قطاع السياحة يضخ أكثر من 104 مليار درهم في الاقتصاد الوطني ويعزز من مكانة وجهة المملكة
حققت السياحة في المغرب في عام 2024 إنجازًا غير مسبوق، بتجاوز إيراداتها 104 مليار درهم مغربي، مسجلة زيادة بلغت 7.2٪ مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وفقًا للبيانات الرسمية التي حصلت عليها "الصحيفة"، وهو الأداء الاستثنائي الذي يعكس الانتعاش الكبير الذي يشهده القطاع ويعزز من مكانة المملكة كوجهة سياحية عالمية رائدة، خاصة مع التحسن الملحوظ في صافي الميزان السياحي، ما يسير في اتجاه تثمين الدور المتزايد للسياحة كأحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني، من خلال إسهامها البارز في تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتحقيق الاستدامة المالية.
ووفق البيانات التي تتوفر عليها "الصحيفة"، فقد حقق قطاع السياحة في المغرب خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2024 نتائج مشجعة تؤكد تعافيه المستدام بعد سنوات من التحديات الناتجة عن الأزمات الصحية والاقتصادية العالمية، إذ أظهرت المعطيات الصادرة عن مكتب الصرف أن السياحة المغربية سجلت ارتفاعًا في الإيرادات وتحسنًا في صافي الميزان السياحي، ما يعزز مكانة المملكة كوجهة سياحية مفضلة عالميًا.
وفي التفاصيل، سجلت الإيرادات السياحية حتى نهاية نونبر 2024 مبلغًا قدره 104.478 مليار درهم مغربي، أي بزيادة 7.2٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهو النمو الاذي يعكس انتعاش الحركة السياحية وتزايد الإقبال على الوجهات المغربية، مدعومًا بتحسين البنية التحتية والترويج المكثف للوجهات السياحية المميزة مثل مراكش وأكادير طنجة وفاس، إلى جانب مدن الأقاليم الجنوبية والجنوب الشرقي التي تقدم تجارب سياحية تجمع بين الأصالة والاستدامة.
هذا، وشهدت نفقات السياح المغاربة في الخارج زيادة بنسبة 20.2٪ لتبلغ 26.702 مليار درهم مغربي، مما يعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية وزيادة الإقبال على السفر الخارجي، إذ تركزت هذه النفقات على الوجهات الأوروبية والآسيوية التي شهدت اهتمامًا متزايدًا من قبل السياح المغاربة.
ورغم ارتفاع النفقات، سجل صافي الميزان السياحي فائضًا قدره 77.776 مليار درهم مغربي، بزيادة 3.3٪ مقارنة بالعام الماضي، ما يعكش دور القطاع في دعم ميزان المدفوعات وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة.
ويشهد قطاع السياحة المغربي تحولات إيجابية تعزز من دوره المحوري في الاقتصاد الوطني، إذ حقق عامًا استثنائيًا في 2024، باستقباله حوالي 15.9 مليون سائح خلال الأحد عشر شهرًا الأولى، مسجلًا زيادة بنسبة 20% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، أي بزيادة بلغت 2.6 مليون سائح، وهي الزيادة التي تأتي في إطار مساعي وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لتحقيق هدف استقطاب 26 مليون سائح بحلول عام 2026، وجعل المملكة من بين أفضل 15 وجهة سياحية عالمية.
وحسب وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، هذا النمو الملحوظ في عدد السياح يعود إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها الزيادة الكبيرة في عدد السياح الأجانب، التي بلغت 23%، ما يعادل حوالي 1.5 مليون زائر إضافي، بالإضافة إلى تسجيل عدد المغاربة المقيمين بالخارج (MRE) نموًا قويًا بنسبة 17%، مما ساهم في إضافة 1.1 مليون سائح إضافي إلى الأرقام الإجمالية.
وخلال شهر نونبر وحده، شهد القطاع السياحي زيادة استثنائية في عدد السياح الوافدين إلى المغرب، حيث بلغ العدد حوالي 1.3 مليون سائح، مسجلاً نموًا غير مسبوق بنسبة 31% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.
وكانت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، قد أكدت أن "المغرب يعيش مرحلة غير مسبوقة في التاريخ الديناميكي للسياحة"، مشيرة إلى أن هذا النمو يعكس قوة الاستراتيجية السياحية المعتمدة.
واعتبرت المسؤولة الحكومية، أن هذه الأرقام تعد دليلًا قويًا على نجاح خارطة الطريق التي تم وضعتها الحكومة، وتشير إلى بداية مرحلة جديدة في تطور القطاع السياحي في المغرب، مؤكدة أن هذه الإنجازات تمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق الهدف الطموح المتمثل في جعل المغرب من بين أفضل 15 وجهة سياحية عالمية، وهو هدف يترجم الرؤية الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة على الخريطة السياحية الدولية.
وفي سياق تعزيز مكانة المغرب كوجهة سياحية عالمية، عملت المملكة على تكثيف حملاتها الترويجية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مع التركيز على تنوع المنتج السياحي، بما في ذلك السياحة الثقافية، البيئية، والشاطئية، بالإضافة إلى السياحة المرتبطة بالتراث التاريخي والمعماري.
وهذا التوجه أسهم بشكل مباشر في استقطاب سياح جدد، حيث لم تعد المملكة تقتصر على أسواقها التقليدية في أوروبا فحسب، بل وسعت نطاقها ليشمل مناطق جديدة في الشرق الأوسط وآسيا. وقد تزامن ذلك مع تحسن العلاقات مع الدول الكبرى في قطاع السياحة، وفتح خطوط جوية جديدة، مما ساعد في زيادة تدفق السياح إلى المغرب.
ومع حلول عام 2024، أصبحت هذه الحملات أكثر شمولية وابتكارًا، حيث لعبت الحملات الرقمية عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تسويق المغرب على الصعيد العالمي، ما أتاح الوصول إلى جمهور جديد مع التركيز على التنوع السياحي الذي يميز المملكة.
وتعد السياحة الشاملة، أحد العناصر التي ساهمت في توزيع الزيادة في السياح على مختلف جهات المغرب، إذ لم تقتصر الوجهات السياحية على المدن الكبرى مثل مراكش وفاس، بل شهدت مناطق أخرى على غرار ورزازات والداخلة والعيون وأكادير إقبالًا متزايدًا من السياح، وبالتالي هذا التوزيع أسهم في دعم الاقتصاد المحلي في المناطق التي كانت تفتقر إلى النشاط السياحي الكبير، ويظهر ذلك من خلال الزيادة في عدد السياح الذين زاروا هذه المناطق.
من جهة ثانية، أسهمت التطورات في البنية التحتية في تسهيل تنقل السياح داخل المملكة، ومن بين أبرز التحسينات كان توسيع شبكة الطرق والمطارات وتحديث مرافق الإقامة في مختلف أنحاء البلاد، كما تم التركيز على تطوير السياحة البيئية، إذ تم تقديم تجارب سياحية جديدة تتناسب مع احتياجات السياح الذين يفضلون السياحة المستدامة.
ويأتي هذا، في وقت أعلنت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني عن مجموعة من الإجراءات والخطوات المقررة في برنامج عملها للسنة المالية 2025، والتي تهدف إلى تسريع الوصول إلى هدف استقطاب 26 مليون سائح بحلول عام 2026، من خلال مواصلة تطبيق خارطة الطريق السياحية على المستوى الجهوي، و التوقيع على العقود التطبيقية الجهوية المتبقية ورفع عدد المستفيدين من البرامج الموجهة للنهوض بالقطاع. في هذا السياق، سيتم دعم 570 مستفيدًا إضافيًا من برنامج "Cap Hospitality" في مجالات الدعم التقني والاستثمار، بموجب اتفاقية مع صندوق محمد السادس للاستثمار.
وسبق لتقرير صادر عن مجلة Nexotur الإسبانية المتخصصة في السياحة، قد رصد بأن المغرب بات وجهة مفضلة بشكل متزايد للعائلات الإسبانية الباحثة عن تجارب سفر تجمع بين الأصالة والانغماس في الطبيعة، حيث اعتبرت المجلة أن المملكة توفر مزيجًا فريدًا من العناصر الجاذبة التي تتيح للسياح التفاعل مع بيئات طبيعية خلابة وثقافات محلية غنية، مما يعزز مكانتها في سوق السياحة العائلية.
وفي هذا السياق، تصدّر المغرب أيضا تصنيف منصة Evaneos المتخصصة في السفر والسياحة، متفوقًا على وجهات شهيرة مثل مصر، وكوستاريكا، وتايلاند، إذ أوضحت فيولا ميغليوري، المسؤولة عن Evaneos في منطقة جنوب أوروبا، أن السفر العائلي يتيح للأسر فرصة مميزة لتقاسم لحظات استثنائية تعزز الروابط الأسرية وتخلق ذكريات لا تُنسى، كما أشارت إلى أن العائلات الإسبانية تُظهر اهتمامًا متزايدًا بالوجهات التي تلتزم بالاستدامة البيئية وتدعم المجتمعات المحلية، وهي معايير يجدونها بوضوح في المغرب.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :