عداء للمغرب ودعوة لاستئصال"الماك" و"رشاد".. هل يُعِدُّ تبون وشنقريحة لـ"حرب قذرة" جديدة في الجزائر؟

 عداء للمغرب ودعوة لاستئصال"الماك" و"رشاد".. هل يُعِدُّ تبون وشنقريحة لـ"حرب قذرة" جديدة في الجزائر؟
الصحيفة - حمزة المتيوي
الخميس 19 غشت 2021 - 21:24

"أمرنا الجنرال مجاهد والعقيد شنقريحة بإحراق عدة جبال قرب الأخضرية والقبائل بالبنزين، عُرفت الأخضرية بأنها مكان عبور رجال الجماعات الإرهابية، كانوا يمرون من هناك ويتجهون إلى منطقة القبائل، إلى جيجل أو إلى شرقي البلاد، (...) أدت النار التي أشعلناها إلى رفع درجة الحرارة لتصل أحيانا إلى 45، احترقت أشجار معمرة وسقط في هذه الكارثة البيئية قتلى من السكان المدنيين، في القبائل مثلا لقي 5 أشخاص مصرعهم، وفي غضون شهرين دُمرت عشرات آلاف الهكتارات من الغابات والمراعي".

قد يعتقد الكثيرون أن هذه الأسطر تحمل توصيفا من أحد جنود الجيش الجزائري للحرائق التي اندلعت مؤخرا في شمال البلاد، خاصة وأن منطقة "القبائل" و"السعيد شنقريحة"، الذي أضحى اليوم جنرالا ورئيسا لأركان الجيش الجزائري، عاملان مشتركان بين ما كُتب وبين الكارثة التي لا يزال الجزائريون يعيشون تبعاتها، لكن الأمر ليس كذلك، فالعبارات أعلاه وردت في الصفحتين 110 و111 من كتاب "الحرب القذرة"، لحبيب سويدية الملازم في القوات الخاصة الجزائرية خلال فترة "العشرية السوداء".

غلاف كتاب "الحرب القذرة" للحبيب سويدية وهو ضابط سابق في القوات الخاصة الجزائرية

نشر سويدية كتابه من فرنسا سنة 2001، في عز انتشاء الرئيس الجديد وقتها، عبد العزيز بوتفليقة، وجنرالات الجيش الجزائري، بتمرير قانون الوئام المدني الذي كانوا يرغبون في جعله "مقبرة" لكل ما حصل من مآسٍ خلال أكثر من عقد من الزمن، لتكون تلك الصفحات الشاهد الأقوى على تورط النظام هناك، والجيش تحديدا، في مذابح وجرائم مفتعلة، تبدو مشابهة إلى حد التطابق مع ما يجري في هذه الأيام، لكنه أيضا صرخة تحذير على ما يمكن أن تقدم عليه السلطات مرة أخرى لتجاوز أزمتها، والذي بدأت مؤشراته تتضح بقوة.

التمهيد لإعادة المأساة

وفي الوقت الذي لم تندمل فيه بعد جراح عائلات ضحايا حرائق الغابات الذين فقدوا أقاربهم أو ممتلكاتهم، وبينما لا زالت مأساة قتل وحرق الشاب المتطوع جمال بن إسماعيل أمام أعين عناصر الشرطة في إحدى قرى القبائل، مثار تساؤل واستغراب الجميع، نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بلاغا لرئاسة الجمهورية تلا "اجتماعا استثنائيا" للمجلس الأعلى للأمن، يوم أمس الأربعاء، يتحدث عن "ثبوت ضلوع" حركة "الماك" (حركة تقرير المصير في القبائل) وحركة "رشاد" المعارضة في إشعال الحرائق وفي "اغتيال" بن إسماعيل.

وجاء في البيان أن المجلس قرر "تكثيف المصالح الأمنية لجهودها من أجل إلقاء القبض على باقي المتورطين في الجريمتين وكل المنتمين للحركتين الإرهابيتين اللتين تهددان الأمن العام والوحدة الوطنية، إلى غاية استئصالهما جذريا، لاسيما الماك"، زاعما أن هذه الأخيرة "تتلقى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية وخاصة المغرب والكيان الصهيوني".

لغة الاستئصال.. مرة أخرى

ولا يُعَدُّ التصعيد تجاه المغرب أمرا مفاجئا، فقد أصبح نهجا للنظام الجزائري الحالي للخروج من أزماته منذ بداية حراك 2019، لكنه هذه المرة رفع درجة التصعيد لمستوى مختلف يعاكس ما جاء في خطاب الملك محمد السادس يوم 31 يوليوز الماضي، الداعي لطي صفحة الخلاف بين البلدين وفتح الحدود بينهما، كما يناقض توجه الرباط التي عرضت على جارتها مدها بطائرتين من نوع "كنادير" لمساعدة في التغلب على الحرائق، حيث رد المجلس الذي ترأسه تبون بإعلان "إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية".

غير أن المثير للانتباه أكثر، يبقى هو استعمال عبارة "الاستئصال الجذري" في الحديث عن حركتي ""الماك" و"رشاد"، وهما حركتان تنص المبادئ المعلنة لكلتيهما على عدم اللجوء لمواجهة النظام بالعنف، وهو ما انتبهت إليه الأخيرة ناشرة بيانا يصف ما صدر عن رئاسة الجمهورية بـ"الادعاءات الكاذبة"، مستغربا استباقها للقرار القضائي، قبل أن يخلص إلى أن "خطاب الاستئصال الذي استخدمه المجلس الأعلى للأمن، وهو أحد أركان الحرب القذرة في التسعينيات، ينم عن إرادة إجرامية موجهة ضد الحراك، لكن هذه المؤامرات محكوم عليها بالفشل، وسينجح الحراك، الذي سيحافظ على طابعه اللاعنفي، في بناء دولة القانون التي يصبو إليها الجزائريون".

ولا يبدو ربط حركة "رشاد" لما صدر عن السلطات الجزائرية بالحراك الذي لم تنطفئ شعلته بعد في معظم أرجاء البلاد، بالأمر البعيد عن الواقع بشهادة التجارب السابقة، فالجيش سبق أن خاض حربا انتقامية ضد من صوتوا لجبهة الإنقاذ في بداية التسعينات، وهو أمر يشهد به كتاب "الحرب القذرة" في صفحته الـ100، حيث يقول سويدية نقلا عن الجنرال "فوضيل" "كانت الرسالة واضحة، يجب تصفية جميع من صوت للجبهة الإسلامية للإنقاذ".

نسخة منقحة من مشهد سابق

وحتى اتهام "الماك" و"رشاد" بقتل الشاب جمال دون الاستناد إلى التحقيقات القضائية، يبدو مشابها لما كان يحصل في زمن "العشرية السوداء"، فالأمر يتعلق بشاب ظهرت فيديوهات تؤكد دعمه للحراك، كما أن إحدى أوسع صفحات الحراك انتشارا، صفحة "22 فبراير 2019"، اتهمت بشكل مباشر الجنرالين "توفيق" و"نزار" بالضلوع في هذه الجريمة ونبهت إلى أن النظام سيروج لسيناريو اتهام المعارضين قبل أيام من وقوع ذلك بالفعل، بل ذهبت أبعد من ذلك حين نشرت صورا واضحة التقطت في مسرح الجريمة للضالعين فيها، قائلة إن الأمر يتعلق بعناصر مخابرات مدربين.

ولأن اليوم شبيه جدا بالبارحة، فإن الملازم سويدية كان قد تحدث عن استراتيجية مشابهة منذ عقدين من الزمن، موردا، في الصفحة 26 من كتابه، "رأيت زملاء لي يحرقون طفلا في الخامسة عشرة من عمره حيا"، رأيت عسكريين يذبحون مدنيين وينسبون هذه الجرائم إلى الإرهابيين، رأيت عقداء يقتلون أشخاصا بدم بارد لمجرد الشبهة"، ولعل اقتناع الأغلبية بأن النظام يعيد استنساخ هذه المشاهد هو ما أدى إلى مواجهة أهالي ولاية بجاية لشنقريحة بظهورهم في خطوة احتجاجية عندما حاول التحدث إليهم قبل أسبوع.

والمثير للانتباه، أن سيناريو "الحرب القذرة" في نسخته الثانية، والتي يرى الكثير من معارضي النظام الحالي أنه يُرسم تدريجيا لإقبار الحراك المستمر منذ أكثر من عامين ونصف دون أن تفلح الانتخابات الرئاسية والتشريعية ولا الدستور الجديد في إخماده، يأتي تزامنا مع محاولة الرئيس استنساخ النظام القديم، منذ وفاة رئيس الأركان السابق أحمد قايد صالح، في 23 دجنبر 2019، ووصول شنقريحة إلى قيادة الجيش.

أسلوب نزار ومن معه

وبِطَيِّ صفحة صالح، أصبح المجال مفتوحا لعودة من رفع الجزائريون في وجوههم شعار "يتنحاو كاع"، ففي دجنبر من العام الماضي، حظي الجنرال خالد نزار باستقبال عسكري رسمي في مطار "بوفاريك" بعد عودته من إسبانيا إلى الجزائر، وهو الذي كان محكوما غيابيا بالسجن لـ20 عشرين عاما، وقبل ذلك كان يوصف بالعقل المدبر لمجازر العشرية السوداء، وبمجرد أن عاد أعلن عداءه للحراك الذي وصفه بأنه "خطة لزعزعة استقرار الجزائر".

عودة الجنرال خالد نزار من منفاه في طائرة رئاسية وهو المتهم بجرائم قتل في "العشرية السوداء"

وإلى جانب نزار عاد أيضا الجنرالان محمد توفيق والبشير طرطاق، القائدان السابقان لجهاز المخابرات، إلى البلاد بعد ضمان البراءة من طرف المحكمة العسكرية، لينجح شنقريحة في جمع أركان النظام مرة أخرى، وهو الرجل الذي قال نزار إن الجزائر أصبحت معه "في أيد أمينة".

وخالد نزار هو نفسه الذي حاول إقبار كتاب "الحرب القذرة"، حين طارد كاتبَه قضائيا في فرنسا بدعوى خسرها في نهاية المطاف، لكنه كان وراء الحكم عليه غيابيا بالسجن لـ20 عاما سنة 2002 بتهمة "إضعاف معنويات الجيش"، وبالإعدام سنة 2006 من طرف محكمة عسكرية بتهمة "خطف وقتل مدنيين"، وكأنه حينها كان يدري أن ما نشره سويدية سيكون أكبر عملية إزاحة ستار عن استراتيجية "الفوضى" التي يلجأ إليها النظام الجزائري لمواجهة أزماته، وربما كان متيقنا من أن الكثيرين سيكتشفون، كما قال ملازم القوات الخاصة في شهادته على الفترة الممتدة ما بين 1992 و2000، أن "الجزائر لا تملك جيشا، لأن الجيش هو الذي يملك الجزائر".

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...