقيق التنمية القارية في إطار رؤية جنوب جنوب والبعد الأفريقي.
وفي هذا السياق أضاف بوشيبة: "وهذا نداء أيضا، للجارة الشرقية الجزائر لأنه هذا وقت وعهد التكتلات والعمل وليس التفرقة فحتى الدول المتقدمة فطنت لهذا، ولم تعد تسمح بـ الانفصالية كحل للمشاكل الحدودية وبالتالي لا يمكن مثلا أن نتصور أن إسبانيا او بريطانيا او إنجلترا أو فرنسا سترضى بحركات الانفصالية داخلها بل تُشجع نماذج متقدمة كالحكم الذاتي الذي طرحه المغرب في 2007 ونسعى لأن يكون للصين خطوة شجاعة في الانخراط في مسار التنمية الذي وضعه الملك محمد السادس علاقة بعمقه الافريقي".
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :