حزب مسلمي سبتة يلوم سانشيز على إلغاء زيارة ملك إسبانيا.. الأزمة الاقتصادية تتجاوز التأثير الديني للمغرب
لا تزال تداعيات تراجع القصر الملكي الإسباني عن إعلان ترتيب زيارة قريبة إلى مدينتي سبتة ومليلية شهر يوليوز الجاري، تفرز ردود فعل سياسية في إسبانيا وبالمدينتين المحتلتين، وتحديدا مدينة سبتة التي أصدر أحد أحزابها الممثَّلة في البرلمان المحلي والمكون من مسلمي المنطقة ذاتية الحكم، بيانا شن من خلاله هجوما لاذعا على حكومة إسبانيا باعتبارها الجهة التي اعترضت على الزيارة.
وأبدى حزب "حركة من أجل الكرامة والمواطنة"، الذي يشكل المسلمون من أصل مغربي النسبة الساحقة من أعضائه، عدم رضاه على "إلغاء الزيارة المنتظرة"، مخاطبا الحكومة المركزية المكونة من الحزب العمالي الاشتراكي وحزب "بوديموس" اليساري الراديكالي بالقول "إذا لم تتم هذه الزيارة فسنفهم أن حكومة بيدرو سانشيز تضع مصالح دولة أخرى قبل مصالح مواطني سبتة"، في إشارة صريحة إلى المغرب.
مصالح "دولة أخرى"
واتجه الحزب، الذي يبني برنامجه السياسي على فكرة الحكم الذاتي، رأسا إلى الحكومة المركزية بمدريد، وذلك بعد تقارير صحفية ربطت بين تراجع قصر "ثارثويلا" الملكي الإسباني عن إعلان الزيارة وبين رفض سانشيز لهذه الخطوة من أجل تفادي أي صدام جديد مع المغرب، وهو ما أشار إليه بيان الحزب السبتي حين أورد أن رئيس الوزراء قدم مصالح "دولة أخرى على مصالح مواطني سبتة، الذين أظهروا مرارا وتكرارا إسبانيتهم ورغبتهم في زيارة رؤساء الدول لمدينتهم".
ولم يخل موقف الحزب الذي أنشئ سنة 2014، والذي ترأسه السبتاوية من أصل مغربي، فاطمة حامد، من "مكر سياسي" حين ربط الأمر بجائحة كوفيد وبالأزمة الناجمة عن إغلاق المغرب حدوده التجارية مع سبتة ومنعه عمليات التهريب المعيشي، موردا أن هذه الزيارة كانت ستُظهر "دعم الجهود التي نبذلها ليس فقط للتغلب على وباء كوفيد 19، ولكن أيضا الأزمة الاقتصادية التي خلفها تخلي الحكومات الوطنية المتعاقبة عنا، سواء التي شكلها الحزب الشعبي أو الحزب العمالي، أو التحالف الحكومي الحالي".
أين التأثير الديني للمغرب
ويوجد بسبتة قطاع واسع من السكان، المسلمين تحديدا، الذين يؤمنون بأن لهم هويتهم الخاصة التي لا تنتمي لا إلى المغرب ولا إلى إسبانيا، لكنهم أقرب عمليا إلى المغرب منه إلى إسبانيا بالنظر إلى الروابط الاجتماعية والثقافية، وخاصة الدينية التي تربطهم به، وهو الأمر الذي تجاوزه الموقف السياسي لـ"حركة من أجل الكرامة والمواطنة"، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول جدوى الإنفاق الرسمي المغربي على الشأن الديني في سبتة.
ففي نونبر من سنة 2018 أكد وزير الأوقاف والشؤن الإسلامية أحمد التوفيق أن المغرب يتكفل بمصاريف جميع مساجد سبتة البالغ عددها 17، و34 مسجدا من أصل 42 في مليلية، بالإضافة إلى دفع رواتب 95 موظفا تابعا للوزارة يعملون بسبتة و58 مثلهم يعملون في مليلية، كما ذكر، في حديثه لوكالة الأنباء الرسمية الإسبانية "إيفي"، أن الرباط تدفع شهريا للأئمة بالمدينتين 6000 درهم و3000 درهم للخطباء و500 درهم للمؤذنين، معللا ذلك بأنه "نصف سكان المدينتين مغاربة"، وهو الأمر المناقض لما جاء في وثيقة الحزب المذكور.
تبعات "الخنق" الاقتصادي
لكن من ناحية أخرى، "يجب ألا نفصل هذا الموقف عن التطورات التي عرفتها الحدود بين سبتة والمغرب خلال الشهور الماضية"، تقول مصادر متتبعة للشأن السياسي بالمدينة المحتلة، والتي أوردت أن السبتاويين ذوي الأصل المغربي كانوا الأشد تضررا واختناقا من التبعات الاقتصادية لوقف التهريب المعيشي ومنع المعاملات التجارية على الحدود وتراجع أعداد السياح المغاربة، وهو الأمر الذي سيزداد صعوبة بعد قرار الرباط إنشاء منطقة اقتصادية بمدينة الفنيدق بجوار سبتة مباشرة.
وذكَّرت المصادر نفسها بأن السبتاويين من أصل مغربي سبق أن أقاموا وقفات احتجاجية غير بعيد عن الشريط الحدودي، خاصة بعد تشديد المغرب إجراءات دخولهم إلى أراضي، أبان فيها الكثيرون منهم عن "ولائهم للمغرب"، على أمل أن يخفف هذا الأخير إجراءاته الجديدة، لكن جزءا كبيرا منهم الآن "اقتنعوا بأنهم مجبرون على التعايش مع الوضع الجديد، ورأوا أن أملهم الوحيد في الانعتاق من الأزمة الاقتصادية هو الاتجاه صوب مدريد"، مضيفة أن هذا الأمر يفسر الموقف الأخير لحزب "حركة من أجل الكرامة والمواطنة"، وربط زيارة الملك فيليبي السادس وعقيلته الملك ليتيثيا، بدعم المنطقة ذاتية الحكم في أزمتها الاقتصادية".