مُجتَمَعُنا بينَ الإعلامِ والثّقافَة!

 مُجتَمَعُنا بينَ الإعلامِ والثّقافَة!
أحمد إفزارن
الأحد 25 شتنبر 2022 - 13:09

الإعلامُ في خِدمةِ الثّقافَة.. وهُما معًا في خِدمةِ المُجتَمَع.. مُثَلثٌ رابطٌ بين الإعلامِ والثّقافةِ والمُجتمَع.. ولا غِنًى لطرَفٍ عن آخَر.. كُلُّها تَتكامَلُ مع بَعضِها..
والمُجتَمعُ هو المُستَهلِك: إنهُةالمَصَبُّ الآتِي منَ الإعلامِ والثّقافة.. فكيفَ يَخدُمُ الإعلامُ الثّقافة؟ ومِن ثمّةَ كُلَّ المُجتَمع؟
■ التّفاعُلُ بينَ الحَركةِ الإعلاميّةِ والنّشاطِ الثّقافِي، عندَنا وعندَ غَيرِنا، يعنِي أنّ كُلاًّ مِنَ الإعلامِ والثقافةِ يُؤثّرُ في الآخر، ومَعًا يَنْقَادَانِ إلى المَصَبّ، ويُؤثّرَانِ في الحياةِ الاجتماعيّة..
يُؤثّرَانِ بالأخبَارِ والمَعلُوماتِ والاستِنتَاجات، لتَكوِينِ رأيٍ عامّ مُشتَرَك..
▪︎وبَعدَها تَنقَلِبُ الصُّورَة..
ويُؤثّرُ الرأيُ العامُّ في الإعلام.. ويُصبحُ الرأيُ العامُّ تفاعُلاً آخَرَ مُنتِجًا لثقافةٍ اجتماعيةٍ جديدة..
إنّ تَنوُّعَ الآلياتِ الإعلاميّة يَعنِي احتِياجَ الحَركةِ الثّقافيّة إلى مَعلُوماتٍ وأفكارٍ مُتَجدّدَة..
كما يَعنِي أنّ المُجتَمعَ الثّقافِيّ يَبحَثُ عن آلياتٍ إخبَاريّةٍ لتَتبُّع الأحدَاث، وتَوَقُّعِ ما سَوفَ يَحصُل..
▪︎وهذا ما يُفَسّرُ البحثَ ليس فقط إلى أخبارٍ سياسية، أو رياضية، بل أيضًا إلى أحداثٍ عِلميّة، وتكنُولوجِيّة، وصِحيّة، ومَعِيشيّة، وإلى استِقراءاتٍ مُستَقبَليةٍ بمُختَلفِ المَجالات، لتَنوِيعِ مَصادِرِ المَعرِفةِ المَحَليّة والعالَميّة..
 وهذا ما يُنَشّطُ الثّقافَات على الصعيدِ الدّولي، ونحنُ أيضا جُزءٌ منَ العالَمِ المُتَعطّشِ لِفَهمِ ما نحنَ فيه، وما نحنُ مُنقادُونَ إليه..
■ أيُ دَورٍ لِجَمعيّاتِ المُستَهلِكِين؟
يُمكِنُ تأسِيسُ جَمعيّاتٍ أُخرَى لمُستَهلِكين للموادّ التّجارية، وكذا جَمعياتِ استِهلاكٍ للمادّةِ الإعلاميّة:
إنّ مُستَهِلكَ الإعلام، بكُلّ التّلاوِينِ الإعلامية، يَجِدُ في مَسارِهِ إيجابيّات، وفي نفسِ الوَقت، هو مُعرَّضٌ لسَلبيّاتٍ لا تَخلُو مِن إشاعَات، ومُغَالَطَات، ومَعلُومَاتٍ غيرِ صحِيحة، وأفكارٍ مُتَضارِبة، ومِنِ استِنتَاجاتٍ وآراءَ مُلتَوِيّة، ومِن توجيهٍ اجتِماعيّ بعيدٍ عن التّوعيّةِ والتأثِيرِ البنّاء..
▪︎والاستِهلاكُ الإعلامِي لا يقبَلُ الغِشّ..
هو بحاجةٍ إلى توجيهٍ سليم.. إنهُ يَربطُ بين الخِطابِ الإعلامي والخطاب الثقافي، وهُما معًا مُوَجَّهَان إلى مُجتَمعٍ واحِد، هو مُجتَمعُ الثّقافة، وهُذا أحوَجُ ما يكُون إلى ثقافةٍ اجتِماعيةٍ تَخدُمُ الحُقوقَ والواجِبات، ومِن خلالِهما الوَطنَ والمُواطِن، وما تَحمِلُه هذه المُواصَفاتُ مِن شُحْنةٍ تَوْعَوِيّةٍ مُوجَّهةٍ إلى كُلّ الأجيَال، الحاليّةِ واللاّحِقة، بما فيها مِن حُمَولاتِ ثَقافةِ البِنَاء الوَطنِيّ المُشتَرك، والاستِقرارِ التّنمَوِيّ..
▪︎ليس لدَيْنا قانُونٌ لحِمايةِ "مُستَهلِكِ المادّة الإعلاميّة"..
حُكُوماتُنَا لم تُفكّرْ في تَقنِينِ حِمايةِ المُجتَمع، باعتبارهِ مُستَهلكَ الأجناسِ الإعلاميّة..
وِزارةُ الإعلامِ نَفسُها لم تُفكّر في التّفرِيقِ القانُونِي بين "مادّةٍ إعلامِيّة" و"مادّةٍ استِهلاكية"، مِنْ حيثُ الغِشُّ التّجارِي؟
وأخذَت "وزارةُ التجارةِ والصّناعة" مَسارَ تَوجُّهٍ تِجاريٍّ مَحض.. بينَما الجِهةُ الوَصِيّةُ على الإعلاَم، تَناوَلَت "قانونَ الصّحافَة والنّشر" مِن زاويةِ أخلاقياتِ المِهنَةِ وحِمَايَةِ الحُقُوقِ والحُرّيات"…
وتَمَّ إغفَالُ المُجتَمَع، باعتِبارهِ مُستَهلِكَ المادّةِ الإعلاَميّة، حتى والمادّةُ الإعلاميةُ نفسُها قد لا تَخلُو دائمًا منَ الغِشّ، ومِن أنباءَ ومَعلُوماتٍ مُضِرّةٍ بالسّلامةِ الاجتِماعيّة..
فما العَمَل؟
المُجتمعُ يُطالبُ بإعلامٍ نزيه، يبحثُ عن الحقيقة، ولا شيءَ سوى الحقيقة..  وعليها يبنِي تحليلاتِه، ويتكوّنُ رأيٌ غيرُ مَغشوش..
وهكذا يكون لدينا رأيٌ عامُّ غيرُ مُضَلَّل..
▪︎المَطلُوبُ منَ الجِهاتِ المُختَصّة بِقانُونٍ واضحٍ يُفرّقُ بين الاستِهلاكِ الثّقافي والاستِهلاكِ الإعلامِيّ، ورُبّما أيضًا بأنواعٍ أخرَى، ما دامَ الغِشُّ يُشكّلُ في ذاتِهِ إضرارًا بالمُجتَمَع، وخاصّةً في العُمقِ النّفسِيّ والعَقلِيّ والعَصَبِيّ..
إنّ حُرّيةَ التّعبِيرِ حَقٌّ مَشرُوعٌ يُعالِجُ الأفكَار، ولا يتَدَخّلُ في الحياةِ الشّخصيّة للناس.. وهذا لا يَعنِي أنها حُرّيةٌ مُطلَقَة…
ويُمكِنُ أن يُعَدَّ قانُونٌ جدِيد، بِصيغةٍ تَضبِطُ بينَ هذا النّوعِ الاستِهلاَكِي وذاك، عِلمًا بأنّ أحَدَهُما تِجارِيّ، والآخَرَ أخلاَقِيّ..
والهدَفُ في الحالتَيْن: حِمايةٌ تامّةٌ لأيةِ فِئةٍ اجتِماعِيّةٍ لتَجنِيبِها أيَّ إضرَار..
وأيضًا تمكِينُ المُجتَمع مِن تنوُّع المَصادرِ الإعلاميّة، المُؤهّلة لتَمكِينِ الرّأيِ العامّ مِن صِحّةِ الوَقائع وتَكوِينِ الرّأيِ في الأحدَاث، بشَكلٍ مَوضُوعِيّ..
■ وفي هذا السياق..
تَوَقُّفٌ عندَ الإعلام التّطبِيقِي:
هذا يَستَهدِفُ خلقَ التوازُن بين المَعارفِ النّظريّةِ والخِبرَة العَمَلية..
وعِندَما يتَخرّجُ الطالبُ مِن مَدرسةٍ عُليا للصحافة، يجبُ إلحاقُه بمَرحلةِ التّكوينِ التّطبيقي، وهذا التأطيرُ يُهيّىُّ الطالبَ للانتقالِ من كونِهِ "مَشروعًا إعلامِيًّا" إلى مِهَنِيّ مُمارِسٍ للإعلام..
وخِلالَ مَرحلةِ التّطبيقِ اللاحِقة، يتَدرّبُ خِرّيجُ الصّحافة على كُل ما هو مُمارَسة مِهنيّة: مُحاضَرات، أبحاث، مُناقَشات، أوراشُ عُمل، زياراتٌ ميدانيّة، تطبيقُ الأجناس الصحافية، التّفاعُل مع وسائلِ الإعلام، الشكُّ في المعلُومات، والتأكُّدُ من الأخبار، والتدرُّب على الحِوار، وفهمُ طبيعةِ المُحاوَر، والتأكُّدُ من مدَى قُدرتِه على الإجابة المطلُوبة.. وهل هو مُؤهّل؟ والمطلوب: شراكاتٌ مع المِهنيّين لإشرَاكِهم في عَمليةِ الانتِقال إلى مَرحلةِ المُمارَسة المِهنيّة..
▪︎هذه الشّراكاتُ ضرُوريّةٌ بينَ الجامعاتِ والجَرائدِ والإذاعَاتِ والتّلفزيُون وبقيّةِ المؤسّسات الصحافية والإعلامية والرّقمِيّة والمِهَن المُكمّلة، كالطباعة والتّصويرِ وغيرِها… 
وخلالَ التّطبِيقات، في مرحلةِ ما بعدَ التّخرُّج، يتَكوّنُ لدى مَن كان طالبًا وأصبحَ داخلاً في صُلبِ المِهنةِ الإعلاميّة، بفَضلِ التّطبيقات، تَوافُقٌ بين الأمانةِ العِلميّة وأخلاقيّاتِ البحثِ الإعلامِي والرّقمِي، وتأهِيلٌ لخِدمةِ قضايا المُجتَمع، وعِندَها يُدرِكُ جيّدًا أنّ مُستَهلكَ الإعلامِ والثقافة هو نفسُه المُجتَمعُ الذي يطالبُ بحُقُوقِه الإعلاميّة والورَقيّة والبصَريّة…
ولا نَنسَى أنّ الإعلامَ بِوسائلهِ المُتنوّعة يُعتبَرُ جُزءًا مِنَ الحَياةِ اليَوميّةِ لكل فَرد، وهذه ثقافةٌ اجتِماعية تعنِي 
حُصولَ جميعِ الناسِ على المعلُوماتِ الضّرُوريّة للحياةِ الاجتٍماعيةِ اليومية.. 
▪︎الإعلامُ المَغرِبِي يَملِكُ مُؤهّلاتٍ بَشَريّةً ذاتَ رُؤيةٍ مُستَقبليّةٍ تُواكِبُ الاستراتيجيةَ الوطنية، سياسيّا واقتصاديًّا واجتماعيّا..
والحاجَةُ ماسّةٌ إلى تطوِيرِ النّاشِئة، مع الاستِفادةِ مِنَ أجيالِ القُدوَة الإعلاميّة، على امتِدادِ عُقودٍ منَ الزّمن..
▪︎وأخيرًا: أينَ يَتَمَوْقَعُ "المَجلِسُ الوَطَنِي للصّحافة؟ هل للإعلامِ والثّقافةِ والمُجتمعِ مكانٌ في اهتِماماتِ المَجلِس؟ وما العَمَلُ مع بِطاقةِ الصّحَافة؟ يَبدُو أنّ سيّادةَ المَجلسِ قد دَخلَ في حَلقةٍ مُفرَغَة!
[email protected]

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...