كيف يستفيد النظام السوري من التصعيد في المنطقة
كشفت إحدى الصحف الإلكترونية المختصة في مجال الاستخبارات والذكاء التنافسي في تقرير لها عن تصاعد التوتر النظام السوري والذي طفى على السطح على خلفية محاولات التأثير الإيرانية داخل النظام السوري والضغط على على قائد الفرقة الرابعة اللواء ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بغية حته على إسناد حزب الله اللبناني في حربه المشتعلة ضد إسرائيل، يأتي هذا في الوقت التي تواردت فيه أنباء أخرى عن إجراءات إتخدها ماهر الأسد لتجنب الاستهدافات الإسرائيلية لقواته و إصدار تعليمات بعدم استهداف الوجود الأميركي أو الإسرائيلي في الجولان.
يشير التقرير الى وقوع تسريبات من داخل نظام الأسد ساهمت في تسهيل الإستهداف الإسرائيلي لشخصيات وقيادات عسكرية محسوبة على الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا و لديها علاقة مباشرة مع ماهر الأسد الأمر الذي يؤدي الى إضعاف نفوذه ومعه نفوذ إيران، معنى هذا الكلام أن العلاقة ما بين الشقيقين بشار وماهر باتت تنافسيه وقد تهدد بنية النظام الذي خرج من حرب أهلية طاحنة وتمكن من الحفاظ على حكم عائلة الأسد لسوريا، لكن وخلافا لهذه الفرضية فمن المنطقي أن تتقطاع مصالحهما من أجل تعزيز بنية الحكم في سوريا وليس العكس، ومن المؤكد أن ماهر الأسد يعي تماما أن روسيا بإعتبارها اللاعب الأقوى في سوريا لن مكتوفة الأيدي وتسمح لإيران بتغيير قواعد اللعبة على حساب حليفها بشار.
سوريا التي تقع في قلب العاصفة وعلى تماس مباشر مع دولة إحتلال إختارت منذ بداية الأحداث سياسة النأي بالنفس من التصعيد الذي كان واضحا منذ البداية أنه يجر المنطقة الى حرب إقليمية، وقد يفهم تعاطي النظام السوري بحيادية مع حرب غزة على أنه انعكاس لطبيعة العلاقة الفاترة ما بين حماس ودمشق ومن هنا نفهم أن الموقف السوري لم يتغير من حماس رغم الضغوط الإيرانية التي رافقت محاولات الحركة لإعادة المياه الى مجاريها والإتصالات التي سعى من خلالها قادة حماس لإعادة التطبيع مع دمشق أسوة بما فعلته دول عربية عديدة، أما بالنسبة لجبهة لبنان وعلى عكس ما حصل في حرب تموز 2006 عندما شكلت سوريا جبهة إسناد فاعلة لحزب الله وحلقة وصل تربط ما بين بيروت بينه و طهران فإن عدم إنسياقه الى دائرة التصعيد في لبنان قد أثار العديد من التساؤلات بين المحللين والمراقبين وبالتحديد حول مصير العلاقة ما بين دمشق وطهران وعلاقة موسكو بهذا الخيار السوري .
تمة مصلحة روسية من عدم إنزلاق سوريا في الحرب الإقليمية لأن ذلك يعني بشكل أو بآخر تهديد المصالح الحيوية الروسية في الشرق الأوسط في خضم صراع لايزال مفتوحا في أوكرانيا , ويحتاج الى تهدئة الأجواء لفتح مسارات التفاوض، وهو بمثابة إلقاء حجر ضخم في المياه الراكدة ما بين موسكو وتل أبيب وقد ينعكس ذلك على سلبا مسار الحلول التفاوضية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا المحتمل في حال تحرك اللوبي اليهودي داخل مراكز القرار الغربي وبالتالي فلا فائدة لروسيا من الإستثمار في أحداث الشرق الأوسط بغية التأثير على حرب أوكرانيا، ولا ننسى أن دخول روسيا على خط التصعيد في الشرق الأوسط يضرب في العمق مصداقية الخطاب الروسي المنادي بحل سياسي في أزمة أوكرانيا، لهذا فإن حفاظ سوريا على مسافة الأمان في ظل موجة التصعيد الحالية وهو أمر يستند لحسابات روسية أقوى من حسابات إيران في المنطقة.
النظام السوري يدرك أن المناطق الخاضعة لسلطته ليس بمعزل عن الضربات الإسرائيلية لكنه وعلى خلاف التحذيرات التركية الخطيرة لا يعطيها أكثر من حجمها معتبرا أنها مهمات محدودة ومجرد بالونات إختبار للجبهة السورية على غرارالمعلومات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام حول وجود عملية توغل بري إسرائيلي محدود في ريف القنيطرة السورية، وما دامت تقلص من النفوذ الإيراني في سوريا فهي تؤدي الغرض ولا مانع منها، وقد تكون أقرب لوصفها بعملية تطهير ذاتية من شوائب إيران داخل بنية النظام وهو ما يحقق مكاسب للأسد ويقوي نفوذه .
يمكن إعتبار الأوضاع الحالية في منطقة الشرق الأوسط وفي لبنان تحديدا على أنها بارومتر الإختبار الحقيقي الذي يراهن عليه الأسد من أجل تأكيد استقلالية القرار السوري عن القرار الإيراني، وهو ما سيعطي جرعة دعم قوية لإنفتاح أكبر في علاقاته مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات والإستفادة من ثقلهما الإقليمي والدولي لينهي حالة العزلة الدولية ومعها إمكانية الإفلات من العقوبات الأمريكية التي تعطل مسار إعادة الإعمار والإنفتاح الإقتصادي.