خاص - موريتانيا تتراجع عن رفع جمركة الخضراوات المغربية.. ومصادر في وزارة الزراعة الموريتانية تكشف لـ "الصحيفة" تفاصيل القرار
تزامنا مع الاحتفال الأممي بعيد العمال الذي يُصادف 1 ماي من كل سنة، أصدرت الحكومة الموريتانية قرارا يقضي بتراجعها رسميا عن زيادة الرسوم الجمركية التي كانت قد فرضتها من جانب واحد منذ بداية العام الجاري على الخضراوات الواردة من المغرب، حيث جاء القرار بعد سلسلة من المشاورات التي باشرتها سلطات نواكشوط مع اتحاديات موردي الخضر والفواكه والنقابات المعنية وجمعية المستهلك في البلد، وفق ما أكدته مصادر مسؤولة من وزارة الزراعة الموريتانية لـ "الصحيفة".
وشهدت موريتانيا، تذبذبا "مقلقا" على مستوى التموين أثر بشكل مباشر في أسعار الخضر والفواكه التي بلغت سقفا غير مسبوق منذ يناير الماضي، وذلك عقب قرار سلطات البلد "المفاجئ" مطلع السنة الجارية، برفع الرسوم الجمركية على الخضر المغربية بما يتجاوز الضعف، وهو ما أربك حسابات المستوردين في نواكشوط، وسط تنديدات المهنيين وارتفاع الأصوات المطالبة للحكومة بضرورة حلحلة الوضع في أقرب الآجال مع الرباط.
وأمام تصاعد الجدل بين الجهات الحكومية الموريتانية التي زعمت وقتها السيطرة وتأمين احتجاجات السكان من المواد التموينية من جهة، والمهنيين الذين يشتكون المضاربات والغلاء والتذبذب في العرض والتموين من جهة ثانية، قرّرت وزارة الزراعة التراجع عن قرارها الأول وإعادة الأمور إلى نصابها، لتهدئة الأوضاع سيّما وأن عددا المزودين المغاربة عمدوا إلى تحويل شحناتهم إلى السوق الوطنية ما انعكس بالمقابل إيجابا على المستهلك المغربي.
وأوضحت مصادر مسؤولة في وزارة الزراعة الموريتانية، أن قرار إلغاء الجمركة عاد ليكون ساري المفعول ابتداء من اليوم الأربعاء على مستوى معبر الكركارات، مشيرة إلى أن قرار الزيادة الذي اتخذته في وقت سابق وناهز 174 في المائة، كان "مؤقتا" بغرض حماية المنتجات المحلية من المنافسة فقط، ولا علاقة له بما هو سياسي أو دبلوماسيا أو بالعلاقات الموريتانية المغربية جد الوطيدة على صعيد مختلف القطاعات.
المصادر ذاتها، شدّدت على أن المغرب شريك استراتيجي لنواكشوط، وقد أبدى تفهّما مريحا لهذا القرار السابق الذي اتخذته السلطات الموريتانية في يناير، خصوصا وأنها كانت فترة ذروة الحصاد المحلي، ما يستوجب دعم انتاجنا الوطني بالدرجة الأولى ومحاولة كبح الأثر الرجعي لهذه الخطوة على المستويات العامة للأسعار.
ولفتت الوزارة الوصية، إلى أنها اعتمدت مقاربة الإنصات لاتحادات موردي الخضر والفواكه إلى موريتانيا، والفاعلين والمهنيين، وطمأنتهم سلفا أن هذا القرار مرتبط فقط بمرحلة الذروة، ووقت حصاد المنتوج المحلي، وسيتم التراجع عنه في وقت لاحق، "وهو ما تم الآن، فالاقتصاد الموريتاني يحاول التعامل مع اضطرابات الأسواق وفق مقاربة متوسطة وبعيدة المدى".
ووفق المعطيات التي وفّرتها المصادر ذاتها لـ "الصحيفة"، فإن موريتانيا وضعت خطة عمل تصبو تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية والأساسية بما يجعلها عصية عن التأثر بشكل كبير باضطرابات الأسواق خصوصا سوق التوريد، وبالتالي فبعد نجاح تجربتها في إنتاج مادة الأرز الذي بات يغطي حاليا، قرابة 90 في المائة من حاجيات البلد، تسعى إلى تمديد ذات التجربة إلى الخضراوات وتحقيق 30 في المائة من حاجياتها في المرحلة الأولى، وهنا يدخل قرار رفع الجمركة أي أنه سيادي محض، من أجل استثمار المؤهلات الزراعية الكبيرة التي تحظى بها بلادنا وفي حاجة للاستغلال.
وبالفعل حصدت موريتانيا، ثمار موسمها الفلاحي الماضي بشكل مرض، في إطار مساعيها الرامية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية وبدأت تقترب من تحقيق هذا الهدف سواء في مستويات الإنتاج أو التحصيل وكذا التخزين، وفق ما أكدته وزارة الزراعة الموريتانية لـ "الصحيفة".
وسبق للناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، الناني ولد اشروقه، قد أكد في فبراير الماضي، أن بلاده لا تحتاج لاستيراد الخضروات في موسم رمضان بعد حدوث هذه الطفرة في الإنتاج المحلي وقتها.
من جانبها، استقبلت جمعيات حماية المستهلك الموريتانية بارتياح كبير قرار سلطات بلادها التراجع عن زيادة الرسوم الجمركية التى كانت مطبقة منذ بداية العام الجاري على الشاحنات المغربية التي تحمل الفواكه والخضروات إلى موريتانيا عبر معبر الكركرات، خصوصا بعد ارتفاع أسعارها في الأسواق الموريتانية، ما أزم الأوضاع داخليا، خصوصا وأن المنتجات المحلية تباع بأسعار معقولة تتراوح ما بين 1400 و 1600 أوقية قديمة، لكنها تفسد وتتحلل بشكل صاروخي، بعكس مثيلاتها المستوردة من المغرب ذات الجودة الجيدة، ولكن الأثمنة مرتفعة جدا بسبب القرار وليست في استطاعة المواطن البسيط.
وفي هذا الإطار، قال أمين الناهي الأمين العام لمنتدى المستهلك في موريتانيا، في تصريح خصّ به "الصحيفة": "نرحب جدا بهذا القرار الذي من شأنه ان يخفض من تكلفة استيراد الخضروات التي تشكل ركنا مهما من تكاليف المستهلك الموريتاني".
ودعا رئيس منتدى المستهلك الموريتاني، حكومة بلاده إلى ضرورة مراعاة القدرة الشرائية للمواطن في ظل ارتفاع مستويات التضخم، واستحضارها دائما في المقدمة قبل اتخاذ أي قرار من هذا النوع، على غرار رفع الجمركة على الواردات من المملكة المغربية.
وفوجئ عشرات من سائقو الشاحنات المغربية، شهر يناير الماضي بتطبيق موريتانيا زيادات جمركية وصفت بـ "الصاروخية"، وحالت دون استكمال عدد منهم لإجراءات العبور من منفذ الكركرات الحدودي إلى موريتانيا، سيّما وأن السلطات الجمركية الموريتانية طالبتهم بدفع هذه التعريفة الضريبية الجديدة بصفة فورية، ما اضطر عدد منهم إلى العودة لتفريغ شحناتهم في السوق المغربية، فيما بقي آخرون في انتظار حل على الحدود يحول دون دفع الـ 48000 درهم المطلوبة عوض 18000 درهم التي كانوا يدفعونها من قبل تنزيل هذا القرار للجمارك الموريتانية.
وانعكس هذا الوضع إيجابا على سوق الاستهلاك المغربي، بحيث انخفضت أسعار الخضار والفواكه في الأسواق المحلية، منذ فبراير الماضي إلى أقل من نصف أسعارها، بعد فترة ارتفاع هائل دامت شهورا مديدة، وأثرت سلبا على القدرة الشرائية لعموم المستهلكين.