رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين يرسم صورة قاتمة عن فشل مخططات الدولة وسياساتها العمومية "الباهظة" لتجويد التعليم
صورة "قاتمة" لوضعية التعليم في المغرب، تلك التي رسمها الحبيب المالكي رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهو يُقر بأن هذا الملف مازال يؤرق بال الدولة رغم كل البرامج والخطط التي وُضعت للقطاع وكلّفت الدول منذ عقود ملايير الدراهم، دون بلوغ نتائج إيجابية تنعكس على تحسين جودة التعليم وتطويره، والرفع من قابلية الشغل لدى الخريجيين وتعزيز قدراتهم لمواكبة المتطلبات المتسارعة للقطاعات السوسيو – اقتصادية.
ولم تعد تتلخص وضعية التعليم المتردية بالمغرب، في مجرد اشكالية الاكتظاظ في الأقسام أو شح الإمكانات، بل تمددت لتشمل مستوى المنتوج التعليمي ككل، وهو المعطي الذي أقر به أمس الجمعة، الحبيب المالكي رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهو يدعو إلى "عدم التسرع في إصدار الأحكام الجاهزة، حول إصلاح "لا نلمس آثاره الفعلية إلا على المدى المتوسط والبعيد، ولكن في نفس الوقت علينا تحمل المسؤولية المشتركة في الالتزام بما يتعين القيام به من اقتراحات بناءة، وتقييم موضوعي، ومواكبة يقظة للسياسة العمومية التربوية، والحرص على حكامة ناجعة من أجل ربح الرهانات التي تضعها بلادنا على هذا الإصلاح المصيري". يضيف المالكي.
رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي كان يتحدّث خلال المحاضرة الافتتاحية، ضمن مشاركة المجلس في المعرض الدولي للنشر والكتاب، في دورته الـ 29، حول حكامة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، قال إنه و رغم المجهود التشريعي والتنظيمي المتمثل بإعادة النظر في الجوانب المهيكلة للإصلاح وإقرار حكامة ترابية، والإرساء التدريجي للسبل الكفيلة بتطبيق الرؤية الإستراتيجية للإصلاح، والشروع في تحديد الأولويات وبرامج العمل والمشاريع والتدابير التطبيقية" فإن "نظامنا التعليمي لازال لم يؤهل بالشكل المطلوب القدرات التدبيرية والتربوية للفاعلين في جميع مستويات القرار والتنفيذ، ولم يستكمل بعد تطبيق اللامركزية واللاتمركز، من خلال توسيع ونقل الاختصاصات والصلاحيات في مختلف مستويات المسؤولية، وأن استكمال سيرورة نظام للجودة، لم يتجاوز بعد حدود التجريب."
واعتبر المسؤول المغربي، أن "البعد الترابي في حكامة المنظومة التربوية يقتضي الانطلاق من مشروع المؤسسة، الذي يستند لمنطق العمل التشاركي بين مختلف الأطراف والشركاء، بدءا بالحاجيات الحقيقية التي يتم تحديدها محليا وميدانيا، على أساس أن يندرج ذلك ضمن المجهود الوطني، الرامي إلى الانتقال من التدبير العمودي إلى التدبير الترابي الأفقي القائم على الجهوية المتقدمة، بمنهجية مندمجة ومتدرجة، مع إرساء دعائمها بالقوانين اللازمة، وتوفير الاعتمادات المالية الضرورية والبنيات التحتية والدعائم البيداغوجية والبحث الرقمي في مجال التربية، واعتماد التقييم المنتظم لمعرفة مدى تأثير ذلك على جودة التعليم والتكوين".
وبالرغم من التقدم الحاصل في ميادين التكوين المهني، وعلى مستوى تعميم التعليم، والرفع من فرص النجاح المدرسي، وتحفيز القدرات الذاتية والتنظيمية للفاعلين التربويين، وتعزيز البنيات التحتية، والتجهيزات، والمعدات التربوية، والرقمية، إلا أن الحبيب المالكي يرى أن الأثر المنشود في تطوير المردودية الداخلية وتحسين جودة التعليم ونسبة التأطير وتطوير البحث العلمي، والرفع من قابلية الشغل لدى الخريجيين وتعزيز قدراتهم لمواكبة المتطلبات المتسارعة للقطاعات السوسيو – اقتصادية،"لازال بعيدا عن ما نطمح إليه جميعا".
هذا، وشدّد المتحدث، على ضرورة إدراك الأهمية الاستراتيجية لقضايا التربية والتكوين، جعل بلادنا، وبعد محاولات متعددة، تنخرط في طريق إصلاح عميق وشامل وطموح، يرمي إلى التصدي لمختلف الاختلالات والإشكالات، التي ظلت تعاني منها المنظومة الوطنية للتربية والتكوين.
وفي سياق مواكبته لورش إرساء "المدرسة الجديدة"، وبغية تحقيق أهداف الرافعات 6، و7، و15 الواردة في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 والتي حُولت إلى مقتضيات ضمن القانون-الإطار 51.17، أبرز المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، خلال هذه الجلسة الافتتاحية، ثلاثة أبعاد للحكامة، بوصفها إحدى القضايا الشاملة للمدرسة: أولا: البعد النسقي باعتباره يراعي هذا البعد الطابع المركب للفاعل العمومي، والذي يستوجب مقاربة نسقية في تقييم التفاعلات بين الفاعلين (سواء الخارجيين أو الداخليين)، من جهة، وبين مستويات التدخل (الاستراتيجي والاجرائي)، من جهة اخرى، وذلك استنادا لقواعد "الإطار المرجعي للجودة" (المادة 53 من القانون-الإطار).
أما البعد الثاني فهو ترابي، ويشدّد هذا البعد على الحكامة الترابية ودور السلطات المحلية، إلى جانب علاقة منظومة التربية مع فاعلي المجال الترابي، وبالأخص في تدبير مؤسسة التربية والتكوين، والارتقاء بها، وفي تفاعلاتها مع محيطها، فيما البعد العرضاني، يهم بالأساس النموذج التربوي الجديد الذي يعكس قطيعة قوية مع نموذج الحكامة الحالي، من خلال تكريسه لمركزية وأولوية المتعلم ولمستقبله.
ودعا المالكي، الفاعلين جميعهم وفي مقدمتهم الحكومة المغربية إلى "إعطاء نفس جديد وقوي لدعم تنفيذ الإصلاحات وفق الآجال المحددة، وتحقيق الأهداف الإستراتيجية للإصلاح، وبالخصوص، الاستناد إلى حكامة جيدة ووضع نظام وطني متكامل للمعلومات، من أجل إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تدبير وتقييم مختلف مكونات المنظومة، وكذا إلى "التأسيس لتعاقد جديد بين المنظومة والمجتمع حول مدرسة المستقبل، في أفق ما بعد الرؤية الإستراتيجية 2015 – 2030، استنادا على حكامة تقوم على روح التحديث والتجديد والابتكار، وبما يلزم من الجدية والمسؤولية الوطنية".
ويشارك المجلس في المعرض الدولي للنشر والكتاب، ببرنامج علمي وثقافي، يستضيف من خلاله نُخبة من الخبراء والفاعلين والمهتمّين في ميادين ذات صلة بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، لتأطير محاضرات وموائد مستديرة، وتعميق النقاش في عدد من المواضيع الرّاهنة ببلادنا.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :