تحتَ سَماءِ فِلسطِين!
أحمد إفزارن
- المَغربُ بلدُ التعايُشِ والتّسامُح على مرّ العُصُور..
وهُو الواقعُ التاريخِي لِمَملَكةِ المَغاربة.. مسؤوليةٌ تَتطلبُ تجديدَ الرُّويةِ المُعتادةِ إلى مَفهُومِ الأديانِ السّماوية.. اللهُ تعالَى يُخاطِبُ كُلّ المُؤمِنين: "اُدخُلُوا في السّلمِ كافّة".. هُو ذا القُرآنُ يدعُو الناسَ جميعًا إلى السلام.. إنه خِطابُ الرسالةِ التوحيديةِ مِن ربّ العالَمِين.. إعادةُ النّظر في عُمقِ الخطاباتِ الدّينية، والقِيّم الإنسانية، على أساس: "لا إكراهَ في الدّين"..
وهذه رؤيةٌ إيجابيةٌ تَنبَنِي على أبعادِ "إمارةِ المُؤمنين"، كما هي مُتدَاوَلةٌ في الثّقافة المغربية.. - وهذا التوجُّه، سبقَ أنْ تحدّثَ فيهِ الملكُ محمد السادس، وتوَقّفَ بتَأَنٍّ عندَ التعايُشِ والتّسامُح في بلادِنا، وقال: "بصِفَتِي مَلكَ المَغرب، وأميرَ المُؤمِنين، فإنّني مُؤتمَنٌ على ضمانِ حُرية مُمارَسَة الشّعائرِ الدّينية، وأنا بذلك أميرُ جميعِ المُؤمنين، على اختِلافِ دِياناتِهم"..
واستَطردَ الملكُ قائلاً: "بهذه الصّفة، لا يُمكنُنِي الحديثُ عن أرض الإسلام، وكأنه لا وجُود هُنا لغيرِ المُسلِمين، فأنَا الضّامِنُ لحُرية مُمارسةِ الديانات السّماوية"..
وأكّد الملكُ أن الحِوار بين الأديانِ وتكريسِ التعايُش الإيجابي في ما بينَها، وفي التفاهُمِ والتعاوُنِ حول أهدافٍ إنسانية، سيكُونُ رافعةً أساسيةً لتجنِيبِ البشريةِ شُرورَ الفِتَن والأوجَاعِ والمُعاناة..
وأبرز الملكُ أنهُ لَن يتَسنّى بلُوغُ ذلك إلا إذا "رَبَطنا القولَ بالفِعل، وحرَصْنا على تجدِيدِ مفهُومِ الحِوار بينَ الأديان، وتحقيقِ نَقلةٍ نوعيةٍ في الوَعيِ الجَماعي بأهمية الحوارِ والتعايُش، وبمَخاطرِ الاستِمرارِ في مَنطقِ الانغلاقِ والتّعصُّب والانطِواء"..
هذا هو التَّعايُشُ الذي يُواكبُهُ مَسارُنا المُجتمَعِي، على أرضِ الواقِع، وفي أوساطِ مغاربةِ الداخِلِ والخارِج.. - ومِنَ الأخطاء التي تَقترفُها حكوماتٌ تحت غِطاءاتٍ دينيةٍ ومَذهبيّة، مع غيرِها، تَجاهُلُ حقّ المُواطَنة والتّعايُش، وهُما معًا من قواعدِ العيشِ المُشترَك..
- وفي المغرب، ومنذُ 12 قرنًا، أي قبلَ الديمقراطية الغَربية، كان هذا التعايُشُ قائما في "مَملكةِ التعايُش"، وكان بَلدُنا يُسمَّى "الإمبراطورية المغربية"، وتَشهدُ بها حضارةُ وثقافةُ وتاريخُ المَملكة، وهو معرُوفٌ بتُراث غنِيّ ومُتنوّع لمُدُن فاس، ومراكش، ومكناس، والرباط..
ثم برزَ تصوُّرٌ من الزعيم المصري "سعد زغلول" بقَولتِه الشهيرة: "الدينُ للّه والوطنُ للجمِيع".. - وأينَ العالَمُ اليوم؟
إنّ الديمُقراطية، في وقتِنا الراهن، تُواجِهُ حربًا عالميّةً ذاتَ خلفياتٍ دينِيّة، وتطرُّفية، عِلمًا بأنّ الأديانَ من إلهٍ واحد، وخِطابٍ سماوِيّ واحِد، وإنسانيةٍ واحدة، وكلُّها تُؤمِن بضرورةِ إقرارِ سلامٍ عالميّ مُشترَك..
ومع ذلك، المَصالحُ السياسية تسِيرُ بالعالَمِ في اتجاهٍ مُعاكِس..
وما يَقعُ في الشّرقِ الأوسط، وتحديدًا في"غَزّة"، حيثُ اندلَعَت حربٌ دينيةٌ مُتعدّدة المَصالحِ والتوجُّهات.. وهذا في ذاتهِ خَطرٌ لا تفُكُّه تعقيداتُ الدُّول الكُبرى..
وتبقَى المَخاطرُ قائمةً في كلّ مكان..
إنّها حربٌ عالميةٌ تَلُوحُ في الأُفُق..
وتُهدّدُ الجِنسَ البَشرِي.. - انتِبَاه إلى مُنزَلقاتِ المَصالِح..
التّدَينُ إذا تَسيَّسَ، أُسِىءَ فهمُه، وتَحوّلَ إلى مَصلَحة، وإلى أداةٍ للهَدم، ومِعوَلِ تَخريب..
وهذا ما حَصلَ لقضايا، مِنها القضيةُ الفلسطينيةُ التي أُغرِقَت في التّسْيِيسِ وسُوءِ فهمِ الدّين..
وهذه لا تُفِيدُ بقَدرِ ما تَضُرّ.. وحُلُولُها شكليةٌ ولا تَتعايَشُ.. - في خِضمّ انفجارِ المَصالح!
- وفي الوَقتِ الراهِن، تتَناسلُ صراعاتٌ بين المَذاهب، والقِيّم السياسية والدّينيّة.. والنّتيجة: استِغلالُ الدين لأهدافٍ سياسية.. وهذا يُنتِجُ صِراعاتٍ مُتناقِضة، ويقُودُ بالتالي إلى حُروبٍ في ظاهرِها مَصالح، وفي عُمقِها تهوُّرٌ وحَماقاتٌ وتهوُّرات، بلا ثمارٍ إيجابية، على المُستوى الإنساني والاجتَماعِي، وعلى صعيد السلامِ العالمي..
- والعالمُ اليومَ في مُواجَهة بين السياسةِ والدّين، رغمَ أنّ القِيّمَ في عُمقِها أكبَرُ وأوسَعُ وأهمُّ وأفيَد..
وهذه قِيّمٌ تتّفِقُ أكثرَ ممّا تختلف..
إنها قِيّمٌ كونيةٌ مُتنوّعة، ذاتُ مَشاربَ إنسانيةٍ واحِدة، وتلتحقُ بها القِيّمُ الوطنيةُ ذاتُ المشاربِ المُتنوّعة..
ولا إشكالَ عِندما تلتقي القناعاتُ السياسية والدينية حولَ قِيّمٍ يُوحّدُها الاشتِغالُ المُشترَك، من أجل مصالحَ في خدمةِ الإنسانِ والمُجتمع..
لكن التعقيدَ يأتي عندَما تفترقُ التوجُّهات، وتختارُ السياسةُ والدينُ مُنعطفاتِ المَصالِح.. - وعلى الأسرةِ الدينيةِ في العالَم أن تتجمّع حولَ الحوارِ بين الأديان، بطريقةٍ أكثرَ إيجابية، من أجلِ توحيدِ الأديان حول عُمقِها الروحي المُشترَك، وهذا يفسحُ المجالَ لتوحيدِ الخِطابِ الرّوحي بطريقةٍ تفسحُ المجالَ لتجميعِ أديانِ السماء في ما يجمعُ الإنسانية..
وما أحوجَ العالمَ إلى القيّمِ الإنسانية التي تُوحّدُ ولا تُفرّق، وهذا سوف يكونُ مُفيدًا لوحدةِ السلام العالمي، والتعايُشِ الإنساني.. - هذا وقتٌ آخَر..
وعلينا بالعودة إلى رؤيةٍ أصلِيّةٍ أصِيلَةٍ للأديانِ السّماوية، في ضوءِ التّجربةِ التّعايُشيةِ، بين اليهود وبقيةِ المَغاربة، منذُ العصر الفينيقِي إلى الآن.. نَماذجُ إيجابيةٌ للتعايُش.. - فأيُّ دَورٍ لليَهودِ المغاربة في الوقتِ الرّاهّان؟
إنّ كثيرًا من يهودِ العالَم، اتّخذُوا موقفًا إيجابيًّا يقضي بعدمِ التفريطِ في المُواطَنَةِ المغربية التعايُشية المُشترَكة..
وكثِيرٌ من اليهود المغاربة خرجوا إلى شوارعِ البلَد، حمايةً للسلامِ، وأعلنُوا مع كثير من شُعوب العالم عن إدانتِهم للجَريمة الإنسانية التي اقترَفَتها إسرائيل في حقّ المدَنيّين العُزّل، في قِطاعِ غزّة..
ومُختَلفُ شَوارعِ العالم، ومنها الشوارعُ المغربية، أَعلنَت وُقوفَها معَ الشّعبِ الفلسطيني، ضدّ ما فعلَتهُ إسرائيلُ في "غزّة"، باعتبارِ الاعتداءِ الإسرائيلي جريمةً ضدّ الإنسانية..
لقد اغتَالت إسرائيلُ الأطفالَ والنساءَ والعَجَزة، وهُم عُزّل، ودَمّرَت مَنازِلَ على سقفِ سُكّانٍ مَدنيّين..
ويهُودٌ كثيرُون نظّموا مَسيراتٍ احتجاجية في شوارعِ إسرائيل، ولا يُخفُون أنّ الاعتِداء على شعبٍ أعزَل، إساءةٌ لكُلّ اليهُودِ في العالم..
وطالبَ المُتظاهِرُون اليهُودُ بإسقاطِ حُكمِ إسرائيل.. وطالبُوا أيضًا بالعيشِ في سلامٍ بين اليهُود والمُسلِمين، تحت سَماءِ فِلسطِين!
[email protected]