"كُورُونَا" بين السّياسة والتّسيِيس!
أحمد إفزارن
أحمد إفزارن
مُعتَكِفٌ بالمَنزِل ضدّ "كُورُونَا".. وضدّ تَسْيِيسِ كلّ الأوبئة… المَنزلُ جَبهَتُنا لمُواجَهةِ الجَراثِيم.. وفي يَافِطَةِ الاعتِكاف:
- نعَم للحِوارِ السّياسي العاقِلِ العادلِ المُتّزِن.. الهادِفِ لحلّ الخلافات، وتَسويّةِ المَشاكلِ والتّعقِيدات.. ولا ثُمّ لا للتّسيِيس.. الرّفضُ لتَسيِيسِ تَحرّكاتِ الجَراثيم!
إنها دَعواتٌ عالَمِيةٌ لِتَجَنّبِ تَسيِيسِ وباءِ "كُورُونَا"..
و"وَقفُ التّسيِيس"، تَعبيرٌ يَتردّدُ صَدَاهُ بين عَواصِمَ كُبرى، وخاصةً "بِكِين" التي تربطُ التّسيِيسَ بتَشويهِ سُمعةِ الصّين ودُوَلٍ أخرى.. إيران تستَخدمُ نفسَ التّعبير.. وأيضا، "مُنظمةُ الصّحةِ العالَمِية" تُطالِبُ العالَمَ بالتأهّب، وتَبحثُ في احتمالِ "الطوارئِ الصّحّية"، على الصّعيدِ العالمي..
ها هي جُرثومةُ "كُورُونَا" تَقفِزُ منَ السّياسة - أي من مائدةِ البحثِ عن حلُول - إلى عالَمِ التّسيِيس، أي المُضارَبة الفَيرُوسيّة، وبتعبيرٍ آخر: استِغلال الفَيرُوس لتحقيقِ مَكاسِبَ سياسيّة، وخاصةً بين أمريكا والصّين اللّتيْن تتَصارَعانِ على قيادةِ العالَم، واحِدة بالقُوةِ العَسكريّة، والأخرى بقُوّتِها الاقتِصاديّة..
فكيفَ يُؤدّي الصّغارُ ثَمنَ صِراعاتِ الكِبار؟
والسّؤالُ مَفتُوح..
وفي هذه الأجوَاءِ المُتَوتّرة، بأوساطِ كبارِ العالم، أثبَتَ فَيرُوسُ"كُورُونَا" أنهُ أصبحَ - هو الآخر - لاعِبًا سياسِيّا يَضبِطُ دَرجاتِ "حربِ الأعصَابِ"..
لقد باغَتَ الفَيرُوسُ المُنتَظَمَ الدّولِي، وأصبحَ - بسُرعَة - أبرزَ لاعِبٍ في السّياسةِ والاقتِصاد، ناهِيكَ عن كونِه يُدِيرُ الخريطةَ الصّحّيّة العالمية..
وتَبيّنَ أنّ سياسيّين - من القارّاتِ الخَمس - يقِفُون معَ أو ضدّ استِخدامِ "كُورُونَا" لتحقيقِ أهدافٍ ومَصالِح، نَظَرًا لكَونِ الضّغُوطِ الفَيرُوسيّة تَستطيعُ - في هذا الظرف - أن تُحقّق ما تَعجزُ عنه السّياسة، مَحلّيّا ودوليّا..
وفي النّخبِ السياسية، نِضالاتٌ تُحرّكُ الأوراقَ الكُورُونيّة، وتُفَضّلُها على الخوضِ في اضطراباتٍ سياسية.. - والفَيرُوسُ نَفسُه قد تَحوّلَ إلى لُعبةٍ سياسيّة..
والسّياسةُ الدّوليةُ الحاليّة ليسَت مُستَقِرّةً على حالٍ واحِدة.. ما زالت - كما كانت - ذاتَ وَجهَيْن: سياسي وتَسيِيسِي..
وبينَ السياسةِ والتّسيِيس، تتَعَرّى مَصالِحُ الدّولِ الكُبرى في تَحريكِ جَشَعِها للتّرامِي على الثّرواتِ الطّبيعيةِ للدّول الصّغرى..
السياسةُ الدوليّةُ في وَرطةٍ فَيرُوسيّة..
من أجلِ مَصالحِها، تنزَلِقُ بالدّورِ الأساسِي للعمَل السياسي، وهو: السياسةُ تَحمِي شُؤونَ الدّولة، داخِليّا وخارِجيّا.. وعَلاقةَ الدولةِ معَ المُواطنِين.. وتَرعَى مَصالِحَهم.. وتُوزّعُ بينَهُم - بطريقةٍ وأخرى - ثرَواتِ البَلد.. وتَتداوَلُ النّفوذَ داخلَ الدولة..
وهذه مُهمّةُ السياسة..
اما التّسيِيس، فهو قيامُ جهةٍ ما، حِزبًا أو جماعةً أو أفرادًا، بالضّغطِ والتّأثيرِ على مُؤسّساتِ الدّولة، لتَنفِيذِ مَصالحَ خاصّةٍ أو جَماعيّة..
وقد لا يكُونُ التّأثيرُ مَحلّيّا فقط، بل أيضًا على صعِيدٍ دولي.. وأبرزُ مِثال "مَجلسُ الأمنِ الدولي".. أعضاؤُهُ الخمسةُ الدّائمُون، يقُومُونَ بالتّأثيرِ في سياساتِ دُولٍ أخرى، بالقارّاتِ الخَمس، لتَحقِيقِ مَصَالِحَ خاصّة..
والتّسيِيسُ الدولي يَجعلُ من المّؤسّساتِ العالَمية قنَطرةً لتمريرِ مَصالحَ إلى دُولٍ هنا وهناك..
وهذا التّعامُلُ القائمُ على المَصالِح، يُشكلُ اهتِزازًا على تَوازُنِ السّلامِ العالمي، وعلى الاستِقرارِ البَشري والتّنموِي..
وقد حانَ الوقت، لإعادةِ النّظرِ في النظامِ العالمي، بتَنظِيماتِه السّياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئِية، لكي لا تكُونَ مُنظّماتٌ دَوليةٌ من أسبابِ تَسيِيسِ مَصالحَ "كُورُونيّة"، على حِسابِ خِدمةِ السياسةِ لشُعُوبِ العالم..
إن القضايا المَحلّية والعالَمية تتَشابَكُ أكثرَ فأكثر، ومعَها تتَشابَكُ مَصالحُ الدّول، مَجمُوعاتٍ وأفرادًا مُؤَثِّرِين ومُتأثِّرِين.. وهذه الحالُ أنتَجَت خِطاباتٍ هي أشبهُ ما تكُونُ "بالوَعظِ" البعِيدِ عن حلولٍ حقيقيّة، مَحلّيّا وعالميّا..
السياسةُ العالميّة ما زالت تشُوبُها مَصالحُ الدّولِ دائمةِ العُضويةِ في مَجلسِ الأمنِ الدولي..
وما زالت تُشكّلُ ضغطًا مُتفاوِتًا على الدولِ الأخرى، من أجلِ ابتِزازِ ثرواتِ هذه الدّول، واستِنزافِها باختِلاقِ النّزاعات، وتِجارةِ الأسلحة، وتصنيعِ أوبئةٍ من أجل بيعِ الأدويّة..
وإلى هذا، هي في سباقٍ مُستمِيتٍ إلى صناعاتٍ تكنولوجيةٍ لتَهديدِ حياةِ الجنسِ البَشَرِي.. - السياسةُ سلاحٌ ذو حَدّين..
إمّا أن تكُونَ في اتجاه، أو في اتّجاهٍ مُعاكِس..
ومَهما كان الاتّجاه، السياسةُ قد تُفيدُ طرفًا، وتُسئُ لطرفٍ آخر.. وتَكُونُ مُنحازَةً ومُضِرّةً لنفسِها وللآخر..
أو تكُونُ مُتحالِفَة.. والتّحالفُ له شُروطٌ وضوابِط..
وكلُّ شيءٍ في هذا الزّمن، قابلٌ للتّسيِيس..
وهذا شأنُ السّياسةِ معَ الاختِلافات، والحالاتِ النّفسيّة، والثقافية، والصّحية، والقُوتِ اليومِي..
السّياسةُ تُخضِعُ كلٌ شؤونِ الحياةِ العامّةِ والخاصّةِ لمَنطِقِها: "إمّا أن تكُون معِي، أو أنتَ ضِدّي"..
والمُعتَقَداتُ أيضًا سَيّسُوها: "إمّا أن تتَعبّدَ مِثلِي، أو أحسِبُك ضِدّي.. تابعًا لغَيرِي"..
وفي الزّمنِ "الكُورُونِي"، يَتَمَوقَعُ بعضُ من يُسِيئُونَ تأويلَ النّصّوص، فيَتسيّسُ الدّين، ويَنحرفُ عن مَسارِه التّعبّدِي والرّوحِي، وعن سُلُوكهِ الإنسانِي، ويَصِيرُ قابلاً للانزِلاقِ في أيّ اتّجاه..
وشتّانَ بين الواقِع واللاّواقِع..
الواقعُ يَعنِي أن بالعِلم وحدَه يكُون التّصدّي للأوبِئة، لا بالخيال، ولا بتِجارةِ "الظّلام".. ولا بتفسٍيراتٍ خاطِئة، بعيدةٍ عن الواقِع..
الفَيرُوساتُ تُعالَجُ بالمَعرفةِ العِلميّة.. وعُلماءَ يَشتغِلُون داخلَ المُختَبرات..
والتّفسِيراتُ اللاّعِلميّة، اللاّواقعيّة، هي أقربُ إلى تزيِيفٍ للوقائع..
وهُنا تتَدَخّلُ ضَرورةُ قراءةٍ للأحداثِ في سياقِها الطبيعي، بعيدًا عن الدّجَل، وخِداعِ الذّاتِ والآخَر..
وبالعِلم نَستطيعُ الوُصولَ إلى عُمقِ الوَقائع..
ونَستطيعُ علاجَ الأوبئة.. وخَلَلِ الطبيعَة..
العلاجُ يكُونُ أيضًا بالحِوارِ السياسي المُنبَنِي على المَعرفةِ العِلميّة، والتّعاوُنِ بينَ مَراكزِ الأبحاث.. - وليس بتَحويلِ السياسةِ إلى تَسيِيس..
السياسةُ أداةً لتَداوُلِ السّلطة.. وهذه مُهمةٌ رئيسيّة.. ولها سلبياتٌ حَيثُما سَيّسَت الحقوقَ والواجبات..
الحقوقُ والواجباتُ بحاجةٍ إلى قوانين، وبالتالي إلى "دولةِ المؤسّسات" لتطبِيقِها..
ولكن، عندما تَدخلُ في تَجاذُباتٍ واختلافاتٍ وصِراعاتٍ سياسيّة، تضِيعُ الحُقوق، وتتَعرّضُ الواجِباتُ للاّمُبالاة..
وتُصبحُ السياسةُ تَسيِيسًا..
وهذا حالُ تَسيِيسِ وَباءِ "كُورُونَا"..
التّسيِيسُ الفَيرُوسِي ليسَ بَردًا وسلامًا.. - تحرِيفٌ للرّسالةِ السّياسيّة!