مدريد تسحب أغلب عملاء استخباراتها من المغرب.. ومصادر أمنية إسبانية: تم تجميد المهام التقليدية للجهاز في المملكة المغربية

 مدريد تسحب أغلب عملاء استخباراتها من المغرب.. ومصادر أمنية إسبانية: تم تجميد المهام التقليدية للجهاز في المملكة المغربية
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 3 أبريل 2025 - 21:00

بهدوء تام وبلا إعلان رسمي، انسحب عملاء جهاز الاستخبارات الإسبانية CNI من الأراضي المغربية، وتوقفت شبكاتهم عن العمل الميداني منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات، وفقًا لما أكدته مصادر أمنية موثوقة لصحيفة ''إل موندو الإسبانية" وهي العملية، التي وُصفت بأنها "تفكيك فعلي" للحضور الاستخباراتي في بلد يعتبره الإسبان "محورياً" لأمنهم ومصالحهم الاقتصادية، وقد أُنجزت من دون أي توضيح، تاركةً وراءها فراغًا في واحد من أكثر الملفات حساسية في علاقة مدريد بجارتها الجنوبية.

ونقلت الصحيفة الاسبانية عن مصادرها الاستخباراتية والأمنية، أنه وفي ما يشبه عملية "انسحاب تكتيكي" تجري في الظل، ووسط سياق دبلوماسي هش وحساس، تم تجميد المهام التقليدية للجهاز في المملكة المغربية والتي تشمل التجسس ومكافحة التجسس في ملفات استراتيجية، بالكامل منذ أزيد من ثلاث سنوات، ذلك أن فرق CNI التي كانت تعمل سابقًا من العاصمة المغربية الرباط، تقلص وجودها بشكل متدرج حتى تحوّلت إلى مجرد حضور إداري "غير استخباراتي"، لا يتجاوز أداء مهام بيروقراطية داخل "التمثيليات"، وهي البُنى التحتية السرية التي تُستعمل عادة لاستقبال الفرق عند تنفيذ المهام الميدانية.

وقبل هذا التقلص، كانت مجموعات استخباراتية عديدة تشتغل في المغرب، تراقب عن كثب مجالات مصنّفة بالغة الأهمية للأمن القومي الإسباني، مثل الدفاع، والهجرة، والتطرف، والملفات الجيوسياسي، والقطاع التجاري، لكن بحسب الشهادات ذاتها، صدرت أوامر بسحب العملاء بشكل "مفاجئ"، ومنذ ذلك الحين "لم يُرسل أي منهم من جديد"، أو على الأقل تم تقليص عملهم الاستخباراتي.

المصادر الأمنية رفيعة المستوى، وفق ما ذكرته الصحيفة، لم تُخفِ امتعاضها من الوضع، وانتقدت "عدم وجود أي معلومات" حول أسباب هذا الانكفاء في بلد تعتبر السيطرة على مجاله المعلوماتي "ضرورة استراتيجية لإسبانيا"، مشددة على أنه "من غير الطبيعي الانسحاب من بلد لا يصنَّف منطقة نزاع أو صراع".

في المقابل، نفى المركز الوطني للاستخبارات وفق "إل موندو" وجود هذا الانسحاب، وأكد أن "الاحتياجات المعلوماتية للمركز في المغرب مغطاة بالكامل"، مشددًا على أنه "من غير الصحيح وجود قيود على النشاط الاستخباراتي".

لكن، ما كشفته المصادر لا ينسجم مع هذا النفي، إذ تربط تلك المصادر عملية الانسحاب بسياق سياسي أوسع، ارتبط بما سمّته "موجة تقارب" بين حكومة بيدرو سانشيز والرباط، شملت توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات الأمن والهجرة، إلى جانب التحوّل الجذري في الموقف الإسباني إزاء ملف الصحراء المغربية، حين اعترفت مدريد رسميًا بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل للنزاع، متخلية عن دعمها السابق لإجراء استفتاء تقرير المصير.

 في هذا الإطار، قالت مصادر استخباراتية لها خبرة طويلة في التعامل مع الملف المغربي لـ "إل موندو"، إن "الحكومة لا تريد إزعاج المغرب"، مضيفة: "لهذا السبب أخرجت عملاء CNI من هناك، لتفادي أي نوع من المشاكل أو سوء الفهم الذي قد يُهدد العلاقة".

وبحسب هذه المصادر، لا يوجد مبرر منطقي لتفكيك الشبكات الاستخباراتية، لأن "المغرب ليس منطقة صراع"، و"القاعدة العامة هي أن هذا النوع من المهام لا يُنفَّذ في بلدان تعيش حروبًا أو اضطرابات أمنية شديدة، حفاظًا على سلامة الموظفين، لكن هذا لا ينطبق على الحالة المغربية".

رغم هذا الانكفاء الإسباني وتفضيل "سياسة اللا اصطدام"، لم تتفادى مدريد التوترات مع الرباط، حسب المصدر ذاته، ففي ماي 2021، عاش البلدان واحدة من أسوأ أزماتهما، بعدما سمح المغرب بوصول موجات متتالية من المهاجرين غير النظاميين إلى مدينة سبتة، ردًّا على سماح إسبانيا بإدخال زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، إبراهيم غالي، لتلقي العلاج مستخدمًا جواز سفر إسباني، وبهوية مزورة تحت مسمى "بن بطوش".

وذكرت أن المغرب، الذي لم يتلقَّ إخطارًا رسميًا بالاستقبال، أطلق واحدة من أقوى أدواته للضغط السياسي، عبر فتح حدوده أمام قرابة 8000 مهاجر في غضون أيام معدودة، وهو ما وضع حكومة سانشيز أمام انتقادات واسعة، ودفعها لاحقًا إلى تعديل موقفها من ملف الصحراء لصالح الرباط.

وهذه الأزمة، تقول "إل موندو" فتحت الباب أمام واحدة من أعقد القضايا الأمنية في السنوات الأخيرة، فقد بدأت تظهر تسريبات وتقارير تتحدث عن استخدام برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" لاختراق هواتف مسؤولين إسبان، أبرزهم رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، ووزيرة الدفاع مارغاريتا روبليس، ووزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا.

وإذا كانت فرضية التجسس باستخدام برنامج "بيغاسوس" قد زادت من تعقيد العلاقات بين مدريد والرباط، فإن نتائج لجنة التحقيق التابعة للبرلمان الأوروبي، التي خصصت سنة كاملة لبحث هذا الملف، جاءت لتضيف بعدًا جديدًا إلى المشهد، بعد أن لم تُثبت أي دليل يدين المغرب بشكل مباشر.

ففي الفقرة 330 من التقرير النهائي، خلصت اللجنة إلى "غياب أي مؤشرات ملموسة على استخدام المغرب لبرنامج بيغاسوس للتجسس على مسؤولين أو مواطنين أوروبيين"، وهو المعطى الذي لطالما شددت عليه الرباط في مواجهة موجة الاتهامات التي وُجّهت إليها منذ تفجر القضية.

اللجنة الأوروبية، التي وصفت تحقيقها بـ"الماراطوني"، أشارت إلى أنها استندت في خلاصاتها إلى زيارات ميدانية شملت الدول المعنية، واستماع مطوّل لشهادات المتضررين المحتملين، إلى جانب تقارير خبراء وتقنيات تدقيق معلوماتي، إلا أن ذلك لم يفضِ إلى نتائج قطعية تُدين المملكة.

ورغم هذا التقييم، لم يتراجع البرلمان الأوروبي عن موقفه المتشكك، إذ أقرّ لاحقًا توصية تُعيد توجيه الاتهام إلى المغرب ورواندا معًا، بالوقوف خلف عمليات تجسس استهدفت مسؤولين كبارًا في الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم رؤساء دول، كما دعا إلى "مراجعة شاملة لمنظومة تصدير برامج التجسس".

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...