موقع "ميديابار" الفرنسي يضطر لسحب مقال تحدث عن قبول تجسس روسيا وأمريكا والصين.. لكن من "العار" أن يتم التجسس من بلد مسلم وصغير مثل المغرب!
تعاملت العديد من وسائل الإعلام الفرنسية مع "تسريبات بيغاسوس"، التي نشرتها على شكل "تحقيق استقصائي" 17 مؤسسة صحفية عبر العالم من بينها جريدة "لوموند"، كما وأنها حقيقة لا غبار عليها، على الرغم من أن قصر "الإليزي" وحكومة باريس بنفسيهما تطرقا إلى هذا الملف بكثير من الحذر دون اتهام الرباط بأي شيء، لكن أغرب ما نشرته الصحافة الفرنسية حول الموضوع كان هو وصف عملية "التجسس" المفترضة بـ"العار" فقط لأنها صادرة عن بلد "صغير ومسلم"، قبل أن تُحذف المادة.
وهذا المقال نُشر على موقع "ميديا بارت" الفرنسي، الذي قال فريق التحقيق الاستقصائي إن مديره، إيدوي بلينيل، كان من بين المستهدفين من طرف المغرب بواسطة برنامج التجسس الإسرائيلي الصنع، ليُسرع، بتاريخ 20 يوليوز 2021 إلى نشر كمادة معنونة بـ"التعرض للتجسس من طرف المغرب، بصراحة إنه العار"، مستغربا أن يتم الأمر من طرف بلد "مغاربي ومسلم".
وجاء في نص المقال أنه بالإمكان تقبل تعرض فرنسا للتجسس من طرف روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما لا يُعد مقبولا هو تعرضها للاختراق الاستخباراتي من لدن المغرب، ويبدو أن إدارة "ميديا بارت" أحست بجسامة ما ذكرته لتقوم بحذف المادة، غير أن شبكة "غوغل" احتفظت بأرشفتها رغم أن الدخول للرابط يحيل على صفحةٍ "لم تعد موجودة"، كما قام بعض المتابعين بنسخها قبل إزالتها.
ومن الملاحظات المثيرة على تعاطي الإعلام الفرنسي مع "تسريبات بيغاسوس" فيما يخص المملكة، نقاش بثته قناة "فرنسا 24" في نسختها العربية، حيث كان العنوان هو "ما أدلة المغرب على عدم استخدام برنامج التجسس "بيغاسوس" الإسرائيلي؟"، وهي عبارة تدعو للاستغراب كون أن المُطالب بتقديم الأدلة هو فريق التحقيق، الأمر الذي سبق أن تطرق إليه بلاغ للحكومة المغربية التي أعلنت "تحديها" للمعنيين بأن يعرضوا حُججهم حول ما نشروه.
واللافت لمتابع الحوار، الذي يزيد قليلا عن 5 دقائق، هو طبيعة الأسئلة التي طرحتها صحافية القناة على ضيفها المغربي، من قبيل "هل لدى المغرب أدلة لتفنيد ما زعمته هذه المنظمة (فوربيدن ستوريز)؟"، أو حديثها عن استهداف الملك محمد السادس بعمليات التجسس، ثم عن "تسريبات سابقة" حول استخدام المغرب لهذا البرنامج ضد صحافيين، وهي نفسها المعطيات التي تطالب الرباط بكشف أي دليل بخصوصها، ثم تتساءل مقدمة البرنامج "ماذا لو أثبتت التحقيقات التي أطلقتها فرنسا بأن المغرب فعلا متورط؟ سيتكون هناك أزمة بالتأكيد بين البلدين" ما يعني أن السؤال يستند أساسا لفرضية "إدانة المغرب" للوصول إلى نتيجة مفادها حدوث أزمة بين الرباط وباريس.
وحتى عند الرجوع إلى التحقيق الذي نشرته "لوموند" حول اختراق المغرب لهواتف الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، والوزير الأول السابق إدوارد فيليب، و14 عضوا في الحكومة الفرنسية، تقول الصحيفة إن "الاستهداف" هو استنتاج توصلت إليه عبر معاينة لائحة من 10 آلاف رقم يفترض أن المخابرات المغربية استهدفتها، لكنها تعترف بعدم قدرتها على تأكيد ذلك لأنها لم تفحص هاتف رئيس الجمهورية.
وفي مقابل تعامل مجموعة من وسائل الإعلام الفرنسية مع الأمر وكأن وَضْعَ المغرب في قفص الاتهام أمر لا مناص منه، لم يصدر عن القصر الرئاسي ولا عن المتحدث باسم الحكومة ما يؤكد مزاعم "التحقيق الاستقصائي"، بل إن الوزير الأول الفرنسي صرح أمام أعضاء الجمعية الوطنية، أول أمس الثلاثاء، أن التحقيقات التي فتحتها سلطات بلاده لم تستطع الوصول إلى أي دليل يثبت ما تم نشره.