لجنةٌ للنّمُوذَج الديمُوقراطي!؟
هذا مُجرّدُ تصَوُّر.. احتِمال..
مُقاربةٌ مِخياليّة بين لجنةٍ قائمة، وتَصوُّرِ لجنةٍ يُمكنُ أن تُوجَد، نظرًا لتَداخُلِ التّنميةِ والدّيمُوقراطية..
لقد تمّ تَشكيلُ لجنةٍ تَنمَويّة.. وهي تَشتَغل.. وتبحثُ في اختيار "النّمُوذجِ التّنموي" الأنسَبِ لبِلادِنا..
والتّنميةُ مُرتبطةٌ بإشكالياتٍ أخرى ذاتِ أبعادٍ اجتماعية.. ومنها المسألةُ الدّيمُوقراطية..
فهل تستَقلّ لجنةٌ ديمُوقراطية - إذا كانت - عن "اللجنةِ التّنموية"؟ هل يُحتَملُ تشكيلُ "لجنةٍ للنّمُوذَجِ الديمُوقراطي"؟
أم يَتوجّبُ أن نحسِمَ - قبل كل شيء - في الإشكاليةِ الدّيمُوقراطية؟ وبتعبيرٍ آخر: عندنا إشكاليةٌ انتخابية، وفيها عدةُ أطرافٍ مَعنيّة: الأحزاب، والمُنتَخَبون، والناخِبون، والعازِفون، والمُقاطِعون، والمُتفَرّجون، والمُراقبون، والسلطاتُ المختصة، وغيرُها...
أصبحت الإشكاليةُ الدّيموقراطية مكشُوفةً أكثر من أيّ وقت مضى، ولا تُقدّم انتخاباتُها حلولاً حاسِمةً للبلَد..
وفي الشأنِ الدّيموقراطي، ليس تشكيلُ لجنةٍ بالأمرِ الهيّن، نظرا لكونِ الانتخابات مسألةً أكثرَ مَصلَحِيّة، وفيها القيلُ والقال، وكثرةُ السؤال، والتّشعباتُ الجَدَلية، ونَمِيمةٌ بلا حدُود، ولا أحدَ يَضمنُ ألا يَنتَهي المسارُ إلى تَيَهان، وزَيَغان، وإفشالٍ للَجنَةِ الكلام..
وإلى الآن، لم تَفلَح ديمُوقراطيتُنا في تطويقِ مَشاكل البلد، ولا في حسمِ تشريعاتِها، فأصبَحت الديمُوقراطية هي نفسُها عرقلةً لمسيرةِ البلاد، وبالتالي تعقيدًا للعملِ البرلماني، والحكومي، والفَصلِ بين السُّلط المُؤسّساتية..
وهل تَحتاجُ بلادُنا - بالفعل - إلى انتِقاءِ نمُوذجٍ جديدٍ للدّيموقراطية؟
وفي التاريخِ البشري نماذجُ أنتَجَت اختياراتٍ مُتنوّعة، وفقَ ما يُناسبُ كلَّ بلد، وكلَّ حِقبةٍ زمَنيّة..
وما يهُمّنا هُنا، هو أن ديمُوقراطيتَنا كما هي - منذُ الاستقلال إلى الآن - لم تُساهِم عمليّا في حلّ مَشاكلِ البلد، ولم تقُم بالدّور المَنوطِ بها - وبمسؤولية - كما تفعلُ ديمُوقراطياتٌ كبرى، في القاراتِ الخمس..
لماذا ديمُوقراطيتُنا خيّبَت آمالَنا؟
هل هذه الحالةُ نتيجةٌ حَتميةٌ لاختيارِنا؟ أم حصادٌ لعَجزِنا عن تنفيذ هذا الاختيار؟ أم ببساطة، هي من ثمارِ انحرافِنا عن المسؤولياتِ المنوطة بكلّ الواجباتِ الديمُوقراطية في العالم؟ أم المسؤوليةُ مُتستّرةٌ حتى خلفَ جهاتٍ أجنبيةٍ لا تَفتأُ تتدَخّل في شؤونِنا؟
أسئلة تقودُ إلى أخرى، في إطارِ البحثِ عن الخلَل الذي أصابَ انتِخاباتِنا بالشّلل المَحلّي والجِهوي والبرلماني...
ببساطة، انتخاباتُنا لم تكُن نزيهة، على امتدادِ عُقودٍ وعُقود..
وفي كل مَحطاتِها كانت النتائجُ تموتُ في المهد.. تُولَدُ وهي جسمٌ بلا رُوح.. تُولَدُ مُزوَّرة.. وتُوصِلُ إلى المُؤسّساتِ المختصة أغلبيةً لا تليقُ بالنيابةِ عن الشّعب الناخِب..
شعبُنا دائما مَخدوعٌ من قِبَلِ مُرشّحِيه..
وُعودٌ انتخابية يتمّ إهمالُها مُباشرةً بعد الإعلان عن نتائجِ التّصويت.. وجُلّ "المُنتخَبِين" يتَفرّغون لشَرِكاتِهم ومَشاريعِهم، ولا يَستخدمُون الجماعات المحلية، والغُرفَ التجارية، والبرلمانَ بغُرفتيْه، إلا من أجل مَصالحَ خاصّة..
وهكذا يُحقّقون عبر عَلاقاتٍ - مع كبارِ المَسؤولين - مصالحَ ذاتية، فيزدادُون ثراءًا، ولا يَعبأون بمَن صَوّتوا ومن لم يُصوّتُوا لهُم..
وهذا هو النموذجُ الانتخابي الذي سِرنا عليه منذ الاستقلالِ إلى الآن..
و"المُنتَخَبون" لا يَعبأون لا بمَصالحِ الشعب، ولا مَصالحِ البلد..
نموذجٌ للدّيموقراطية أنتجَ تَخلّفَ بلادِنا على كل المُستوَيات: لا تعليم، لا صحّة، لا شُغل، لا عَدالة، ولا ولا ولا...
مِيزانياتٌ ضخمةٌ ذهبَت إلى رَواتبِ وامتيازاتِ "مُنتَخَبِين" ما هُم إلا وُسطاءُ - لمَصالِحِهم - لدى سلُطاتٍ محلّيةٍ ومَركزيّة..
وَحوّلوا مُؤسّساتِ الدولة إلى صالوناتٍ لقضاءِ مآربَ خاصّة..
وانتَهى الوُجودُ الشّعبي من اهتماماتِ الجماعاتِ والغُرفِ والبرلمانِ والحكومة، رغمَ أن كلّ دَساتيرِ العالم تنصّ على أن الشّعب هو "مَصدَرُ السّيادةِ والسّلطة، وهو يَحكُم نفسَه عن طريقِ مُمثّلِيه"..
وهذا الشعبُ في بلادِنا يبقَى مُهمَلاً، وعلى الهامِش..
لا الأغلبيةُ البرلمانيةُ تعبأ به، ولا المعارَضة، ولا غيرهُما، باستِثناءِ مُداخلاتٍ شكليّةٍ مُحتَشِمةٍ جُلّها غيرُ مُقنِعة، لأسبابٍ منها العجزُ عن التّعبير والتواصُلِ والإيضاحِ والإقناع..
وحتى إذا كان بعضُ الإقناع، فهذا نادِر، ويبقَى مُهمَلاً مِن قِبَلِ الحُكومة، حتى والحكومةُ نفسُها مُنبَثقةٌ عن نفسِ الانتخابات..
وهكذا تَضِيعُ الحقوقُ الاجتماعية، ويُهمَلُ التفكيرُ في الحُرّياتِ الخاصّة والعامة، ومنها التعبيرُ والصحافةُ والعقيدةُ وغيرُها...
وعندما تَلتَقي "مُنتَخَبًا" في بنايةٍ حكومية (كالعَمالَة أو الوِلاية أو غيرِهما)، فليس من أجلِ مبدإ التّساوِي في الحقوقِ والواجبات..
وعندما تلتقيه في بنايةِ رئيس الحكومة، فليس للتّذكيرِ بعدمِ تداخُل السلطات: التشريعيّة والتّنفيذيّة والقضائية...
ولا من أجلِ ما يصُونُ الاستقرارَ البنّاء: تَنمويّا وسياسيّا واجتماعيّا وديمُوقراطيّا...
أو من أجلِ عَملٍ مُشترَك لضمانِ نجاعةِ السّلمِ الاجتماعي..
ما زال البرلمانُ لا يُفرّق بين واجباتِه وواجباتِ السلطةِ التّنفِيذية.. وواجباتِ حاكِمٍ ومَحكُوم..
أين مُراقَبَةُ الحكومة؟ أين المُعارَضة؟ أين النقاشاتُ على أساسِ إثباتاتٍ وبَراهِين؟ لماذا لا يَبحثُ جُلّ البرلمانيّين عن الدّلائل؟ ولماذا لا يَستطِيعون مُعالجَتَها، ومن خلالِ المعالجَةِ تَقديمَ الاستِنتَاجات؟
لماذا لا يَفلحُ البرلمانُ في استِقطابِ شعبيةٍ أكبَر؟ الناسُ تَشمَئِزّ من البَرلمان، لماذا؟
ومِنَ الجماعاتِ المحليّة، لماذا؟
وأين هو الحضورُ المُواطَناتي؟
أليست المُواطَنة هي العمُودُ الفِقَري للدّيمُوقراطية؟
ألا نحتاجُ لرُؤيةٍ جديدة للمفهومِ التّقليدي للديمُوقراطية في بلادنا؟
ألا يتَطلبُ الأمرُ أن نبحثَ عن نموذجٍ جديدٍ للديمُوقراطية؟
نموذجٌ يضمنُ التّساوِي بين المرأةِ والرّجُل.. ويُضفِي قيمةً للجِهات، من حيث التنوّعُ والتنميةُ والثقافة.. ويُولِي مَكانةً للإرادةِ الشّعبية.. وهذا هو مفهومُ الديمُوقراطيّة..
نموُذجٌ لا يجَعلُ الناخبِين يشعُرون فعلا أنهم حاكِمون ومَحكُومُون..
وما العملُ لتَطويرِ الدّيمُوقراطية في بلادنا؟
إذا كان المَطلوبُ تشكيلَ لجنة، فقد يكُونُ هذا من أفخاخِ التاريخ.. وقد لا يكُون..
وقد قيلَ الكثيرُ بشأنِ اللجان..
وممّا قيل: "إذا أردتَ لموضوعٍ أن يمُوت، فشَكّل له لجنة"..
وقِيلَ أيضاً: "من اللجنةِ تَنبثِق لجان، وفي اللجانِ يَكثُر الجدَلُ والمُناظَراتُ الكَلاميّة، ومن ثَمّ تتُوهُ الحَقائقُ وتذُوبُ المَسؤوليّة"..
ومرةً أخرى: ما العملُ لتَطويرِ الدّيمُوقراطية في بلادنا؟ ما العملُ لجعلِ الانتخاباتِ ذاتَ جاذِبيةٍ وفعَاليّةٍ ومِصداقيّة؟
- ألا نحتاجُ إلى نمُوذجٍ جديدٍ للدّيمُوقراطية؟!