لماذا يجب أن نعامل الجزائر بالمثل؟

 لماذا يجب أن نعامل الجزائر بالمثل؟
الصحيفة - افتتاحية
الجمعة 28 مارس 2025 - 16:45

فجأة ودون مقدمات، ودون تفسير، ودون أسباب واضحة، قررت الجزائر، اعتبارَ نائب القنصل العام المغربي في هران "شخصا غير مرغوب فيه"، وإمهاله 48 ساعة لمغادرة البلاد.

ولم تكلف الخارجية الجزائرية نفسها عناء تقديم أي توضيحات، باستثناء بلاغ مُبهم يتحدث عن قيام الدبلوماسي المغربي محمد السفياني بـ"تصرفات مشبوهة".

والحقيقة أن التعمق في فهم دوافع هذه الخطوة ليس سوى مضيعة للوقت، لأن المنطق الوحيد الذي يحكم تصرفات الدبلوماسية الجزائرية تجاه المغرب هو "العداء المجاني"، المدفوع أساسا بمأزقها مع "البوليساريو" في قضية الصحراء، والتراجع المطرد لدورها الإقليمي، ومحاولة صرف أنظار مواطنيها إلى "عدو" مزعوم.

لا يحتاج المتتبع لمسار العلاقات المغربية الجزائرية منذ وصول الثنائي عبد المجيد تبون والسعيد شنقريحة لحُكم البلد الغارق في النفط والغاز، والغارق أيضا في الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وفي مختلف أشكال الفساد والاستبداد، (لا يحتاج) إلى الكثير من المجهود ليفهم أن خطوة "طرد" الدبلوماسي المغربي لها أهداف أخرى.

لقد أصبح من البديهي أن تتذكر الجزائر، في خضم كل أزمة داخلية أو خارجية، أن هناك جارًا اعتادت أن توجه الأنظار إليه لتخفيف الضغط عنها، عبر تصرفات عدائية يعلم القاصي والداني أنها تفتقر لأي مبرر موضوعي.

فمن ذا الذي فهم، إلى الآن، لماذا قررت الجزائر سنة 2021 أن تقطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط استنادا إلى هزيمتها في حرب الرمال سنة 1963؟ ومن استطاع أن يفهم لماذا قررت إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات القادمة من المملكة، أو منع البضائع المستوردة التي يتم توطينها عبر ميناء طنجة المتوسط من دخول موانئها، أو فرض التأشيرة على المغاربة؟ رغم أن المتمعن في تلك القرارات يمكنه بسهولة أن يستنتج أن الضرر، الاقتصادي على الأقل، يطالها هي أيضا، خصوصا إذا ما ارتأت المملكة تفعيل خاصية المعاملة بالمثل.

بل ما الحاجة لهذا الصراع المَرضي مع المغرب منذ ما يقارب 6 سنوات، رغم أن الربح، كل الربح، وعلى جميع المستويات، للبلدين ولفضائهما المغاربي، هو الشراكة والتعاون وتقريب وجهات النظر؟ والجواب: تصريفُ الأزمة الداخلية المُركبة التي قادت البلاد إلى حراك 2019 الذي رفع شعار "يتنحاو كاع"، أي أن يتنحى جميع المسؤولين عن تدهور الأوضاع.. بما يشمل تبون وشنقريحة، اللذان كانا جزءا من المنظومة السابقة.

إذا فهمنا ذلك، سنفهم أن "طرد" نائب القنصل العام المغربي ليس إلا محاولة جديدة لإشاحة الأنظار عن الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، وعن تبعات الحُكم بـ 5 سنوات نافذة على الكاتب بوعلام صنصال، لمُجرد أنه تحدث عن حقيقة تاريخية أُريد لها أن تكون "طابو" داخل الجزائر.

وما يجب الانتباه إليه أيضا، هو أن هذه الخطوة تعني أيضا أن أوراق "اللعب الدبلوماسي" في سياق تصريف الأزمات الداخلية نحو المغرب، أصبح أقل عددا وأضعف من حيث الفعالية، لكنها في المقابل تدفع للتساؤل حول ما إذا كان الوقت قد حان، بالنسبة للمغرب، للعب أوراق مماثلة.

لنكن صادقين مع أنفسنا، هذا "الاستفزاز" الجزائري المتكرر لا يُقابله كل المغاربة بـ"الحِلم" نفسه الذي اختارت الدبلوماسية الرسمية التعامل به، وليس بالضرورة، خارجيًا، أن يفهم الجميع أن هذا النمط المُهادن في التعامل مع الجيران الشرقيين، يُمثل في الحقيقة "تعاليا" عن رعونة جزائرية صارت تُصنف في خانة "الحماقة".

في خطابه بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لجلوسه على العرش، بتاريخ 31 يوليوز 2021، قال الملك محمد السادس متحدثا إلى الجيران الشرقين "أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتيكم منهُ أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضُرنا، لذلك، نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره، والعكس صحيح، فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر، لأنهما كالجسد الواحد".

لقد كان مضمون ذلك الخطاب أشبه بـ"خارطة طريق" للدبلوماسية المغربية، تُرشدها إلى ضرورة التحلي بالهدوء في مواجهة التحركات الجزائرية المُعادية.. هذا الأمر كان مفهوما، ومنطقيا، بل في نظر معظم المتتبعين خارج حدود البلدين، كان قرارا "حكيما".

لكن مع مرور السنوات لم يعد المسؤولون الجزائريون إلى صوابهم، وأصبحت "تحرشاتهم" بالمغرب أكثر ابتذالا وأكثر إغراقا في الوقاحة، لذلك يبدو الخروج من نطاق بيتَيْ الإمام الشافعي "إذا نطق السفيه فلا تجبه، فخير من إجابته السكوتُ.. فإن كلمته فرَّجتَ عنه، وإن خليته كـمدًا يمـوتُ" إلى مَنطق مقولة زهير بن أبي سلمى "ومن لم يَذُدْ عن حوضِه بسلاحِه يُهَدَّمْ، ومن لا يَظلم الناس يُظلَمِ"، أمرًا منطقيا، بل ومطلوبا، في السياق الراهن.

لنتذكر مثلا كيف تتعامل فرنسا مع "هَبَل" الجزائر المتزايد، وكيف يشحذُ مسؤولوها سيوفَ مواقفهم، دون إبراز أي نية للمهادنة، ثم لنَنظُر إلى نتيجة ذلك، وكيف دفع التصعيد الباريسي تبون إلى ترتيب خرجة إعلامية أعلن خلالها، صراحة، وبِلُغة "المستعمر السابق" الذي اعتاد تحميله كل الأوزار، التوقف عن "العنتريات" الوهمية في التعامل مع هذا الملف المعقد.

ولنستحضر في المقابل أن للجزائر تمثيليات دبلوماسية إلى غاية اليوم في المغرب، وأنها قبل عام واحد فقط عينت قنصلين جديدين في كل من الدار البيضاء ووجدة، لذلك، فإن الرباط، إذا ما قررت تطبيق مبدأ "المعاملة بالمثل" الذي تعتمده كل دول لعالم، وطرد نائب أحدهما على الأقل، فلن تكون قد انتهكت أيًا من الأعراف الدبلوماسية.

لقد جربنا طويلا سياسية "عفا الله عما سلف"، لننتقل الآن إلى "ومن عاد فينتقم الله منه".. فلن نخسر شيئا.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

لماذا يجب أن نعامل الجزائر بالمثل؟

فجأة ودون مقدمات، ودون تفسير، ودون أسباب واضحة، قررت الجزائر، اعتبارَ نائب القنصل العام المغربي في هران "شخصا غير مرغوب فيه"، وإمهاله 48 ساعة لمغادرة البلاد. ولم تكلف الخارجية الجزائرية نفسها عناء تقديم أي ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...