رئيس موريتاني سابق يروي قصة اعترافه بالبوليساريو وسعيه لوضع "وادي الذهب" تحت رعاية الأمم المتحدة كي "لا يحتله المغرب"
لم تكن مشاهد شيوخ وأعيان وعلماء إقليم وادي الذهب، وهم يبايعون الملك الراحل الحسن الثاني في العاصمة الرباط، مانحين للمملكة الشرعية لضم إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979، سوى قمة جبل الجليد لحكاية متشعبة أرادتها الجزائر وجبهة "البوليساريو" أول خطوة فعلية للحصول على أراض شاسعة مطلة على المحيط الأطلسي، وأرادتها موريتانيا نقطة نهاية لحرب لم تكن مستعدة لها، لكنها انتهت بمد المغرب لحدوده لـ77 ألف كيلومتر مربع كاملة أي ما يعادل تقريبا مساحة دولتي سويسرا وهولندا مجتمعتين.
وأزاح الرئيس الموريتاني الأسبق، محمد خونه ولد هيدالة، الذي عاصر هذه الفترة وتبعاتها رئيسا للوزراء ثم رئيسا للدولة، الستارَ عن جزء من تفاصيل هذه الفترة، في حوار نشره موقع "أقلام" الموريتاني، بمناسبة الذكرى الـ42 لتوقيع اتفاقية الجزائر في 8 غشت 1979 التي كان من المفترض أن يتم بموجبها تسليم أراضي وادي الذهب لجبهة "البوليساريو"، قبل أن يسيطر عليها الجيش المغربي وينهي حلم إقامة "الدولة الصحراوية" على أرض الواقع في ظرف أيام.
اتفاق على تسليم الإقليم
وولد هيدالة، الذي كان أحد أركان الانقلاب على الرئيس الأول لموريتانيا، المختار ولد داداه، المتحالف مع المغرب، سنة 1978، والذي سيصبح عام 1980 رابع رئيس للبلاد في دليل على حالة انعدام الاستقرار التي استمرت إلى حين الإطاحة به هو الآخر بانقلاب معاوية ولد سيدي أحمد الطايع سنة 1984، بدا مقتنعا بأن التعامل مع "البوليساريو" كان أمرا يفتقر إلى النضج، لكون قيادات الجبهة كانت مندفعة وغير قادرة على احترام الاتفاقات، وهو أحد الأسباب التي ستؤدي بها إلى فقدانها إقليم وادي الذهب.
ويقول ولد هيدالة إنه في 15 يوليوز 1979 جالس ممثل البوليساريو، البشير مصطفى السيد، وهو شقيق مؤسس الجبهة الوالي مصطفى السيد والرجل الثاني فيها حاليا، على هامش القمة الإفريقية التي احتضنتها ليبيريا، بطلب من الرئيس المالي آنذاك، موسى تراوري، من أجل البحث عن حل للنزاع الذي أوقع موريتانيا في أزمة سياسية واقتصادية خانقة، لكنه فوجئ بتصرفات ممثل الجبهة الذي كان "يضرب الطاولة" ويخاطبه قائلا "اخرجوا من أرضنا"، ما دفعه للانسحاب من الجلسة.
وعاد ولد هيدالة، وهو حينها رئيس للوزراء، لمجالسة ممثلي البوليساريو بعدها بطلب من الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، بشرط أن يكون اللقاء "مسؤولا ومحترما وعلى أعلى درجات السرية"، وحينها وضع على الطاولة 3 خيارات بخصوص الإقليم، "الأول هو استدعاء الأمم المتحدة للإشراف على استفتاء لتقرير المصير برعايتها (...)، والثاني هو استدعاء الأمم المتحدة وتسليمها الإقليم، أما الثالث فهو استدعاء الأمم المتحدة والتوقيع مع البوليساريو تحت إشرافها على بقاء الإقليم تحت حماية موريتانيا إلى غاية نهاية نزاع الإقليم الآخر".
انكشاف السر وتحرك المغرب
وقال الرئيس الموريتاني الأسبق إنه اتفق مع الرئيس الجزائري على إرسال وفد للتوقيع على أن يبقى الأمر سرا إلى حين مجيء الأمم المتحدة، قبل أن يرسل هذا الوفد الذي قاده الضابط السامي أحمد سالم سيدي، لكن مع التشديد على أن العملية يجب أن تتم في مكان آخر غير الجزائر والتوقيع على أحد الخيارات الثلاث دون الاتصال به حفاظا على سرية الأمر ولتفادي ضغط أطراف أخرى.
وسيفاجأ ولد هيدالة، بأن شيئا مما جرى الاتفاق عليه مع "البوليساريو" لم ينفذ، وهو الأمر الذي يؤكده بنفسه عند حديثه عن "اتفاقية الجزائر" التي قال عنها إنها "مخالفة شكلا ومضمونا وقانونا لما جرى الاتفاق عليه مسبقا"، وعند عودة الوفد الموريتاني سيكتشف أن سيناريو "ضرب الطاولة" من طرف ممثل البوليساريو مصفى السيد، سيتكرر خلال المفاوضات، بل إنه وجه إليهم الكلام قائلا "تلك أرضنا ونحن أدرى بها، والمطلوب منكم الخروج"، الأمر الذي دفعهم لتوقيع الوثيقة في ظل تحذير الرئيس لهم من الاتصال به.
غير أنه بعد خروج تلك الوثيقة للعلن، لم يتأخر المغرب كثيرا قبل تحريك جيشه وضم ما بقي من أراضي الصحراء إلى ترابه، وأتم الأمر رسميا بإعلان "بيعة" شيوخ وأعيان وعلماء القبائل للملك الحسن الثاني في 14 غشت 1979، لينتهي بذلك طموح الجبهة في الحصول على مساحة جغرافية لتثبت بها سيادتها على الأرض، وتعليقا على ذلك يقول ولد هيداله "لقد أثبت التاريخ أنه لو كان الطرف الصحراوي حكيما لما "احتل" المغرب إقليم وادي الذهب، ما مصير الإقليم الآن؟".
قصة السيادة على الكويرة
وفي روايته للأحداث التي تلت ضم المملكة لوادي الذهب، عرج ولد هيدالة على موضوع السيادة على منطقة "الكويرة"، حاسما الأمر بأنها ليست جزءا من تراب موريتانيا وأن بقاء قوات هذه الأخيرة فيها كان بموافقة الملك الحسن الثاني، وذلك عندما سافر بشكل سري إلى الرباط للقاء هذا الأخير وإخباره بأن موريتانيا تنوي الخروج من الحرب والانسحاب من الإقليم، في غمرة حشد القوات المسلحة المغربية على أطراف وادي الذهب.
وأورد ولد هيدالة أنه وجد الملك على علم مسبق بمضمون اتفاق الجزائر، لذلك أخبره أنه، وبغض النظر عن الطرف الذي سيسيطر على إقليم وادي الذهب، فإن الانسحاب من الكويرة بالنسبة له "خط أحمر"، كونها تُعتبر "عمقا أمنيا" لموريتانيا لا تريد هذه الأخيرة أن يكون مسرحا للحرب، لأن "انفجار أي قذيفة هناك يعني انفجار عاصمتها الاقتصادية نواذيبو".
واقترح الرئيس الموريتاني الأسبق على الملك الحسن الثاني بقاء الكويرة تحت سيادة بلاده إلى حين نهاية النزاع، وهو ما وافق عليه الملك بشرطين اثنين، الأول هو إخباره بموعد انسحاب القوات الموريتانية من الإقليم قبل تاريخه بيومين، والثاني هو تغيير والي نواذيبو الذي كانت الرباط ترى أنه موال للزعيم الليبي معمر القذافي ويقف ضد مصالح المغرب، فرد ولد هيدالة بالموافقة على الشرط الأول فقط كونه اعتبر الشرط الثاني "قرارا سياديا"، الأمر الذي قبل به الحسن الثاني الذي عبر عن ذلك مبتسما وهو يقول لرئيس موريتانيا "لك احترام منطقة الكويرة".
اعتراف "إجباري" بالبوليساريو
وأفرد ولد هيدالة جزءا من حديثه لقصة اعتراف نواكشوط بما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، مشيرا إلى أن هذا الأمر فُرض على بلاده، حيث بدأت القصة في نهاية دجنبر من سنة 1983 حين أقام المغرب جداره الدفاعي الذي يلامس الحدود الشمالية لموريتانيا، وهو ما دفع رئيس البلاد حينها للاتصال بالملك الحسن الثاني ليطلب منه "ألا يضعه في موقف حرج".
وقال المتحدث نفسه إن بلاده كانت تعلم أنها ستجد نفسها أمام "أمرٍ واقع" يتمثل في مرور عناصر "البوليساريو" من أراضيها، ما يفرض على نواكشوط الاعتراف بها لأنه لا يمكنها أن تترك قوات أجنبية تمر من أراضيها دون هذه الخطوة، مبرزا أنه أخبر العاهل المغربي بذلك، لكن هذا الأخير "لم يأخذ الأمر بجدية" على حد تعبيره، لتعترف موريتانيا بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" في 27 فبراير.
وللإشارة، فإن ولد هيدالة لن يلبث بعدها طويلا في منصبه، ففي 12 دجنبر 1984 استغل قائد الجيش، معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، سفره لحضور القمة الإفريقية في بوروندي ليقوم بالانقلاب عليه ثم قام باعتقاله مباشرة بعد وصوله إلى مطار نواكشوط وظل في السجن لما يناهز 4 سنوات، فيما أصبح الطايع أكثر رئيس موريتاني يعمر في منصبه حيث بقي رئيسا للدولة لـ21 عاما تقريبا انتهت بالانقلاب عليه هو الآخر سنة 2005.