ما أغضب القصر بعد أن عجز بنكيران عن فهمه: العلاقات مع إسرائيل مرتبطة عضويا بقضية الصحراء والمواقف الداخلية تُستغل خارجيا
كُتب بلاغ الديوان الملكي، الذي كان بمثابة "قنبلة" استفاق على دويها أعضاء الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وفي مقدمتهم الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بن كيران، بلُغة واضحة ومباشرة لا تترك مجالا للتأويل بخصوص ملف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، وهو الأمر الذي لم يكن موجها لـ"البيجيدي" فقط، بل أيضا إلى تل أبيب، وأهم ما فيه أن الأمر متعلق أولا وأساسا بقضية الصحراء.
وذكَّر البلاغ بأن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك بحكم الدستور، ويدبرها بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية، مع التأكيد على أن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية للملك، الأمر الذي يذكر بالسياق الذي جاءت فيه تلك العلاقات التي عادت بعد عقدين من قطعها، والمرتبط بتوقيع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرسوما رئاسيا يعترف بمغربية الصحراء.
وحمل البلاغ تحذيرا شديد اللهجة من التوظيف الداخلي لملفات ذات حساسية على المستوى الدبلوماسي، حين تحدث عن أن الموقف المغربي من القضية الفلسطينية "مبدئي وثابت ولا يخضع للمزايدات السياسوية أو للحملات الانتخابية الضيقة"، الصيغة التي تُذكر باستخدام جهات خارجية للآراء الصادرة عن جهات مغربية، بما فيها حزب العدالة والتنمية، لمهاجمة المغرب، الأمر الذي يحدث بالدرجة الأولى مع السياسيين والإعلاميين الجزائريين.
وكانت صيغة البلاغ بمثابة "قرصة أذن" لابن كيران والأمانة العامة لحزبه، حين حذر من أن الحديث المتكرر عن قضية العلاقات مع إسرائيل لا يستحضر حساسية الوضع الراهن، مبرزة أن العلاقات الدولية للمملكة "لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان ولأي اعتبار، لاسيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة"، وجاء في الوثيقة أيضا "ومن هنا، فإن استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة".
وعبر البلاغ عن رفض القصر طريقة تعامل "البيجيدي" مع هذا الملف على الرغم من أنه كان على علم بسياقه وتفاصيله، حيث أوضح أن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10 دجنبر 2020، والبلاغ الذي نشر في نفس اليوم عقب الاتصال الهاتفي بين الملك محمد السادس، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 دجنبر 2020، والذي تم توقيعه أمام الملك.
وفي الجملة الأخيرة تحديدا تذكيرٌ بأن من وقع الاتفاق ليس سوى رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية سابقا، سعد الدين العثماني، بل ذهب الديوان الملكي أبعد من ذلك حين أكد ضمنيا أن "البيجيدي" كان على علم بالأمر، من خلال تذكيره بأنه "تم حينها إخبار القوى الحية للأمة والأحزاب السياسية وبعض الشخصيات القيادية وبعض الهيئات الجمعوية التي تهتم بالقضية الفلسطينية بهذا القرار، حيث عبرت عن انخراطها والتزامها به".
وإذا كان منطوق بلاغ الديوان الملكي يعني حزب العدالة والتنمية بالدرجة الأولى، فإن المقصود به ضمنيا أطراف أخرى، وفي مقدمتها تل أبيب، فقد أعلن بشكل صريح أن العلاقات بين البلدين مرتبطة أساسا بمغربية الصحراء، وبالاتفاق الثلاثي الذي وقعته أيضا الولايات المتحدة الأمريكية، وباستمرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ودعم مخطط الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة، بل وأيضا إحياء التزام واشنطن بافتتاح قنصلية لها بالداخلة.