تحديات تحقيق العدالة الإجتماعية بالمغرب
1 - شباب الطليعة والنخبة المثقفة
بالرغم من فشل المنظومة التعليمية في المغرب، فقد تمكنت فئة من الشباب لا بأس بها من إتمام التعليم المدرسي والالتحاق بالتعليم العالي. هي فئة من شباب بلغوا درجةً من الوعي تجعلهم يطرحون حزمة من الأسئلة أغلبها حول المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
فئة الشباب هذه حملت على عاتقها دور تعبئة المواطنين من محيطها وإيصال مطالبهم الاجتماعية إلى الرأي العام، غالبيتها عبر قنوات التواصل الاجتماعي.
2 - أزمات الأحزاب السياسية
ما يقوم به شباب الطليعة والنخبة المثقفة اليوم هو ما عجزت عنه الأحزاب السياسية منذ نشأتها؛ إذ باتت هذه الأخيرة عبر مرور السنين أندية منغلقة على نفسها، لا علاقة لها بتمثيل مختلف شرائح المجتمع لا من قريب ولا من بعيد، وهذا موروث من عهد الاستعمار أو فترة ما بعد الاستقلال (مَغربَة الاستعمار)؛ بحيث اعتمدت مختلف الأحزاب في خطاباتها على سرد الشعارات وأهملت بوادر اقتراح برامج سياسية عقلانية تساير الحدث قصد مواجهة تحديات الواقع.
هي سلوكيات أثرت بشكل سلبي في نزاهة التعاقد السياسي بين السلطة القائمة والمجتمع المدني. فالأحزاب السياسية وُلدت مصابة بأمراض مزمنة استفحلت بها الأزمات نتيجة لاعتماد كلّ حزب مبدأ “الإجماع” وتخوين “الاختلاف” وأخذ المناصب “تشريفا” عوض أن تُأخذ “تكليفا”، ومنه السعي الدائم للحصول على “الامتيازات” وإهمال “الالتزامات”، كما كانت الأحزاب وما زالت تعتمد مبدأ “التزكية” عند التصويت عوض “الاختيار”.
3 - الأحادية السياسية
سلوكيات الأحزاب هذه ساهمت بشكل كبير في إضعاف وتهميش دورها في اتخاذ القرارات السياسية المباشرة، الشيء الذي عبّد الطريق أمام السلطة القائمة كي تبسط يدها على الساحة السياسية وتستفرد بالقرار الأحادي في جوهره مدعوما بتبعية حزبية في ظاهرها مع معارضة رمزية محتشمة.
ولترسيخ هذا الضعف واجتناب تشويش الأحزاب السياسية وإبعاد أي إزعاج حزبي نضالي، عملت السلطة القائمة على تشجيع “التعددية الحزبية” من أجل تكريس “الأحادية السياسية”؛ إذ دأبت السلطة على خلق الحزب الأغلبي قصد ضبط التوازنات من ناحية، ومن ناحية ثانية قامت بإغراق الساحة بالأحزاب السياسية كوسيلة لتسليط الضبابية على مفهوم وعقلنة الحزب السياسي، ومن ذلك إضعاف الثقافة الانتخابية للمواطنين والتأثير في سلوكهم إلى حد كبير.
4 - العدالة الاجتماعية وتحديات الواقع
كل هذه المعطيات شكلت أرضية خصبة لتفشي اقتصاد الريع واستغلال السلطة أو التقرب منها لأجل تراكم الثروة في أياد قليلة وفتح الفرص السانحة لاحتكار الأسواق، ومنه الارتفاع المفرط للأسعار وإضعاف القدرة الشرائية لغالبية المواطنين وانتشار البطالة واستفحال مشكلة الفقر والتهميش.
ظروف الساحة السياسية هذه وتبعياتها السلبية بخصوص عيش المواطن، ووقوفها كحاجز أمام إدراك عدالة اجتماعية تتماشى وواقع تحديات الساعة، جعلت شباب التعبئة والنخب المثقفة ترى في الموقف أمرا لم يعد يطاق، وتعتبر أن الوقت حان للبحث عن التغيير واقتراح البديل. لم يعد هناك مبرّر يمنع المسؤولين من الكشف الحقيقي لسيرورة النظام الاقتصادي والاجتماعي في البلاد من جهة، ومن جهة أخرى الكشف عن مقومات تحديد كيفية واضحة المعالم من أجل دعم فئات المجتمع الضعيفة قصد تمكنها من العيش الكريم؛ وذلك بتوضيح كامل شامل للنظام المالي وشرح آليات حساب الضرائب، وكذا شرح حيثيات أشكال وطريقة دفع التأمينات الاجتماعية.
5 - المطالبة بالمراجعة الشاملة واقتراح البديل
درجة وعي المواطن قد لامست سقف المطالبة بمراجعة شاملة عبر سلسلة إجراءات وقوانين تضمن دعم المعوزين والمرضى والمعاقين، وإصلاح رواتب التقاعد، والنظر في إضافة إجراءات للأخذ في الدعم المادي للعاطلين عن العمل وإحداث ميزانية خاصة تشمل تكاليف نفقات التشغيل والحد من البطالة.
فالعدالة الاجتماعية لا يمكنها أن تتحقق دون التفكير في توفير ظروف التأمين الصحي وتأمين التقاعد ورعاية ذوي الإعاقة، وضمان كل ذلك بضبط التحصيل الضريبي وتجريم تهريبه بشكل قطعي وواضح.
وعلى هذا الأساس، فقد بات جليا أن إحداث ما يسمى بصندوق المقاصة لم يعد مقبولا بالطريقة المعمول بها حاليا؛ إذ أصبح هذا الصندوق يشكل عاملا للحد من تحقيق العدالة الاجتماعية، في حين كان من المفروض أن مصطلح صندوق المقاصة هو مرادف مباشر لكلمة “العدالة الاجتماعية”.
إحداث هذا الصندوق كان هدفه الجوهري هو جعل الخزينة العامة تضمن القدرة الشرائية للفئة الفقيرة ولتلك ذات الدخل المحدود، لكن الكيفية المتبعة هي في الواقع كيفية سلبية جدّا؛ ذلك أن الدعم يشمل كل فئات المجتمع بغض النظر عن الحالة الاجتماعية والمالية للفرد؛ ما جعل من الصندوق جزءا من المشكلة عوض أن يكون حلاّ لها.
وبما أن مال الخزينة العامة ملك للجميع وليس لفئة دون أخرى، فإنه ينتج عن ذلك أن الصندوق يجعل من الفئة الفقيرة مموّلا للفئة الغنية، ليمثل ذلك شرخا واضحا في أهداف العدالة الاجتماعية، علاوة على أن مال الخزينة العامة لم يعد يكفي لتغطية حاجيات الصندوق.
معطيات العدالة الاجتماعية هاته وُوجهت برفض صريح من طرف شباب الطليعة والنخب المثقفة مع اقتراح حلول بديلة لم تجد آذانا صاغية من الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة. ومن أهم مقترحات الحلول نهج طريقة الدعم المباشر، أي العمل على جعل الفقراء والأفراد ذوي الدخل المحدود تستفرد بالاستفادة من الدعم بتحديد مساعدات مالية حسب مدخول كل فرد، وفي المقابل إلزام جميع فئات المجتمع بالشراء تباعا للأثمان المحددة من السوق العالمية.
أما الفئة التالية، وهي فئة الطبقة الوسطى التي يمكن حصرها حسب مجال معين لمدخول الأفراد، يمكنها الاستفادة من التخفيض الضريبي وتعويض الخصاص المالي للخزينة برفع الضرائب على الأثرياء دون استثناء، زيادة على ذلك تظل ضرورة إصلاح القطاع غير المهيكل واحتوائه تنظيميّا قائمة قصد ضمان دفع الضرائب، وكلها حلول تستلزم وتشترط إصلاحا سياسيا شاملا، وربما يتطلب ذلك تعديلا جديدا للدستور، وكذا محاربة الفساد والرشوة ودحر المحسوبية وتوفير التقنية لتفعيل الحلول المقترحة.