"مدارس الفرصة الثانية".. تجربة تقودها جمعيات المجتمع المدني لمحاربة الهدر المدرسي تعيد 18 ألف تلميذ إلى مقاعد الدراسة
نجحت مقاربة إشراك جمعيات المجتمع المدني التي اعتمدها المغرب في تنفيذ برامج مدرسة الفرصة الثانية الرامية لإدماج الشباب المنقطع عن الدراسية، في إعادة 18,000 متعلم ومتعلمة موزعين على حوالي 230 مركزا متواجدا في مختلف ربوع المملكة خلال السنة الحالية لوحدها، وهي الأرقام التي وُصفت من طرف الفاعلين الحكوميين بـ "المهمة والمُشجّعة" سيّما وأنها تتماهى والمقاربة الشمولية المندمجة التي تروم تيسير ولوج هذه الفئة إلى سوق الشغل والاندماج في الحياة الاجتماعية والمهنية تنزيلا للبرنامج الاستراتيجي لإصلاح منظومة التعليم.
ويُعاني المغرب، من معضلة مغادرة ما يقارب 300 ألف شاب وشابة سنويا النظام التعليمي دون الحصول على أي مؤهل دراسي، وذلك وبالرغم من الاستثمارات الهامة في قطاع التعليم، التي لم تُؤتي مبتغاها على مر الحكومات المتعاقبة والسنوات المتتالية، ما دفع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى إحداث مدارس الفرصة الثانية (E2C)، التي أوكلت تسييرها إلى منظمات المجتمع المدني.
وتهدف هذه المؤسسات إلى إعادة تأهيل الشباب المتراوحة أعمارهم بين 16 و20 عامًا من خلال برامج تجمع بين إعادة التأهيل الدراسي، التدريب المهني، تعزيز المهارات الحياتية، والمواكبة بهدف تسهيل اندماجهم في سوق الشغل، إذ تشرف حاليًا قرابة 190 جمعية على إدارة 236 مركزًا موزعين في 12 جهة عبر ربوع المملكة، وتقدم خدماتها لحوالي 20 ألف شاب، فيما ورغم أهمية هذا العدد، إلا أنه يبقى بعيدًا عن تلبية الاحتياجات الفعلية على المستوى الوطني، ما يستدعي تكثيف جهود جميع الفاعلين لتوسيع نطاق انتشار هذه المدارس وتحقيق زيادة في عدد المستفيدين مقرونة بتحسين جودة التكوينات المقدمة للشباب واليافعين.
وفي هذا الإطار، تبدو الحكومة الحالية، ممتنة للنتائج "المهمة والمشجّعة" المحققة في إطار برنامج مدارس الفرصة الثانية E2C، سيّما وقد تمكّنت حسب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، من تطوير نموذج وطني بمقاربة وأدوات ومضامين بيداغوجية وديداكتيكية خاصة، تروم تيسير الولوج إلى سوق الشغل والاندماج في الحياة الاجتماعية والمهنية.
وأوضح بنموسى، في كلمته الافتتاحية خلال الندوة الوطنية لشبكة جمعيات مدارس الفرصة الثانية صبيحة اليوم الخميس، أن المقاربة المعتمدة في تنفيذ برامج مدرسة الفرصة الثانية بشراكة مع جمعيات المجتمع المدني، كانت ناجحة تماما وتستحق التثمين، منوّها بالدور المحوري الذي تلعبه الجمعيات خاصة وأنه تعزز من خلال تنظيمها في شبكة تساعد على تقاسم الخبرات والتجارب الناجحة والتنسيق المستمر، وهو ما تم تجسيده عن طريق إحداث الشبكة المغربية لجمعيات مدرسة الفرصة الثانية سنة 2020 وشكّل مكسبا ينبغي تقويته وضمان استمراريته عبر الرفع من قدراتها وتعزيز حكامتها.
وتتضمن هذه الشبكة التي أشار إليها المسؤول الحكومي، عددا من الجمعيات الشريكة للوزارة والتي يفوض إليها تدبير مراكز الفرصة الثانية الجيل الجديد، إذ يبلغ عددها حاليا 232 مركزا موزعا على جميع أقاليم المملكة، فيما تستقبل هذه السنة حوالي 18 ألف متعلمة ومتعلم، وفق كشفه الوزير بنموسى، الذي أكد أن نسبة الإدماج من بين خريجي هذه المراكز بلغت 72% من مجموع المسجلين خلال الموسم التربوي، 2022/2023، فيما 16% منهم تم إدماجهم بالتعليم النظامي و21% بالتكوين المهني و35% بالحياة العملية.
ونبّه المسؤول الحكومي في كلمته، إلى أن هذه الشبكة حددت ضمن مهامها الارتقاء بجودة مدارس الفرصة الثانية، وتأهيل المتدخلين ومنح علامة الجودة لهذه المدارس وتبادل الخبرات والترافع والإشعاع على الصعيد الجهوي والقاري والدولي، فيما أكد الوزير أنه واعتبارا للرهانات المعقودة على الشبكة، وإيمانا من الوزارة بأهمية مأسسة المقاربة التعاقدية، بما يتناسب والأهداف المتوخاة من هذه المراكز، وما يتطلبه هذا الورش من شمولية وتبسيط للمساطر، أبرمت الوزارة اتفاقية شراكة معها، تهم برنامج عمل ودعم مالي ومواكبة تقنية من أجل تنفيذ المشروع.
وترتكز هذه الشراكة، حسب الوزير بنموسى على المصلحة الفضلى للمستفيدين، فيما يتعلق باستدراك التعلم وبلوغ الإدماج في المسار التعليمي والمنهي، كما تتأسس على استلهام الممارسات التربوية والإدماجية الناجعة، والتي تتبناها الشبكة في الاستهداف والتأطير والمواكبة والابتكار في صيغ الاحتضان وفي تقوية حكامة المشاريع والارتقاء بقدرات الفاعلين وفي تنويع مصادر التمويل وإشراك النسيج الاقتصادي والمقاولاتي وفي إنجاح هذا الورش الحيوي.
وشدّد المتحدث، على أهمية تضافر جهود الجمعيات والنسيج الإنتاجي والفاعلين المحليين المعنيين بتأهيل وإدماج الشباب، مطالبا إياهم بضرورة الانخراط في دعم مدراس الفرصة الثانية الجيل الجديد، وضمان إرسائها على المستوى الترابي، وأن يشمل هذا الانخراط، بشكل خاص، مواكبة المتعلمين ودعم مشاريعهم الشخصية عن طريق توفير التداريب العملية و تيسير الولوج إلى سوق الشغل.
من جانبه، قال وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري إن الأرقام التي حققها برنامج فرصة ثانية حتى الساعة، هي جيدة ومهمة جدا، كما أن مُشجّعة وإن كانت لا ترقى لمستوى التطلعات التي يصوغها المغرب ويصبو بلوغها في ظرف زمني وجيز، مشدّدا على أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية تجابه البرنامج من كل صوب وتستوجب مزيدا من تضافر الجهود بين مختلف الفاعلين والمتدخلين.
وأشار السكوري، في متن كلمته خلال الندوة الوطنية الأولى التي عقدتها شبكة جمعيات مدارس الفرصة الثانية – المغرب، تحت شعار: "إدماج الشباب المنقطع عن الدراسة: مسؤولية الجميع"، إلى أن التنزيل الفعلي لأهداف المشروع يتطلب من مختلف الفاعلين والمتدخلين سواء كانوا من المؤسساتيين أوالاقتصاديين في القطاع الخاص أو المسؤولين الحكوميين أو المحليين تنسيق الجهود وتضافرها من أجل دعم الشباب المنقطعين عن الدراسة، سيّما في سياق المشاكل والتحديات التي باتت تتخبط فيها البلاد بما فيها ارتفاع وتيرة البطالة، وتأثير التغييرات المناخية على الهجرة بما فيها الهجرة الداخلية من القرى والمداشر صوب المدن كواحدة من النتائج العرضية لآفة الجفاف التي تتكبّدها بلادنا.
من جانبها، نوّهت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار، بما وصفتها بـ "المجهودات الجبارة" التي تقوم بها وزارة التربية الوطنية في محاربة الهدر المدرسي في إطار التعاون مع النيابة العامة، والتي تمكنت من إرجاع ما يناهز 100 ألف طفل منقطع عن الدراسة إلى صفوف التعلم، مؤكدة أن ما جعل الوزارة تحقق هذا هي الآلية المعتمدة بحيث أنه كلما كان هناك انقطاع لبضعة أسابيع يتم إشعار النيابة العامة ويكون تدخل من إجل إرجاع التلميذ أو التلميذة إلى صفوفه.
وأشارت المسؤولة الحكومية في كلمتها، إلى أن وزارتها وقعت مع وزارة التربية الوطنية اتفاقية من أجل مواكبة هؤلاء التلاميذ داخل الوسط الأسري سيّما وأن المشكل مرتبط بهذا الوسط حيث يواجهون صعوبات أسرية أو اجتماعية وغيرها، ما يدفع الطفل أو الأسرة إلى قرار الانقطاع عن الدراسة.
وفي هذا الإطار، قالت الوزيرة إنه وتفعيلا للبرنامج الحكومي وتنفيذا للتوجيهات الملكية قامت وزارتها بإطلاق مفهوم جسر الأسرة في 2023، الذي شمل برامج التربية الوليدية، وتحسيس الأسرة حول أهمية التنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال ومواكبة الأسر لمواكبة الانقسام الأسري ومشاكل الطلاق عبر الوساطة الأسرية والإرشاد، مؤكدة أن هذه المشاكل هي الأصل الذي يتشعب عنه الهدر المدرسي ويتطلب الاستئصال.
هذا، وتهدف الندوة الوطنية لشبكة جمعيات مدارس الفرصة الثانية، التي حضرها المسؤولون الحكوميون إلى تسليط الضوء على الحاجة الملحة لتعبئة الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف النوعية والكمية لشبكة جمعيات مدارس الفرصة الثانية - الجيل الجديد، خاصة من خلال إبرام شراكات فعالة تعزز التعاون المثمر بين الأطراف المعنية، وتطوير خارطة طريق مشتركة تهدف إلى تحقيق التحسين المستمر لمدارس فرصة ثانية الجيل الجديد، مع تحديد إجراءات عملية تنفذ على المدى القصير المتوسط والطويل، كما تشكل الندوة منصة لتبادل التجارب الناجحة في هذا المجال، واستعراض الابتكارات التربوية، وتسليط الضوء على التحديات الراهنة، بهدف تحسين آليات الدعم المقدمة للشباب المنقطعين عن الدراسة، ومساعدتهم على توسيع آفاقهم وتعزيز فرص إدماجهم الاجتماعي والمهني.