بين أربعة أيام وسويعات.. كيف تتعامل الدبلوماسية المغربية مع الانقلابات في القارة السمراء؟
بعد مُضي ساعات على إعلان عسكريين في الغابون إسقاط النظام القائم في البلاد منذ 56 سنة، والإطاحة بالرئيس المنتخب حديثاً لولاية ثالثة علي بونغو، خرج المغرب سريعا بأول موقف رسمي من الواقعة، ليؤكد ثقته في حِكمة الأمّة الغابونية ومساعيها لتحقيق الاستقرار وطمأنينة الشعب، وذلك في تباين تام مع واقعة الانقلاب في النيجر التي تأخر فيها في تبيان موقفٍ واضح.
ولاحظت "الصحيفة"، أن تعامل الدبلوماسية المغربية مع واقعتي الانقلاب الذي شهدته كل من النيجر والغابون تواليا وبشكل متواتر، كان مختلفا تماما، بحيث أن المملكة أبت التعبير عن موقفها من استيلاء المجلس العسكري على السلطة في النيجر إلا بعد مُضي أربعة أيام تماما، وذلك على لسان محمد لعروشي، السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، في اجتماع لمجلس السلم والأمن الإفريقي حول الوضع بالنيجر يوم 30 يوليوز، في حين أن الانقلاب حدث فعليا يوم 26 يوليوز 2023.
وأكد المغرب وقتها، على لسان دبلوماسيه لعروشي، أنه "يثق في حكمة شعب النيجر وقواه الحية للحفاظ على المكتسبات، وعلى دوره الإقليمي البناء والهام"، وهو موقف مضامينه تتماهى ومضامين البلاغ "السريع والمقتضب"، الصادر عن وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بعد سويعات من الانقلاب العسكري الذي شهدته الغابون وبث على التلفزيون الرسمي صبيحة اليوم الأربعاء.
وأبرزت وزارة الخارجية المغربية في هذا الإطار، اهتمام المملكة ومتابعتها عن كثب بتطور الوضع في الجمهورية الغابونية البعيدة جغرافيا والقريبة سياسيا واقتصاديا، مشدّدة على "أهمية الحفاظ على استقرار هذا البلد الشقيق وطمأنينة ساكنته"، وداعية "الأمة الغابونية وقواها الحية ومؤسساتها الوطنية، للسير قدما نحو أفق يتيح العمل من أجل المصلحة العليا للبلد، وصون المكتسبات التي تحققت والاستجابة لتطلعات الشعب الغابوني الشقيق".
ومن المعروف، أن الدبلوماسية المغربية تتعامل بحذر شديد مع وقوع الانقلابات في القارة وتتريّث كثيرا قبيل الخروج بأي موقف رسمي، عادة لا يتنافى ونهج "الوسطية" والبلاغات الداعية إلى تحقيق الاستقرار ودعوة القوى الحية إلى إحقاق الأمن والأمان والابتعاد عن الاقتتال والعنف، إذ أنها لا تتسرّع في التنديد ورفض الانقلابات، تماما كما لا تتهجّم على النظام المنقلب عليه، بما معناه أن العقيدة الدبلوماسية المغربية تنأى بنفسها عن الصراعات الإقليمية كنوع من احترام نهج السيادة الداخلية للبلدان، بما فيها تلك التي تنسج معها علاقات دبلوماسية على غرار بلدان القارة السمراء، وتضم شريحة مهمة من الجالية المغربية.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية، حميد بناصر، أن الدبلوماسية المغربية لطالما حافظت على نهجها المتأصل في التعامل مع الانقلابات والتغييرات الجيوسياسية بشكل عام، ليس فقط على المستوى القاري لكن أيضا على المستوى الدول، وارتباطا بكل الدول التي تجمعها مصالح مشتركة مع المملكة.
وأكد بناصر في حديثه لـ "الصحيفة"، أن الدبلوماسية المغربية، مُمؤسسة على خمسة لبنات أساسية، هي احترام السيادة الترابية للدول وشؤونها الداخلية، ورفض التدخلات الأجنبية، فضلا عن تثمين التوجهات السياسية للسلطة الشرعية، واحترام إرادة الشعوب، الأمر الذي يفسّر مواقفها الموضوعية والبعيدة عن تأجيج الصراعات والبهرجة.
ويُفسّر الخبير الاستراتيجي، تأخر موقف الدبلوماسية المغربية في إصدار موقف من انقلاب النيجر لأربعة أيام، مقابل مسارعة الخارجية إلى إصدار بلاغ سويعات فقط على العملية الانقلابية في الغابون، لكون مصالح الخارجية "تتريث إلى حين توصلها بالتقارير الأولية حول الأوضاع، وتعمل على جمع المعطيات الاستراتيجية المرتبطة بالانقلاب أو أي تغيير محتمل للسلطة، في محاولة منها لوضع تشخيص دقيق قبل الخروج بموقف واضح من شأنه التخفيف من وطأة الأزمة سيّما بالنسبة للدول التي تربطها بها علاقات سياسية واقتصادية مهمة على غرار الغابون والنيجر"، مضيفا: "عوامل كثيرة تتحكم في الموعد والكيفية، وعموما الموقف المغربي واضح وغير متسرّع".