فرنسا والمغرب : فصل جديد في العلاقات
تخطت رسالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ25 لتوليه العرش الملكي حاجز الرسائل البروتوكولية الودية التي دأب قصر الإيليزيه على إرسالها من باب الحفاظ على التقاليد و الأعراف الديبلوماسية لتعلن عن موقف باريس الجديد بشأن قضية الصحراء وتضع حدا لمواقف الضبابية والمناورة التي ميزها الخطاب الرسمي الفرنسي في السنوات السابقة من باب الابقاء على التوازن الاستراتيجي الذي تمليه ضرورة الحفاظ على قنوات التواصل مع النظام في الجزائر لإعتبارات ومصالح عديدة، لكن كلفة الحفاظ على ذلك التوازن قد ضيع على فرنسا العديد من الفرص واستنفذ من الوقت ما كان كان يمكن استثماره في تحقيق منافع مشتركة مع المغرب في الصحراء.
لاتهم نوايا ماكرون بقدر ما يهم أن لعبة الشذ والجذب قد انتهت بإنضمام فرنسا إلى قائمة عريضة من الدول الوازنة التي تدعم الأطروحة المغربية وترى بعين العقل بأن الحلول الواقعية كفيلة بأن تتجاوز تعقيدات القرارات الأممية التي تأكد على مدار عقود أنها غير قادرة على التوصل لصيغة توافقية تنهي صراعا يأتي على حساب عشرات الآلاف من العالقين في مخيمات تندوف التي تفتقد لشروط العيش الكريم .
يجمع المراقبون والعقلاء على أن قرار ماكرون بتعديل البوصلة نحو المغرب ما هو إلا فهم وإدراك فرنسي لضرورة الإنخراط في علاقة بناءة ومتينة تحكمها المصالح المشتركة والمنافع الإقتصادية بدل الرهان على علاقة مع نظام جزائري يعطل الحلول الواقعية في المنطقة ويتبث من خلال تجارب عديدة على أن نظام يتعامل بالمزاجية ويربط كل شيئ بمسألة دعم البوليساريو .
خلافا على ما إتسم عليه الموقف الجزائري من برود عندما حسمت دولة قطر موقفها بدعم الأطروحة المغرب كأساس موضوعي لأي حل واقعي ومستدام لهذه القضية، ومن تجاهل للموقف السعودي من خريطة المغرب الكاملة، شكل القرار الفرنسي الأخير حول مغربية الصحراء صدمة كبيرة للنظام في الجزائر التي رد بعد سويعات بسحب سفيره من باريس وهو ما يعني بشكل غير مباشر إلغاء زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى فرنسا والتي وصفها في حديث مع الصحافة على أنها موعد مع التاريخ لايجب التخلف عنه.
الإعلام الجزائري حاول أن يقلل من أثر الصدمة بالتقليل من شأن قرار ماكرون ومن التحول الكبير في الموقف الفرنسي لكنه في نفس الوقت يقدم صورة واضحة على الإرتباك الحاصل بفعل هذا القرار ودلائل إضافية بأن النظام في الجزائر يجعل من مسألة دعم جبهة البوليساريو قضية داخلية شبه مصيرية تحدد الخطوط العريضة لسياسته الخارجية يوظف كل أوراقه من أجلها ومن أجل أن يستمر الصراع حتى وإن كان ذلك على حساب مصالح الجزائر الإقتصادية، وإن تطلب الأمر أن توقف تصدير الغاز والإستيراد والتصدير كوسيلة من وسائل الضغط بدل أن تستخدم مواردها في زيادة مداخيل البلاد لتحسين الأوضاع الإجتماعية التي تزداد سوءا رغم كل محاولات نفخ الأرقام الإقتصادية .
الاعتراف الفرنسي الحاسم والصريح بمغربية الصحراء هو نجاح للمسار الديبلوماسي الشاق الذي انتهجه المغرب في سبيل دعم قضيته أما الانجازات الاقتصادية المحققة في الأقاليم الجنوبية فهي خير دليل على أن عجلة التنمية تسير في سبيل تحقيق تطلعات ساكنة الجنوب كما تفتح الباب أيضا للمزيد من الاعترافات بواقعية الطرح المغربي الذي يجسد على أرض الميدان صورة لمستقبل واعد ينتظر صحراء المغرب وسكانها مع استمرار مسيرة البناء والتشييد .
في الجهة المقابلة تزداد الجزائر عزلة كلما تقدم المغرب خطوة الى الأمام وكلما حصل على إعتراف جديد بمغربية صحراءه، و يزداد شعبها حسرة على هدر أموال طائلة كان بالإمكان أن تنفق في خدمة المصلحة العامة عوض انفاقها في شراء المواقف السياسية ودعم جماعة انفصالية لا تعنيهم من قريب ولا من بعيد.
من دون الحاجة للنظر عن كثب يكفي فقط تصفح اليوتوب ومشاهدة مدينة العيون المغربية وجمال طرقاتها وتناسق بناياتها و عمرانها ثم إجراء مقارنة بمدن الصحراء الجزائرية الغنية بالبترول والغاز والذهب لتتضح الرؤية.