مستجيبا لرغبة بوتين في تعزيز روابط التعاون.. المغرب يستعين بخبرة روسيا في الطاقة النووية لمجابهة آفة الجفاف
يبدو أن رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تعزيز العلاقات الروسية المغربية ومواصلة الزخم الذي تم إطلاقه خلال زيارة الملك محمد السادس إلى روسيا عام 2016، وجدت لها صدى إيجابي في الرباط، التي قرّرت الاستعانة بخبرة وتجربة موسكو في تفعيل مخطط مكافحة الجفاف الذي تتكبّده المملكة ويُعد الأسوأ من نوعه منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود.
وتسير اتفاقية التعاون النووي بين المغرب وروسيا، في تقدّم مستمر، منذ توقيع الرباط لاتفاق مع شركة فرعية تابعة لشركة الطاقة النووية المملوكة للدولة "روساتوم"، على هامش الانعقاد الثاني للقمة الروسية-الأفريقية في مدينة سانت بطرسبرغ، يومي 27 و28 من شهر يوليوز الماضي، لأجل التعاون في مجال تحلية مياه البحر، وهي عملية تتطلب طاقة مكثفة للغاية وتحول تكاليف الطاقة الباهظة.
ووضعت روسيا أنظارها على واحد من أعظم كنوز المغرب، وهي الثروة التي يتم الاحتفاظ بها تحت الأرض، بحسب موقع "أتالايار"، الذي أكد أن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين المغرب والشركة الحكومية الروسية للطاقة النووية "لم يخلو من الإشارة إلى الإمكانيات التي يتمتع بها الاقتصاد المغربي، فضلا عن أراضيه التي تعد موردا طبيعيا رئيسيا".
ويأتي هذا التحالف النووي المغربي الروسي، تزامنا مع تكبّد المملكة ويلات آثار الجفاف المتفاقم والتاريخي، سيّما مع الارتفاع المتواتر والقياسي الذي تشهده درجات الحرارة التي تجاوزت 51 درجة مئوية في بعض مناطق المغرب، تغذيها الرياح الجافة القادمة من الصحراء الكبرى، ما دفع المملكة إلى البحث عن مخرج من خلال الاستعانة بالتجربة الروسية في المجال، حيث من المرتقب أن يكون التحالف مع موسكو أساسياً في القادم من الأشهر.
ولا يغيب عن روسيا، أن الرباط تسيطر على حوالي 73 في المائة من احتياطي صخور الفوسفات في العالم، بيد أن الجائزة الكبرى تكمن داخل هذه الكميات التي تحتوي على نحو 6.9 مليون طن من اليورانيوم الذي يعد موردا رئيسيا لإنتاج الطاقة النووية، إذ أن هذه المعدلات تعادل ثلاثة أضعاف ما تمتلكه الدول المصدرة الأخرى، مثل أستراليا.
وتُظهر بيانات الخبير مايكل تانشوم في تحليله بمعهد الشرق الأوسط، كيف أن المغرب بدأ يقيّم تعاونه مع روساتوم في مجال تحلية مياه البحر، التي تتطلب استهلاكًا عاليًا للطاقة، ولكنها أقل تكلفة بكثير إذا تم استخدام الطاقة النووية.
وقد تحقق بالفعل أول تقارب بين المغرب وروسيا في هذا المجال، عندما وقع المغرب مذكرة تفاهم مع شركة Rusatom Smart Utilities، التابعة لشركة Rosatom، وتم إنشاء هذا التحالف بهدف استكشاف تطوير محطات تحلية المياه في المغرب، ولهذا سيتم استخدام تكنولوجيا روساتوم لتوفير المياه للزراعة والصناعة والاستهلاك الشخصي.
وعقدت شركة MYA Energy المغربية من جانبها، صفقة بقيمة 2.3 مليارات دولار مع شركة التنمية الحكومية الروسية VEB لبناء مجمع بتروكيماويات ومصفاة نفط في شمال المغرب، كما أنه وفي أكتوبر 2022، أعادت الحكومة الروسية تأكيد تعاونها النووي مع الرباط، مما مهد الطريق لمذكرة التفاهم الجديدة مع فرع روساتوم في القمة الروسية الإفريقية الثانية، مؤكدة أن "الاتفاقية يمكن أن تكون بمثابة سابقة إذا تم تضمين الطاقة النووية في مجموعة الحلول التي سيتم تنفيذها كجزء من استراتيجية المغرب الوطنية للماء البالغة 40 مليار دولار التي ستمتد للفترة بين 2020-2050".
وورد في تقرير معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن "روسيا يمكنها تقديم حلول لتحلية المياه تعمل بالطاقة النووية للبلدان التي تعاني من الإجهاد المائي في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمناطق المتاخمة لإفريقيا جنوب الصحراء، وخصوصا المغرب".
ولفت المصدر ذاته إلى أن "الحالة المتزايدة للهشاشة وللأمن الغذائي في منطقة “مينا” تتجلى في ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص الأغذية، وترجع في المقام الأول إلى ندرة المياه الشديدة في المنطقة، والتي تفاقمت بشكل متزايد بسبب تغير المناخ".
ومن ثم، بدا لمعهد الشرق الأوسط أن خطة الرباط الجديدة، المسماة "الجيل الأخضر 2020-2030"، تركز على مرونة واستدامة الإنتاج الفلاحي في البلاد، مع اعتماد كبير على تقنية تحلية مياه البحر (SWRO)”.
ونبّه المصدر ذاته، إلى أن "محطات تحلية المياه SWRO 10 تتطلب أضعاف كمية الطاقة لإنتاج نفس حجم المياه مثل محطات المعالجة التقليدية. ولتلبية احتياجاته الفلاحية والصناعية مع ضمان إمدادات كافية وجيدة التكلفة من المياه للاستهلاك البشري، سيحتاج المغرب إلى القيام باستثمارات جديدة كبيرة في توليد الطاقة منخفضة الكربون".
ويحاول المغرب أن يطور وحدات معيارية لنشرها في المناطق النائية التي تواجه ندرة حادة في المياه، بحسب المعهد الأمريكي، يمكن أن "تكون الطبيعة المدمجة لتوليد الطاقة النووية مناسبة جدا لهذه المهمة، كما أن توافر اليورانيوم المنتج محليا يجعل الخيار النووي أكثر جاذبية للرباط".